منذ أكثر من عامين والشعب السوري يعيش في مآساة ، فرائحة الدماء زكمت الأنوف وآثار الهدم والتخريب تطل علينا في كل مكان في سوريا ، والشعب قسم بين نازح داخل بلاده او لاجئ خارجها يتسول الحياة ، ولبنان ليس بعيدا عن المشهد السوري ، وأخيرا وليس آخرا تظهر علينا فتاوى لبنانية تدعو للجهاد في مدينة «القصير» بمحافظة حمص، لتثير جدلا ، وسط مخاوف من دخول سوريا في آتون «حرب طائفية». وكان الشيخان أحمد الأسير وسالم الرافعي وجها دعوة للراغبين من الشبان اللبنانيين للدفاع عن سكان «القصير» ، وغالبيتهم من السنة، ردا على مشاركة «حزب الله» في القتال إلى جانب قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ودعا الأسير إلى الجهاد في سوريا لإنقاذ النساء من الاغتصاب والأطفال من القتل ، مستدلا بالحكم الشرعي في النص القرآني «ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان». وقال إن جهاد الدفاع لا يحتاج فتوى أو إجماع علماء ومن يربط الجهاد بتحقق الإجماع فهو يعني توقف الجهاد إلى قيام الساعة. وقال الأسير :«الواجب الشرعي يحتم على المسلمين دعم ومساندة الأهالي في القصير»، وأضاف «عندما يلتزم حسن نصر الله بقرار رئيس الجمهورية بمنع التدخل في سوريا سندعو شبابنا للرجوع ». مؤكدا على « لا رئيس جمهورية ولا قائد الجيش ولا الكيانات السياسية ستثنينا عن راينا وإخواننا الآن في القصير يقاتلون جنبا إلى جنب مع الثوار» . تلبية النداء واستجابة لنداء الشيخين بدأ توافد شباب لبنانيون على مسجد بلال بن رباح في مدينة صيدا بلبنان لتسجيل أسمائهم والتوجّه إلى سوريا للقتال. وقال الأسير أن تلبية الفتوى من الناس «فاقت تصوراتنا»، من غير أن يفصح عن رقم محدد «لأسباب أمنية»، لكنه أكد أن عدد المتطوعين للقتال «بالمئات». وقال مسئولو التسجيل بالمسجد إن مئات الشباب توافدوا لتسجيل أسمائهم تلبية لدعوة الشيخ الأسير، وتوقعوا أن يصل العدد إلى الآلاف مع تواصل تدفق الوافدين للتسجيل.. وأكدوا أن باب التسجيل مفتوح للجميع وليس حكراً على فئة محددة. ومن جانبه رأى النائب اللبناني أمين وهبي أن ما نشهده اليوم من انغماس «حزب الله» في القتال في سوريا ودعوات للجهاد في سوريا أمر خطير جدا على لبنان. لافتا في حديث إذاعي إلى أن "من يطلقون دعوات الجهاد يتبادلون الحجج مع «حزب الله» ويبررون تدخله في سوريا وهذا الأمر لا يفيد الصيغة اللبنانيّة بشيء ويهدد السلم الأهلي". أهداف جهادية وتتفاوت دوافع إصدار فتاوى كلا الشيخين، إذ حصر الأسير أهداف دعوته ب«نصرة أهلنا السنة في القصير»؛ لكن كليهما حمل دعوته بعدا استراتيجيا لمرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. ويشرح الشيخ الرافعي لصحيفة «الشرق الأوسط» أهداف إصداره الفتوى، قائلا إنها تنقسم إلى 3 أهداف: «الأول: نصرة المستضعفين في سوريا، وهو واجب شرعي وفرض على كل مسلم، خصوصا بعدما بات معلوما أن الجيش السوري يفتح الأرض لحزب الله للقتال عوضا عنه في تلك القرى». أما الهدف الثاني، فهو «منع تنفيذ مخطط استراتيجي لتقسيم سوريا وإعلان الدولة العلوية، بعد السيطرة على القصير، فتخضع حينها قرى القصير لسلطة الدولة العلوية، ويتم ربطها بالقرى الشيعية في البقاع وريف القصير، وعليه، يسهل تقسيم سوريا إلى كنتونات مذهبية لا تخدم إلا إسرائيل». ويستولد الاحتمال الثاني، بحسب الرافعي، مشكلة دفعته لإصدار الفتوى أيضا لتكون هدفا بحد ذاته، وهو منع التقسيم الذي «سيجعل السنة في لبنان محاصرين من الشرق والشمال، مما يغلق المنافذ عليهم، ولا يبقى لهم إلا البحر، وبالتالي، سيسهل استبداد الشيعة والعلويين بالسنة، بعد قطع خطوط التواصل مع الدولة السنية في حمص، والسنة في الشرق والجنوب، وهكذا لا يبقى لنا مهرب إلا البحر». كتائب المقاومة الحرة والى جانب إعلانه القتال في سوريا للدفاع عن السنة في القصير، ربط الأسير الفتوى بإعلانه تشكيل «كتائب