تم الإعلان يوم الخميس الماضى عن توصل مصر إلى اتفاق مبدئى مع صندوق النقد الدولي، تحصل بموجبه على قرض بمبلغ 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، رهنا بموافقة المجلس التنفيذى للصندوق. بيان رئيس بعثة الصندوق فى مصر حدد المعالم الرئيسية لبرنامج القرض. طبعا لا جديد تحت الشمس. السياسات التى يتضمنها البرنامج اشتملت كما هو متوقع على البنود التقليدية التى ترد عادة فى برامج القروض التى يعقدها الصندوق. الأهداف المعلنة أيضا هى كالمعتاد استعادة الاستقرار المالى من خلال تخفيض عجز الموازنة العامة، وتخفيض معدلات الدين الحكومي، واجتذاب موارد النقد الأجنبي، وخفض معدلات التضخم. الإجراءات والسياسات التى أشار إليها بيان رئيس بعثة الصندوق تتضمن استئناف إجراءات تخفيض دعم الطاقة التى بدأتها مصر فى عام 2014، وزيادة الإيرادات العامة من خلال تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، و الانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف، وهو الاسم الكودى لتخفيض قيمة الجنيه المصري. البيان يؤكد أن هذه المرونة هى التى تؤدى إلى تعزيز القدرة التنافسية لمصر، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، بما يدعم النمو وفرص العمل. وبما أن تطبيق هذه الإجراءات جميعها يؤدى إلى اشتعال الأسعار فإن البيان لا ينسى تأكيد أهمية سعى السياسة النقدية التى ينتهجها البنك المركزى المصرى إلى خفض معدلات التضخم، وهو الأمر الذى يعنى بالعربى الفصيح رفع سعر الفائدة. جوهرة التاج فى برامج قروض الصندوق تتمثل عادة فى خصخصة الأصول العامة. الشهادة لله بيان رئيس بعثة الصندوق لم يشر إلى هذا الأمر على الإطلاق.. البيان اكتفى بحث الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحسين مناخ الأعمال وتبسيط اللوائح وتشجيع المنافسة وزيادة الإنتاجية، بما يهيئ أرضًا خصبة لنشاط القطاع الخاص. أما الذى تحدث عن بيع الأصول العامة فكان محافظ البنك المركزى الذى أكد أن طرح الأصول العامة فى البورصة لا يمثل خصخصة حيث تظل النسبة الغالبة فى المشروعات مملوكة للدولة، وأن الهدف هو تنشيط البورصة واجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية وتحويل مصر إلى مركز مالى عالمي. طبعا يمكن أن تتساءل وأتساءل معك، ولماذا لا تنتعش البورصة إلا ببيع ماهو قائم بالفعل؟ أليس المفترض أن تلجأ إليها الشركات المساهمة للحصول على تمويل جديد لتوسعاتها الاستثمارية سواء من خلال ضم مساهمين جدد أو طرح سندات للاكتتاب العام والحصول على قروض طويلة الأجل؟ لماذا يتحمل الشعب نتيجة تقاعس القطاع الخاص وكبار رجال الأعمال عن الاستجابة لدعوة البناء والتنمية، ليكون البديل هو طرح حصص من الممتلكات العامة للبيع وتبديد حصيلتها فى سداد عجز الموازنة العامة وسداد الديون؟ أما الجديد حقا فى بيان رئيس بعثة الصندوق فيتمثل فى أمرين. الأمر الأول هو تأكيد أن الحماية الاجتماعية تمثل حجر زاوية فى برنامج القرض، والأمر الثانى هو تعزيز المساءلة فى صنع السياسات، ومحاربة الفساد. يعنى باختصار الصندوق يرمى الكرة فى ملعب الحكومة، فهى المسئولة عن حماية الفقراء من التهاب الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة تنفيذ برنامج القرض، كما أنها هى المسئولة عن مواجهة الفساد الذى يبدد موارد الدولة ومستحقات الشعب.. تأكيد مبادئ الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد يعنى أن الصندوق يغسل يديه مقدما من أى تكرار لسيناريو خصخصة المشروعات العامة الذى سبق وعشناه. أما فيما يتعلق بموضوع الحماية الاجتماعية فيشير بيان الصندوق بوجه خاص إلى الحفاظ على دعم الغذاء والتحويلات الاجتماعية الموجهة إلى المستحقين، ودعم ألبان وأدوية الأطفال، ووضع خطة لتحسين برامج الوجبات المدرسية، والتأمين الصحى للأطفال والمرأة المعيلة، والتدريب المهنى للشباب. بصراحة عداه العيب! ولكن المشكلة أن الصندوق يعلم والحكومة تعلم ونحن نعلم أن الأموال المرصودة فى موازناتها العامة هى أبعد ما تكون عن توفير هذه الحماية. برنامج الحكومة المقدم لمجلس النواب ووثائق الموازنة العامة توضح أن أقصى ما تطمح إليه برامجها للحماية الاجتماعية هو تغطية 3 ملايين أسرة فى خلال 3 سنوات. الحكومة نفسها تعترف بأن عدد هذه الأسر يقرب من نصف عدد السكان الذين يقعون تحت خط الفقر. يعنى باختصار، حتى لو نجحت الحكومة فى تنفيذ كل ما يتضمنه برنامجها للحماية الاجتماعية فإن هذا لن يغطى إلا نصف السكان الفقراء، أما النصف الآخر، ناهيك عن الطبقة المتوسطة التى لا يغطيها إلا الستر، فيتولاهم ربنا! لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى