عندما أخرج إسماعيل عبد الحافظ مسلسل: وجع البعاد، المأخوذ عن روايتى من خلال سيناريو وحوار كتبه الشاعر والسيناريست مصطفى إبراهيم. فوجئت به يختصر ما صوره من الحلقات إلى 13 حلقة. وقد أبديت استغرابي. قال لى إسماعيل عبد الحافظ الذى أعتبره أهم من أخرج الدراما التليفزيونية مع يحيى العلمي. قال لى إنه لا يوجد قانون ينص على حكاية ال 30 حلقة لأى مسلسل تليفزيوني. وإن الحرص على هذا الرقم يجرى على أساس تجاري.يومها اتصل إسماعيل عبد الحافظ بكتاب دراما تليفزيونية لكى يشاهدوا نسخ عمل من الحلقات. وكل مهمتهم هى الاختصار. أى يشيرون عليه بما يمكن اختصاره من المشاهد التى صورها. وكان يقول لى إن العبقرية تكمن فى القدرة على الاختصار. وأن الإسهاب والتطويل والمط من العيوب التى لا يجب الاقتراب منها. بل لا بد من محاربتها. قلت له إن هذا مطلوب فى الكتابة أيضاً. بل ربما كان مطلوباً فى الكتابة أكثر من الإخراج التليفزيونى أو السينمائي. لدرجة أن بعض من كتبوا عن الكتابة عنونوا مقالاتهم بكتابة المحو. أى الكتابة القائمة على المحو وليس الاستزادة ولا الإضافة ولا المط ولا التطويل. عرفت أن بعض كتاب السيناريو المهمين كتبوا سيناريوهات عبارة عن ثلاث سهرات. وأن عدد حلقات أى مسلسل ما كان يزيد على 13 حلقة. وأنا حتى الآن لا أعرف السر فى الرقم 13 الذى ربما أصيب البعض بحالة من التشاؤم من ذكره. لكنه كان رقم الحلقات الذى يتم الحفاظ عليه ومراعاته وعدم الخروج عليه. ما كان كان. ومصر التى كان يجرى فيها هذا لم تعد مصر. تغير كل شىء تغير حتى التغيير نفسه. وبالتالى فإن الحلم بثبات الأمور على ما كانت عليه يبدو ضد الواقع. لكن كلمة «تطور» تعنى أن تتحول الأمور إلى ما هو أحسن وما هو أفضل مما كان عليه من قبل. فى الزمان القديم ولا يتصور أحد أننى أتحدث عن الستينيات جمهوريتى الفاضلة ولكن أقصد بالقديم تسعينيات القرن الماضي. وما قبلها وما بعدها. فى هذه الفترة كان المسلسل التليفزيونى يبدأ من النص. يكتبه سيناريست إما مأخوذاً عن عمل سينمائى أو كتبه سيناريست محترف. والنص هو الذى يبدأ الرحلة من المخرج إلى المنتج إلى جماهير المشاهدين. لكن تعالوا نر كيف تسير الأمور الآن؟ على من يفكر فى كتابة مسلسل أن يبدأ التفكير بالفنان أو الفنانة النجم أو النجمة الذى سيقبل القيام ببطولة العمل. يقرأ أولاً فكرة لا تزيد على صفحتين. إن لم تكن صفحة واحدة. ربما لا يقرؤها بنفسه، فالوقت لا يسمح بهذا. ويعطيها لمستشار له لقراءتها وتلخيصها أمامه حتى يقرر القبول من عدمه. والفنان يبدأ اهتمامه بالأمر من طبيعة الشخصية التى يقوم بها. وهل سبق أن قام بهذا النوع من الشخصيات أم لا؟ لا يسأل عن قدراته على تجسيد تلك الشخصية. ولا عن موقف الناس منها. الأمور تدور حول ذات البطل أو البطلة وما يمكن أن يقوم به. وكل الباقى لا يخرج عن كونه استكمالات شكلية. لا يتصور أحد أننى أكتب كلاما من عندياتي. فكثير من الشباب الذين أعدوا مشروعات لتحويل بعض رواياتى إلى سيناريوهات، كان يقال لهم من شركات الإنتاج المختلفة: إذهب بهذا السيناريو إلى الفنان الذى ترى أنه يمكن أن يكون بطله وأحضر لنا موافقته مكتوبة على السيناريو لكى نبدأ الإجراءات. بعض الشباب قالوا لى والعهدة عليهم إن بعض الفنانين يطلب مبالغ ضخمة منهم مقابل قراءة المعالجة فقط. وإنه يقبض مقدماً. وذكروا لى أرقاماً مهولة تقدم للفنان لكى يقول إنه قرأ المعالجة. وإنه موافق أن يلعب بطولتها من خلال مسلسل تليفزيونى أو فيلم سينمائي. ينقص هذه الحكاية أن أدون الأسماء. وهذا من رابع المستحيلات. لأن الجميع الذين يعرفون صدق ما أكتبه ودقته سيكذبون المكتوب. حتى من حكى لى من شباب كتاب السيناريو سينفى من تلقاء نفسه ما قاله لى وأقسم لى بصدقه. لأن من يذهب إلى الاستوديو وقت تصوير المسلسل سيكتشف أن البطل يعامل معاملة ما فوق معاملة البشر. خصوصاً أن كل عمل درامى الآن له بطل واحد أو بطلة وحيدة يتوقف عليها كل شىء منذ التفكير الأول فى العمل وحتى عرضه على الناس. الهموم تأتى بالهموم مثل سحب الشتاء. إن انتهينا مما يفعله الأبطال أو الذين ليسوا أبطالاً بالنص نصل إلى التفريعات والحكايات الجانبية التى تبدأ باعتبارها جانبية. ولكن مع تقدم العمل تصبح جوهرية. ويتوه المشاهد. ويصيبه الدوار. وأكبر مثال على هذا ما جرى لمسلسل عادل إمام: مأمون وشركاه. بدأ بعرض مشكلة إنسان بخيل. لكنه وصل لجمع الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية تحت سقف واحد. مشكلة أخرى اسمها شركات الإعلانات التى تعتبر موافقتها آخر جواز مرور لعرض العمل فى رمضان. إن شئت الدقة لا بد أن أكتب: مافيا الإعلانات. لمزيد من مقالات يوسف القعيد