لم يعلموا أنهم علي موعد مع مزالق الموت المحقق وما يخبئه لهم الزمن من مفاجآت صاعقة ولم يدر بخلدهم أن وحشة البحر وأمواجه المتلاطمة تتربص بهم ولم يكن علي بالهم بأن الساعات المقبلة تحمل لهم في طياتها ألما وفجيعة تشق القلوب وتدمي النفوس في رحلتهم الأخيرة إلي العالم الآخر وأن أهاليهم ستكتوي بنيران فراقهم وتسرق عقود فرحتهم لتنفرط في آبار الشجن مع حلول أجازة عيد الفطر المبارك بعد أن اشتموا رائحة النزع الأخير وعانقوا مخالب الاحتضار وتلقفتهم كماشة الهلاك التي اصبحت أقرب لهم من جسور الحياة خاصة حينما تتحول لجة اليم السحيق إلي مقبرة جماعية لأطفالنا وأزهار شبابنا قضوا نحبهم اثر حوادث الغرق المرعبة آخرهم ل 6 "طلاب" غادروا قراهم من أماكن متفرقة بمحافظة البحيرة مستغلين تلك الأجازة يمنون أنفسهم بيوم جميل ويختلون بأنفسهم ليعيشوا لحظات الصفاء التي اعتكرها العام الدراسي وأن مصيرهم المحتوم إلي شواطئ البحر المتوسط قبالة سواحل إدكو ورشيد والشاطبي والرياح البحيري غير مدركين بما يحمله لهم القدر. حيث قرروا اللجوء إليه بعد أن وجدوا فيه ضالتهم لإطفاء وهج أجسادهم والاستمتاع بنسماته العليلة ومياهه الساحرة لعل أمواجه ترحمهم من لهيب الشمس الحارقة وراحوا جميعا يلقون بأنفسهم وسط الأمواج العاتية هربا من حرارة الجو القاتلة التي لفحت وجوههم وهم يستمتعون لأكثر من 3 ساعات قضوها في المياه الصافية يترقبون بحذر شديد هول البحر ولكنها كانت أشد وطأة منه حين رسمت نهاية حزينة غير أن هذه المتعة سرعان ما تحولت إلي مأساة يكون ضحاياها هؤلاء الأبرياء لتنقلب هذه الأماكن من نعمة إلي نقمة ويتحول المرح إلي كارثة ويصبحون في لمح البصر بين فسحة الحياة وقبضة الموت وفجأة بدأوا يعانون القلق والوحشة فتارة يغفون وتارة يصحون فزعا ليتبدل الصفاء إلي طوفان هادر وتلك النفوس التي كانت منشرحة تضيق الآن بتزاحم مشاعر الخوف وكان الوقت قبيل الغروب تمر الثواني فكأنما هي السنوات ويضمحل الرجاء ويتلاشي الأمل مع اغماضة الشمس وبدأت تتصاعد أنفاسهم ويداهمهم الفزع الأكبر وهموا بالنزوح نحو البر ولكن هيهات إنما هي لحظات واختل توازنهم ليغوصوا بقوة بإتجاه عمق البحر وتبتلعهم دوامة الموج فالموقف أقوي من مهارات السباحة التي لا يجيدها أي منهم حيث نجحت الأمواج الغادرة في جذبهم إلي الداخل وراحوا يسارعون سباق الموت المحموم بعدما أصيبوا بإجهاد شديد يصرخون في عرض البحر تتقاذفهم أمواج الموت كالنصال الحاد التي تنهش فؤادهم وهم يقاومون الموت وكانت كالسياط المؤلمة التي سلخت جلودهم ... إنهم يغرقون .. يغرقون يستنجدون بقوات الانقاذ والأهالي دون أن يلتفت إليهم أحد بينما يقف بعض أصدقائهم مشدوهين من هول الموقف الأمواج تتكسر بعنف عند الشاطئ لا أحد يجرؤ علي المغامرة بينما الأبرياء يواصلون الصراخ من أجل الحياه واختفوا عن الأعين تماما لتبدأ محاولات البحث عنهم علهم علي قيد الحياة لكن دون جدوي ليفقدوا أعمارهم في عصفة الموج وسط صدمة الجميع غير مصدقين بأن مياه البحر ابتلعتهم دفعة واحدة في ذلك اليوم الحزين وكأنهم قطعوا قسما علي أنفسهم بأن يتركوا الحياة معا رغم اختلاف الشواطئ في مشهد مروع ومدهش أبكته البحيرة كلها بدأ خلال دقائق بعد أن غابوا في عرض البحر ولم يعد يراهم أحد لتمتد الحكاية بكل قسوتها لأكثر من نصف يوم خيم الظلام واشتدت الرياح المحملة بالغبار لتكتب النهاية المؤلمة التي هزت أرجاء الأقليم ل 6 شهداء في عمر الزهور فقدوا حياتهم في لحظات قاسية عاشها أهالي هؤلاء بعد أن فقدوا في لحظات أغلي مايملكون. لحكاية بتفاصيلها ولحظاتها تحبس الأنفاس لتتحول 3 قري بمركز كوم حمادة وقريتين في أبوحمص وقرية في رشيد إلي سرادق عزاء كبير ومآتم في عيد الفطر لتعيش المحافظة يوما حزينا وتبدأ المأساة الانسانية تنسج فخ الحزن المظلم حول الآباء والأمهات علي فقدان فلذات الأكباد ساعات قليلة مرت علي تلك الواقعة وهم يشتمون رائحة أبنائهم ويتلمسون ثيابهم واحذيتهم ويداعبون صورهم قصص انسانية مفجعة ولم يتبق لهم من أهداب الحياة إلا الصبر علي قضاء الله بعد أن أصابتهم عاصفة البلاء ليسدل الستار علي يوم عصيب لازال أسرهم يكابدون لحظاته ويتجرعون مرارته. يقول طلعت كمال عبداللا 55 عاما والد الشهيد أحمد وأب لثلاث بنات وهو يختزن في ذاكرته بعضا من حكايات مصيبة غرق ابنه الوحيد الذي كان ملء الحياة بالنسبة له ولم يتبق منه سوي ذكري موجعة تبعث الأسي في نفوسهم وتنشر الحزن في كل أركان المنزل أن المفاجأة التي تعصف بالعقول قبل الأبدان كانت ازهاق 3 أرواح في عمر الزهور يقطنون ب 3 قري مجاورة بمركز كوم حمادة نتيجة الغرق في يوم واحد وهم أحمد طلعت عبداللا "طالب" 17 عاما ومحمود سامي عامر "طالب" 15 عاما وحمدي سعيد العبد 21 عاما وكأنهم كانوا يسبحون فوق مقبرة جماعية لتجسد فاجعة كبيرة ولكنه القدر، مشيرا إلي احد المارة سمع صراخا قوي يشق المكان فهرول نحو ابني وصديقه يصارعان الأمواج التي حملتهم بعيدا دون جدوي، ولم يستطع الأب اكمال حديثه وكأنه يعيش المشهد ذاته الذي عاشه ابنه عندما سحبته الأمواج يصمت قليلا يمسح دموعه ويضع يده علي كتف بناته وهو يشاطهرهم البكاء وبدأت عليهم علامات الانهيار وكلف اللواء محمد خريصة مدير الإدارة العامة لمباحث البحيرة العميد حمدي حميدة نائب مأمور مركز شرطة كوم حمادة والعميد خالد عبدالحميد رئيس مباحث المديرية بنشر قوات الانقاذ علي سواحل البحر المتوسط لانقاذ المواطنين.