ثلاث جلسات عامة لمجلس الشيوخ الأحد المقبل    العمل تسلم عقود توظيف لذوي همم    تسليح الدولار والذهب    استشهاد سيدة وإصابة 3 آخرين جراء القصف الإسرائيلي الأخير على لبنان    نتنياهو: إسرائيل ستواصل العمل من أجل إعادة بقية جثامين المحتجزين في غزة    تشكيل روما لمواجهة فيكتوريا بلزن في الدوري الأوروبي    وادي دجلة يحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    سقوط أم وطفلها الرضيع من الطابق الرابع في البحيرة    التقديم مستمر حتى 6 نوفمبر |وزيرة التضامن: إنهاء تعاقدات إسكان ونقل حجاج الجمعيات    توافد النجوم على ريد كاربت فيلم "المستعمرة" بالجونة السينمائي ( فيديو وصور)    مفاجأة فنية مدوية.. حنان مطاوع بطلة عمل مسرحي عن الملكة حتشبسوت    خالد الجندي يكشف دلالات حديث "لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك"(فيديو)    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    أطباء الأسنان تكشف 4 أسباب لأزمة نقص البنج    طريقة عمل الأرز بلبن الكريمي، حلوى مصرية بطعم الزمن الجميل    لجنة "السياسات الإعلامية" تعقد أولى اجتماعاتها برئاسة خالد عبد العزيز    حكم نهائي.. استبعاد هيثم الحريري من انتخابات مجلس النواب بسبب موقفه التجنيدي    انفجار داخل مصنع وسط روسيا يسقط 10 قتلى    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    «في الحركة حياة» ندوة وورشة عمل بمكتبة الإسكندرية    الرقابة المالية تلزم الشركات والجهات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية بتعزيز بنيتها التكنولوجية والأمن السيبراني لديها    منطقة المتحف الكبير.. واجهة حضارية جديدة تعكس عراقة مصر وتاريخها    حازم هلال: الخطيب هو الأنجح في إدارة كرة القدم في تاريخ مصر    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    التشكيل الرسمي لمنتخب مصر للسيدات أمام غانا في تصفيات أمم إفريقيا    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    عبد المنعم سعيد: الحزب الجمهوري يرفض إرسال جنود أمريكيين لمناطق نزاع جديدة    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    تجديد حبس رجل أعمال دهس طالب ووالده وابن عمته بسبب خلاف مدرسي بالشيخ زايد    عاجل| رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي للطاقات المتجددة وتدعيم الشبكة القومية للكهرباء    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    "البيطريين" تعلن إعداد مسودة تعديلات شاملة لقانون النقابة    أسعار النفط تسجل 65.94 دولار لخام برنت و61.95 دولار للخام الأمريكى    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    إطلاق الموسم الرابع من مبادرة «ازرع» لدعم زراعة 250 ألف فدان من القمح    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء "الأسرة".. صور    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    تشيلسي يكتسح أياكس امستردام بخماسية في دوري أبطال أوروبا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    من هو الشيخ صالح الفوزان مفتي السعودية الجديد؟    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    مصرع فتاة بعد سقوطها من الطابق ال12 بحى غرب أسيوط    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عين أفريقيا الزرقاء
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 07 - 2016

عين زرقاء ضخمة فى صحراء بلا معالم، تحدق بدون أن ترمش فى كل من يحلق فوقها. منحوتة فى حفرة عميقة وسط الرمال الصفراء، وكانت بمثابة علامة إرشادية لرواد الفضاء الذين انبهروا لرؤيتها من فوق بكل هذا الوضوح. ولقد كتبت وكالة ناسا على موقعها: «إن هذا التكوين الدائرى الرائع المكون من دوائر متحدة المركز قد شد انتباه
رواد الرحلات الفضائية كأنهم عثروا على جوهرة ثمينة فى قلب صحارى معظمها منبسطة». رأوا الأرض وكأنها تنظر إليهم بعين واحدة، نحتت ببراعة وسط الرمال، بدت كعين ثور ضخمة «Bulls eye»، فالهالة الزرقاء تشبه «بؤبؤ العين»، والتكوينات الصخرية على الحافة تشبه الجفن.
هذا التشكيل البديع الذى يسمونه بأسماء كثيرة، تكوين ال «ريشات»
«Richat structure» أى «حفرة الريشات» أو«قلب الريشات» أو «عين الصحراء» ليست إلا كتلا عظيمة الأحجام من الصخور الزرقاء والبيضاء.
