عشر سنوات تمر هذه الأيام على حرب تموز- يوليو-عام 2006بين حزب الله وإسرائيل ، فبعد 33 يوما من التدمير الشامل الذى ألحقته إسرائيل بالبنية التحتية للبنان وتدمير مبانى الضاحية الجنوبية وقرى الجنوباللبنانى ، ومئات الصواريخ التى أطلقها حزب الله على الخليل والمستوطنات والمدن فى عمق إسرائيل، ثم توقفت الحرب التى بدأت بخطف حزب الله لجنديين إسرائيليين وقتل ثمانية، ليموت خلال الحرب 1200 لبنانى وتلحق بلبنان خسائر مادية فادحة تقدربعشرات المليارات من الدولارات. فماذا فعل حزب الله بعد هذه الحرب التى يصف نتيجتها بالنصر لصالحه؟ وهل إستقرت الأوضاع بين الحزب وإسرائيل؟ وهل استعد الحزب للحرب المقبلة،أم ان خروج الحزب من الداخل اللبنانى إلى الحرب فى سوريا إلى جانب الرئيس السورى، وكذلك الحصار المالى المفروض على الحزب عربيا ودوليا، يضعف الحزب ويضر بيئته الحاضنة؟ بالرغم من تعرض حزب الله لضربة مدمرة فى الحرب وبعدها، فقد استغل السنوات العشر الأخيرة من أجل إعادة التسليح،والحصول على أسلحة نوعية تمثل ردعا قويا لإسرائيل إذا مافكرت فى ضرب الحزب مجددا. وحسب تصريحات جنرالات الحرس الثورى الإيرانى فإن حزب الله يملك مالايقل عن 100ألف صاروخ قادر على الوصول إلى كل مكان فى عمق الأراضى الفلسطينية المحتلة،بل إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هدد بضرب مصانع الأمونيا فى حيفا وهو الأمر الذى أرعب إسرائيل ،وجعل قائد الجيش الإسرائيلى يصرح بأن الحرب القادمة ضد حزب الله ستمحو لبنان من الوجود،ومع التصريحات النارية بين حزب الله وإسرائيل،ظل الحزب يتلقى الدعم العسكرى والمالى من إيران ،ويستقوى داخليا على خصومه معتبرا عدم نهايته فى حرب تموز هى إنتصارا مظفرا له رغم أنف خصومه من التيارات السياسية اللبنانية والذين راهنوا على نهايته خلال الحرب. ومع خروج الحزب منتصرا رغم الخسائر الفادحة حسب اعتقاده،فإن خصومه خاصة فريق 14آذار لم يتوقفوا يوما عن المطالبة بنزع سلاحه أسوة ببقية الميليشيات اللبنانية التى سلمت سلاحها بعد توقيع اتفاق الطائف مطلع التسعينيات والذى أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بعد 15عاما من القتال المر بين الجميع ومصرع 250ألف مواطن من مختلف الطوائف اللبنانية ال18 التى تشكل فسيفساء المجتمع اللبناني. ولكن الحزب لم يعر أحدا إهتماما وتمسك بسلاحه حسب إتفاق الطائف بصفته مقاومة مشروعة ضد الإحتلال الإسرائيلى جنوبلبنان. وبالرغم من قرار الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتى «النأى بالنفس» عما يحدث فى سوريا،إلا ان حزب الله لم ينأ بنفسه ،ولم يلتزم بقرار الحكومة التى يشارك فيها، وذهب بصفوة مقاتليه إلى الداخل السورى بحجة حماية المراقد المقدسة عند الشيعة فى سوريا. ومع دخول الحزب للآتون السورى لم يسكت السنة فى لبنان على كل المستويات، فالحريرى ووزراءه ونوابه فى تيار المستقبل ،لم يدخروا جهدا ولا وقتا للهجوم على حزب الله وسياساته التى ورطت لبنان فى أحداث سوريا،حيث ذهب المستقبل وفريق 14آذار لتأييد المعارضة المسلحة ضد الأسد ،ومع دخول حزب الله الحرب داخل سوريا إلى جانب الجيش السورى ،بدأت حرب فعلية بين السنة فى باب التبانة وبين الشيعة العلويين طائفة الأسد فى جبل محسن بمدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبنانى ومعقل السنة والسلفية الجهادية فى لبنان،إستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والقذائف الصاروخية ،وإستمرت حتى أغسطس2014حيث وقعت إشتباكات عنيفة بين المسلحين والجيش اللبناني،أسفرت عن هزيمة المسلحين السنة ،وهروب قادتهم إلى البساتين،وبسط الجيش سطوة على طرابلس،فى نفس الوقت الذى دارت فيه معركة بين الجيش اللبنانى وإرهابيى داعش والنصرة بمدينة عرسال ذات الأغلبية السنية بالشمال اللبنانى إنتهت بخطف داعش والنصرة 23عسكريا لبنانيا تم ذبح أربعة منهم للضغط على الحكومة اللبنانية لتفرج عن مسجونين إسلاميين متشددين بالسجون اللبنانية وفى صيدا معقل السنة فى الجنوب وآل الحريرى والسنيورة،إشتعلت المعركة الكلامية على منابر المساجد ضد حزب الله وإيران وبشار الأسد،وقاد المعركة الشيخ السلفى المتشدد أحمد الأسير،وبدأ فى تسليح أنصاره لمواجهة عناصر حزب الله الذين يضيقون على ظاهرته الخناق فى صيدا وعبرا شمال صيدا ،حتى وقعت معركة مسلحة بين أنصاره والجيش اللبنانى إنتهت بفوز الجيش وهروب الأسير وصديقه المطرب المعتزل فضل شاكر إلى مخيم عين الحلوة فى منتصف 2013،وعند محاولة الأسير الهروب عبر مطار بيروت تم القبض عليه فى 2015ولايزال رهن السجن،بينما صديقه فضل شاكر لايزال مختفيا فى مخيم عين الحلوة حيث التنظيمات الموالية لداعش والنصرة والأكثر تشددا بين المخيمات الفلسطينية الإثنى عشر المنتشرة فى لبنان وتضم بين جنباتها450ألف فلسطينى موالون للسنة. ومع إستمرار الحزب فى سوريا عاد الحريرى إلى لبنان منتصف 2015من منفاه الإختيارى بين باريس والرياض،وفى جعبته صفقة بقيمة4مليارات دولار لتسليح الجيش اللبنانى هبة من السعودية ولتقوية الجيش نظرا للقوة المتصاعدة لحزب الله. ومع بقاء الحزب فى سوريا وعودة الحريرى إلى لبنان إزدادت مطالبات 14آذار بعودة الحزب من سوريا،حيث دعا الحريرى للحوار مع حزب الله لإمتصاص عضب الشارع السنى شعبيا وسياسيا،لإتهام الحزب بقتل السنة فى سوريا،وبالفعل بدأت جلسات الحوار الشكلية بين الحزب وتيار المستقبل برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري،ولكنها جلسات شكلية لاتفضى إلى قرارات جوهرية بين الطرفين. وردا على وجود الحزب فى سوريا وإزدياد خسائر داعش والنصرة فى معارك القصير والقلمون والقرى الشيعية وعرسال على أيدى حزب الله ،انتهج الإرهابيون ردا على الحزب بالسيارات المفخخة التى ضربت الضاحية الجنوبية والمناطق الشيعية مخلفة عشرات القتلى والجرحى من المواطنين الشيعة،فحول الحزب المناطق الشيعية إلى مايشبه الثكنة العسكرية بإقامة الحواجز المسلحة بحيث لايمكن لسيارة أن تمر دون التحقق من حمولتها ومن فيها،فلجأ الإرهابيون لأول مرة للأحزمة الناسفة والإنتحاريين خلال النصف الثانى من 2015،حيث فجر إنتحاريان سوريان نفسيهما فى سوق مكتظ بالرواد فى برج البراجنة بالضاحية الجنوبية ،فأوقعا أكثر من 40قتيلا. ومع إصرار الحزب على البقاء فى سوريا مدعوما من إيران ،وكذلك تدخلاته فى البحرين واليمن والعراق حسب قول مجلس التعاون الخليجى صنفت دول الخليج حزب الله منظمة إرهابية ومنعت مواطنيها من زيارة لبنان ردا على تدخلات حزب الله الخارجية فى الدول العربية،كما أقر وزراء الداخلية العرب وكذلك جامعة الدول العربية،حزب الله منظمة إرهابية. كما أقر الكونجرس الأمريكى قانون الإرهاب الخاص بتجفيف مصادر تمويل حزب الله للحد من قدرته،وبدأ مصرف لبنان فى تطبيق القانون الذى طال 95شركة وشخصية تابعة ومقربة لحزب الله داخل لبنان وخارجها،وبدأت المصارف اللبنانية تطبيق القانون الأمريكى ضد حزب الله،مما جعل الحزب يشن حربا إعلامية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة،الذى رد على الحزب بأنه ينفذ القانون حماية للبنان وودائع اللبنانيين وثبات سعر صرف الليرة اللبنانية بما يضمن عدم الإنهيار الإقتصادى وأيده فيما ذهب إليه مجلس الوزراء اللبنانى خلال ربيع2016. جوناثان شانزر المستشار الإقتصادى السابق لشئون الإرهاب فى وزارة الخزانة الأمريكية قال بعد تطبيق قانون الإرهاب ضد الحزب إن القانون الجديد لا يؤدى إلى سقوط حزب الله لكنه يجعل من الصعب على المنظمة العمل وهناك احتمال أن يعانى حزب الله من العزلة، ليس فقط على الساحة السياسية فى لبنان ، ولكن فى عقر داره الشيعى كذلك. وبعد تطبيق القانون الأمريكى ضد حزب الله بالمصارف اللبنانية إنفجرت سيارة مفخخة بجوار المركز الرئيسى لبنك لبنان والمهجر، أحد المصارف الأكثر تشدداً فى تطبيق التعميم ضد حزب الله،ولكن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، يؤكد أن الحزب غير متضرر من الإجراءات الأمريكية والمصرفية اللبنانية،قائلا :نحن وعلى المكشوف نقول إن موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية فى إيران، ولا تمر عبر المصارف. ولكن فى بيئته الشيعية الحاضنة يتعرض حزب الله إلى انتقادات لاذعة، بسبب دفع شباب الشيعة إلى الموت فى نار سوريا مما أدى إلى تراجع كبير فى شعبيته لدى الرأى العام اللبناني. وأخيرا قالت السفيرة الأمريكية الجديدة فى لبنان إليزابيث ريتشارد المتخصصة بشئون الإرهاب إن هدفنا هو تفكيك شبكة حزب الله المالية الدولية ومساعدة المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني،وهذا سيسهم مباشرة فى تفعيل الازدهار الاقتصادى فى لبنان. فإذا كانت حرب يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله لم تقوض قدرات الحزب أو تقضى عليه كما تمنت إسرائيل وخصوم نصر الله،فإن عقدا من السنين بعد الحرب أدى إلى إزدياد قدرات الحزب العسكرية والمالية،وجعلته يخرج من الداخل اللبنانى محاربا فى العراقوسوريا واليمن بصفوة عناصره ومهددا إسرائيل بأكثر من 100ألف صاروخ متوسط وبعيد المدي، فهل يقضى الحصار المالى الذى تنتهجه أمريكا وعرب الخليج على قوة الحزب داخليا وخارجيا،أم أن هذا الحصار سيجعل أنصار الحزب يلتفون حوله لأنه ملاذهم الوحيد فى بلد متعدد الطوائف والولاءات الداخلية والخارجية،بالرغم من الخسائر الفادحة التى تصيب لبنان نتيجة وجود الحزب فى سوريا وضرب الموسم السياحى الصيفى الذى كان يعتمد أساسا على السائح الخليجي؟