المقاومة الحرة» الهادفة للذود عن أبناء الطائفة السنية. وقال الأسير، أمس: «إننا مستهدفون من العدو الصهيوني، وتترصدنا الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى أن سلاح حزب الله يترصدنا». وجدد دعوته أنصاره بتشكيل كتائب مقاومة حرة، غير مرتبطة هيكليا وحزبيا، يتألف كل منها من 5 أشخاص، ويتسلحون بدعم فردي. وأضاف: «إذا تم استهدافنا، فإننا سنكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا، وإن لم يحصل، فإن كل المنازل اللبنانية تحوي أسلحة فردية، باعتراف المسؤولين اللبنانيين». وحققت هذه الفتوى، بحسب الرافعي، جزءا من أهدافها، قائلا إن التعبئة للقتال في القصير «سلطت الضوء على مشاركة حزب الله في المعركة وكشفته أمام الرأي العام السني»، مشيرا إلى أن هذا الحشد «لم يكن هادفا لتخفيف هجوم حزب الله، لكن التطور الميداني الأخير الذي طرأ بعد إصدار الفتوى، كان إحدى النتائج». ورفض الرافعي مزاعم حزب الله أنه يدافع عن اللبنانيين في القرى السورية، الذين يقارب عدد المقترعين منهم في الانتخابات النيابية اللبنانية 14 ألف مقترع. وقال: «أمتلك معلومات أن الحزب دخل إلى قرى سنية، هي البرهانية والرضوانية وتل قادش وغيرها التي لا يسكنها لبنانيون». وأضاف: «إذا كانت هذه القرى شيعية، فهل القابون وداريا في ريف دمشق، وحلب يسكنها لبنانيون شيعة؟» وسأل: «إذا كان تدخله منطقيا، هل يرضى حزب الله دخول الجيش السوري الحر إلى الداخل اللبناني دفاعا عن السوريين المقيمين في لبنان، أو لحماية المسجد العمري من الشيعة إذا فكروا بالاعتداء عليه؟». رفض وتأييد وفي هذة الاثناء أثارات فتوى الشيخين انتقادات بين السياسيين والمسئولين اللبنانيين ما بين القبول والرفض، حيث حازت على تأييد من أتباعهما في صيدا وطرابلس ومن علماء سنة بلبنان. وجذبت الفتوى أبرز المغني التائب فضل شاكر، الذي بث مقطعا له على صفحته على موقع «فيس بوك»، يعلن فيه تبني فتوى الشيخ الأسير «للدفاع عن أعراض المسلمات العفيفات في سوريا»، داعيا إلى «دعمنا جهاديا وماليا». في المقابل رفض الجيش السوري الحر دعوة الشيخين الرفاعي والأسير إلى الجهاد في سوريا، ردا على مشاركة عناصر من حزب الله في معارك ريف القصير بحمص، وبدوره دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى عدم إرسال أسلحة ومقاتلين إلى سوريا وذلك من أجل "تحصين الوحدة الوطنية اللبنانية". لكن الشيخ أحمد الأسير، رد بالقول: "إننا لن نتدخل بسياسة إدارة الثورة في سوريا، إنما سنكون من الناصحين لهم، ولكن لا يحق لأحد أن يمنعنا من واجبنا الشرعي والإنساني، وواجب الجوار". وقال المنسق السياسي والإعلامي للجيش الحر لؤي المقداد لوكالة الصحافة الفرنسية: "نحن في القيادة المشتركة العليا نشكرهما، لكننا نرفض أي دعوة للجهاد في سوريا ونرفض أي وجود للمقاتلين الأجانب من أي مكان أتوا". وأضف "قلنا مرارا إن ما ينقصنا في سوريا هو السلاح وليس الرجال". كما عبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وأبرز قادة "قوى 14 آذار" المناهضة لدمشق، عن رفضه لدعوات الجهاد بسوريا، ودعا "جميع اللبنانيين إلى التعبير بكل الوسائل السلمية عن رفضهم للمشاركة في مثل هذه الجريمة". ومن جانبه طلب جورج صبرا، الرئيس الجديد للائتلاف السوري المعارض، من الشيعة اللبنانيين، منع أبنائهم من قتل المواطنين السوريين في حمص. ودعا جورج صبرا الحكومة اللبنانية إلى التعامل بجدية مع هؤلاء الذين يتدخلون في الشأن السوري، مؤكداً أن السوريين لن يسكتوا "عندما يتعلق الأمر بإرهابيين أصوليين كمقاتلي حزب الله الذين عبروا الحدود إلى قرانا ومدننا لدعم إرهابي محترف يسكن القصر الجمهوري هو بشار الأسد". وأكد صبرا أنه لن يتسامح السوريون مع من يحتل أرضهم ويقتل أبناءهم من أي جماعة كان، معلّقا أمله في أن يرفع الشعب اللبناني الشقيق صوته عاليا لرفض قتل وإرهاب أحرار سوريا.