«عين أفريقيا» تعتبر من أشهر المعالم الجيولوجية فى أفريقيا، بل وفى العالم. توجد بشمال صحراء موريتانيا، وهى جزء من الصحراء الكبري، بالقرب من مدينة «وادان» أو «الواديان»، وهى مدينة أثرية نشأت قبل800 عام، ومن أبرز معالمها قصر القلالى، والمسجد القديم, وكانت مركزا لعبور القوافل المحملة بالذهب والتمر. وبالتأكيد، لابد أن يكون هناك من القبائل أو من الرعاة، من استوقفه هذا التكوين الغريب منذ زمن بعيد، قبل أن يعلن عن اكتشافه رسميا بواسطة الباحث الفرنسى «تيودور مونو» فى ثلاثينيات القرن الماضى، وهو نفسه الذى أنشأ المعهد الفرنسى لأفريقيا السوداء عام 1938، منذ بدأ الإعلان عن وجود هذه الظاهرة الجيولوجية الفريدة، التى بدت كجزيرة مسحورة وسط الرمال، ولم تنقطع البعثات الجيولوجية عن التردد على المكان، لدراسة صخور هذه المنطقة، وللوقوف على حقيقة مكوناتها، وتاريخها الجيولوجي. باستخدام أجهزة القياس الحديثة، وقدروا قطر هذا التكوين بين أربعين وخمسين كيلومترا، وبين لنا الباحثون أنه عبارة عن مجموعة من الطبقات الصخرية المتباينة، مرتبة على هيئة حلقات دائرية حول المركز، بارتفاعات وأبعاد تكاد تكون متساوية بين الحلقة والأخري، فى تماثل وتناسق مدهشين. وما يزيد من براعة هذا التشكيل، هو الشكل الدائرى الذى يتخذه ككل. الشئ الطريف أن هناك من العلماء من ربط بين هذا الترتيب المتناسق للطبقات فى تكوين الريشات الجيولوجي، وبين التصور المشابه له، الذى وصف به الفيلسوف الإغريقى أفلاطون مدينة أتلانتس، حيث قال عنها إن المدينة كانت مكونة من مجموعة دوائر تدور حول مركز واحد، بشكل تبادلى، أرض، ومياه، أرض، ومياه. ثلاث دوائر مياه، ودائرتا أرض. وأنها غرقت بسبب فساد وسوء سلوك سكانها، نتيجة هزة أرضية مفاجئة، فى غضون ليلة واحدة. هناك من استسهل وأرجعها إلى سقوط الصخور من السماء لعدم وجود مثيلاتها فى الصحراء القاحلة، ومن شطح تفكيره أكثر ونسبها إلى كائنات فضائية، نزلت فى هذه المنطقة غير المأهولة والخالية من أى ملمح يميزها، وقاموا بهذا العمل التشكيلى لينبهوا سكان الأرض إلى وجود كائنات أكثر منهم ذكاء، وربما فنا!
وهذا هو الحال دائما مع كل اكتشاف جديد، تطفو التكهنات والخرافات على السطح يثار الجدل، وتوضع على الموائد الافتراضات، والشىء الغريب أن الجدل لم يتوقف حتى هذه اللحظة. وكان من الطبيعى أن يكون من أوائل من بادروا بالتكهنات هم من رأوه وهم يدورون من فوقه، وهم رواد الفضاء الذين اعتبروا وجود هذا التكوين العجيب، وسط صحراء قاحلة، لا تتمتع بتكوينات جيولوجية مماثلة. ليس إلا نتاج ارتطام نيزك تهاوى من الفضاء، وبقوة اصطدامه بتلك البقعة من الأرض، تكونت الحفرة. ولكن أثبتت الدراسات خطأ هذا التصور، فمن خلال العينات التى قاموا بجمعها، لم يعثروا على أى دلائل تشير إلى تبدلات جوهرية، أو تشوهات ملحوظة فى طبيعة الصخور من حول التكوين كنتيجة لهذا الارتطام المزعوم. وبالمثل دحضت نظرية الثورة البركانية، وهى إحدى تلك الافتراضات، فلا يوجد أى ملمح مميز لحدوث بركان، مثل أن يكون هناك فوهات بركانية crater، كما أن معظم الصخور التى تشكلت منها عين الصحراء هى صخور رسوبية، ومتحولة بالإضافة إلى بعض الصخور النارية. ومن الباحثين من رجح أن يكون هذا التصميم العبقري، قد لعبت الصدف دورا كبيرا فيه، كنتيجة لتآكل طبقات الأرض وعوامل التعرية، والعمليات التكتونية لتشكيل الأرض بصخورها، عبر حقب جيولوجية طويلة.
