طوابير ممتدة أمام منافذ بيع السبائك الذهبية في أستراليا، ونقص في السبائك والعملات الذهبية في دبي، ونفاد مخزون الفضة بمصفاة (إم إم تي سي بامب) بالهند، وهي واحدة من أكبر مصافي المعادن الثمينة في العالم، وتهافت عالمي على شراء المعادن بديلاً عن العملات الورقية. دأبت الولاياتالمتحدة منذ بداية عصر القطب الأوحد العالمي على استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد كل الأنظمة المناوئة لها، سلاح شاهدنا آثاره وقت حصار الدولة العراقية وفي السودان وإيران وسوريا وفنزويلا وكوبا منذ ستينيات القرن الماضي، ومدى قوة وفاعلية هذا السلاح ضد تلك الدول، من خلال منعهم من النفاذ إلى الأسواق العالمية واستخدام الدولار بشكل سلس للحصول على احتياجات تلك الدول. ولكن العقوبات العنيفة التي اتُخذت ضد روسيا منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كانت بداية تحول هذه العقوبات إلى سلاح عكسي، حيث شملت تلك العقوبات تجميد ما قيمته 350 مليار دولار من الأموال الروسية بالبنوك الأوروبية، منها نحو 200 مليار دولار بمؤسسة (يورو كلير)، ومنع روسيا من استخدام النظام العالمي (سويفت) لتبادل الأموال، ومحاولة منع تصدير البترول الروسي للعالم. تلك العقوبات مع التضخم العنيف الذي حدث كنتيجة للطباعة المفرطة للدولار التي قام بها بنك الاحتياطي الفيدرالي عام 2020، والتي بلغت قيمتها 7.2 تريليون دولار أثناء أزمة كورونا ومحاولة مجابهة آثارها، خاصة مع وصول الدين الأمريكي إلى 37 تريليون دولار، ساهمت بشكل واضح في محاولة اتخاذ البنوك المركزية حول العالم خطوات تجنبها ودولها خطر الاختناق حال طالتها يد العقوبات الأمريكية. لتبدأ تلك البنوك، وعلى رأسها بنك الشعب المركزي الصيني، في شراء الذهب بشكل شره؛ الذهب، العملة التي صمدت منذ بدء الحضارات وحتى الآن كمخزن آمن ومستدام للقيمة. الذهب الذي فكت الولاياتالمتحدة ارتباط الدولار به منذ عام 1971 وأنهت به نظام بريتون وودز الذي كان يسمح بالتحويل الدولي المباشر من الدولار الورقي إلى الذهب، حيث ارتفع سعر جرام الذهب من 57 دولاراً وقت بداية الحرب الأوكرانية إلى 134 دولاراً للجرام حالياً، ويتحول الذهب إلى أصل توصي به البنوك لمستثمريها، مع توقعات باستمرار الارتفاعات في سعره، في حين انخفضت نسبة الدولار الأمريكي إلى 57.8% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وهي أدنى نسبة منذ قرابة الثلاثين عاماً. تسليح الدولار الأمريكي واستخدامه كسلاح اقتصادي ساهم بشكل مباشر في فقدانه ميزته الأساسية كملاذ آمن للاحتياطيات المالية العالمية ومخزن للثروة، خاصة مع وجود لاعبين جدد أصبح لهم تأثيرات قوية في الساحة الاقتصادية العالمية مثل الصين والهند والبرازيل، ورغبتهم في إيجاد عملة دولية جديدة غير مسلحة ترتبط بالذهب لتحديد قيمتها الحقيقية.