لايزال لبنان أسيرا لما يحدث في سوريا فحزب الله الشيعي مدعوما من إيران بالمال والسلاح ومدعوما من روسيا والصين بالصمت المريب يعترف علنا بمشاركته في الحرب داخل سوريا بحجة الدفاع عن المقدسات الشيعية، بينما معركته الأخيرة ضد المعارضة السورية المسلحة في القصير بعيدة كل البعد عن المقدسات الشيعية في دمشق, وهو مايؤكد أن حربه في سوريا هي للدفاع عن نظام الأسد العلوي وليس دفاعا عن الشيعة, فسوريا هي الممر الآمن لحزب الله في تلقيه المال والسلاح من إيران الحليف الإستراتيجي لبشار الأسد وحزب الله علي حد سواء. وحزب الله يدافع عن النظام السوري حماية لنفسه وليس حماية للمقدسات الشيعية في سوريا, ولو كان صادقا في مسعاه فلماذا لم يذهب للدفاع عن المراقد والمقدسات الشيعية في العراق, التي تتعرض للاعتداء والتدمير منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق في2003 وحتي الآن؟ وإذا كان حزب الله يعتبر نفسه الفصيل الأقوي في لبنان متمسكا بسلاحه من كل الأنواع بحجة المقاومة, فهو قادر علي فرض الأمر الواقع من خلال قوته وليس سياساته, فهو يطير طائرة بدون طيار فوق إسرائيل ولاتعرف لبنان رئيسا وحكومة إلا بعد الإعلان عما حدث, وهو يشارك في الحرب داخل سوريا لصالح الأسد, مع أن لبنان حكومة ورئيسا ينتهجون سياسة النأي بالنفس بعيدا عما يحدث في سوريا منذ بداية الأزمة. وحجة حزب الله في تدخله بسوريا بأن قوي لبنانية أخري تحارب في سوريا لصالح المعارضة قاصدا بذلك السنة بزعامة سعد الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق من منفاه الإختياري منذ2010 مابين باريس والرياض, وإن لم تكن هناك أدلة علي تورط الحريري في ذلك فإن كثيرا من الشباب السني يحاربون بالفعل مع المعارضة السورية خاصة من شمال لبنان, ويعود ذلك إلي معقل السلفية الجهادية في طرابلس كبري مدن الشمال اللبناني, وهو ما أدي إلي بداية نشوب حرب متقطعة بين منطقتين لبنانيتين في طرابلس بكافة أنواع الأسلحة بين جبل محسن ذي الأغلبية العلوية التي تتضامن مع الأسد العلوي, وبين باب التبانة ذي الأغلبية السنية بقيادة شيوخ السلفية الجهادية وعلي رأسهم مؤسس السلفية الجهادية في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال, الأمر الذي زاد عن حده وخرج عن سيطرة الجيش وقوي الأمن اللبنانية حتي الآن, فباب التبانة يؤمن خروج الشباب السني اللبناني وغير اللبناني للجهاد في سوريا لصالح المعارضة المسلحة وفي المقابل يفعل جبل محسن لدخول من يدافع عن نظام الأسد, وهو الأمر الذي جر لبنان إلي الأزمة السورية, بالرغم من نأيه بالنفس حكومة ورئيسا عما يحدث في سوريا. ومع خروج الحريري من لبنان بعد سقوط حكومته علي أيدي حزب الله,بدأ التيار السني يفقد كثيرا من قوته وهو في المعارضة وليس الحكومة, ومع غياب زعامة سنية فاعلة ومؤثرة في الشارع اللبناني مع اندلاع الأحداث في سوريا منذ أكثر من عامين, بدأت السلفية الجهادية تنشط شمالا في طرابلس, وجنوبا في صيدا علي يد شيخ أربعيني يعمل إماما وخطيبا بمسجد بلال بن رباح في ضواحي صيدا, ومتهم بدعم قطري سعودي لمواجهة حزب الله في صيدا بوابة المقاومة الشيعية في جنوب لبنان, ومع تزايد وتيرة الصراع داخل سوريا, كان السنة وعلي رأسها تيار المستقبل بزعامة الحريري تدعم المعارضة جهرا وسرا, بينما ذهب حزب الله الشيعي وحلفاؤه حركة أمل الشيعية وميشال عون المسيحي الماروني إلي دعم النظام السوري حتي تطور الأمر من الدعم باللسان إلي الدعم بالقنابل والصواريخ والمدافع والمقاتلين. وبعد سقوط حمص التي كانت في أيدي المعارضة السورية المسلحة, بدأت الساحة السنية في لبنان تعلي من نبرتها العدائية تجاه الأسد وحزب الله وإيران علي حد سواء, ووجهة نظر السنة في لبنان أن الحرب في سوريا هي حرب نظام متوحش ومسلح ضد السنة, بل وصف الحرب بأنها حرب إبادة للسنة لصالح العلويين والمشروع الإيراني مدعوما بسلاح حزب الله الشيعي. ومع تطور الأحداث في سوريا أعلن الشيخ أحمد الأسير في صيدا الجهاد لصالح المعارضة في سوريا, مما زاد من تدخل حزب الله الذي كان سريا ثم أصبح علنيا لصالح الأسد بوصفه الزعيم العربي الوحيد الداعم للمقاومة اللبنانية والفلسطينية, ومع التدخل المتزايد لحزب الله في سوريا سقطت مدينة القصير من أيدي المعارضة لتصبح في أيدي مقاتلي حزب الله والنظام السوري, وهو نصر معنوي للأسد أكثر منه نصر علي أرض الواقع, حيث إن سقوط القصير شتت المعارضة المسلحة وزاد من أمل الأسد في استعادة المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر. وبعد إعلان حزب الله صراحة عن حربه داخل سوريا حماية للمقدسات الشيعية, إزدادت حدة الإدانات اللبنانية لتدخل حزب الله في سوريا مما يهدد الأمن والسلام اللبنانيين خاصة في وجود مايزيد علي مليون نازح سوري داخل لبنان, والموقف المتأزم بين حزب الله والسنة داخل لبنان, حيث اعتبر الشيخ أحمد الأسير أن تدخل' حزب الله' في القتال في سوريا قد أغرق السفينة التي تحمل18 طائفة لبنانية قاصدا لبنان معلنا أن' حربا قادمة إلي لبنان في الأشهر المقبلة إن لم تكن في الأيام القليلة المقبلة'. كما دعا الأسير' اللبنانيين وخصوصا أبناء الطائفة السنية الي التسلح', كما دعا' مناصريه وخصوصا الفقراء في الطائفة السنية الي الاستعداد للدفاع عن أنفسهم حين يتعرضون لأي اعتداء, كونهم لا يستطيعون المغادرة إلي أي بلد آخر'. ومن جانبه رد سعد الحريري علي تدخل نصر الله في سوريا قائلا: حرام توريط لبنان وتعريض مصالح ابنائه للخطر وحرام الإصرار علي مسار مجهول نهايته الخراب. ومع تزايد حدة الخطاب بين الشيعة حزب الله مدعوما من إيران وبشار الأسد, والسنة تيار المستقبل والسلفية الجهادية مدعومين من السعودية وقطر, يخشي الكثيرون من إنجرار لبنان إلي الفتنة الداخلية بين السنة والشيعة في حرب مذهبية غير متكافئة, ستكون لصالح حزب الله بمقاتليه وسلاحه, بعد سقوط لبنان في المستنقع السوري رغما عن سياسة النأي بالنفس التي إنتهجتها الحكومة ورئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.