ومن الباحثين الذين ألقوا الكثير من الضوء على ما حدث فى هذه البقعة من الأرض، الباحث الكندى «Guillaume Matton» «جويلايوم ماتون» من جامعة كيبك الكندية، حيث قدم دراسة بحثية للدكتوراه عن هذا التكوين الصخرى، بعد أن جمع عينات عديدة من الصخور، وأجرى عليها الفحوصات المعملية. رجع بنا إلى ما قبل مائة مليون عام، فى زمن كانت كل القارات فيه عبارة عن قارة واحدة عملاقة، انفصلت بعد ذلك إلى مواقعها الحالية. يقول فى بحثه إنه أثناء انفصال غرب أفريقيا عن جنوب أمريكا «لتطابق واضح بين القارتين على جانبى المحيط الأطلسى»، انبثق الصهير «الماجما» «magma» من باطن الأرض، خلال المناطق الضعيفة فى القشرة الأرضية، ومن ضمنها هذه المنطقة فى صحراء موريتانيا. دفع الصهير بقوة تدفقه، بالطبقات الصخرية من فوقه، إلى أعلي، لتنثنى الطبقات وتصير على هيئة قبة جيولوجية. حدث هذا الانثناء بشكل متماثل فى كل الاتجاهات، بحيث أصبحت أقدم الطبقات مع شدة الانثناء، فى مركز القبة. وبتعرض القبة البارزة لعوامل النحت والتعرية، وعلى مدار أحقاب جيولوجية طويلة، تآكلت القبة الأصلية، وبالتدريج بدأت تتشكل الطبقات، حتى استقرت على شكلها الحالي، حيث نجد الطبقات فى المستوى الأعلى، هى المكونة من الصخور الأكثر مقاومة لعمليات النحت والتجوية، وهى فى غالبيتها من الصخور النارية والمتحولة، بينما الطبقات الأقل منها فى المستوى هى المكونة من الصخور الأكثر تأثرا بالعوامل الجوية، وأقل مقاومة لها، وهى من الصخور الرسوبية. ولنقرب صورة هذا الترتيب فى تداخل الطبقات، نذكر عرائس «البابوشكا الروسية»، العروسة الكبيرة بداخلها الأصغر فالأصغر فالأصغر. الشئ المدهش أنه من خلال صور التقطها قمر صناعى يابانى فى 23 نوفمبر 2010 باستخدام تقنية حديثة فى التصوير، بدت الصور بتفاصيلها عن قرب، مختلفة عن المنظر العام من عن بعد. تظهر الصور مساحات كبيرة من الكثبان الرملية على الحواف، وبتحركنا خلال الطبقات الصخرية ونحو المركز، يشاهد شجيرات متناثرة، وتكوينات تشبه البحيرات الجافة والأنهار. الألوان فى الصور لها دلالتها، كل لون يرمز إلى تكوين بعينه، فاللون البنى يرمز إلى الطبقة الرئيسية من الصخور، والأصفر والأبيض إلى الرسوبات الرملية والجيرية، قنوات الصرف باللون الأخضر، أما الرسوبيات الملحية وتلك الناتجة عن البخر فتبدو مزرقة.
من الموريتانيين من يعتقد أن هذه المنطقة بتكوينها الصخرى الملون، تكتنفها كنوز طبيعية، وثروات لا حد لها، الماس، والمعادن النفيسة. ويقولون عن النباتات التى تنمو فى هذه المنطقة بإنها فريدة من نوعها، وفائدتها العلاجية لا شك فيها، بل يشيعون عن هذه النباتات بأن لها القدرة على علاج الأمراض المستعصية، حتى تلك التى فشل الطب فى علاجها. وهناك من القرويين من يعتقد بتأثير المكان على تحسين أحوالهم المعيشية، وتحسين ثرواتهم الحيوانية. كما أنهم لا يبخلون بإسداء النصيحة لكل من يريد أن يجرب حظه، ما عليه إلا أن يذهب إلى هناك، يحمل زادا قليلا من أى شيء، فإذا ما صبر، وانتظر، وثابر، ستتضخم ثروته، سواء كان ما جاء به ماعز، أو جمل أو حتى نبتة صغيرة.
وفى السنوات الأخيرة قررت الحكومة الموريتانية تحويل المكان إلى محمية سياحية، لاعتباره من أهم المعالم السياحية فى البلاد. ورغم أن رؤية صخور عين الصحراء عن قرب، لا تحقق المأمول منها، برؤية العين بالتجسيد نفسه الذى تظهر به من الفضاء، غير أن بعض السياح، ما زالوا يركبون الصعاب، ويذهبون لزيارة المكان، وسط الرمال، فى صحارى منبسطة، مترامية، يقتصر وجود المرتفعات فيها على سلسلتين جبليتين، فى الوسط، وفى الشمال، ولا يعكر صفو المكان، سوى النشاط الإرهابى فى المناطق القريبة منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.