أحيانا ونحن فى مقتبل أعمارنا، نقابل أصدقاء أو أحباء، نعيش معهم فترات جميلة من العمر، يتركون لنا بعد رحيلهم ذكريات سعيدة، نبتسم لها من القلب كلما تذكرناها. ثم نكتشف بعد ذلك أننا فارقناهم لأسباب - رأينا وقتها أنها منطقية- تستوجب رحيلنا عنهم، و مع مرور الوقت، تضعنا الحياة أمام أشخاص أكثر حدة وصعوبة فى التعامل فتجبرنا غربتنا الجديدة معهم على "الهروب" إلى الداخل، داخلنا حيث نشعر بأمان ما، حين نتذكر هؤلاء الذين كانت ترتاح أرواحنا لديهم، وتسكن آلامنا بمجرد وجودهم فى الجوار. ويبدأ عتابنا الصامت لأنفسنا، يا ليتنا كنا سامحناهم، وتغافلنا عن "أخطائهم" تلك، واحتفظنا بعلاقتنا بهم. لكنا الأن أسعد الناس، ولصارت تلك الأماكن التى نزورها وحدنا دونهم أجمل، ولصارت الضحكات التى تمر على الشفاه من حين إلى حين أصفى. فما بالنا ضيعنا بأيدينا كل تلك الأفراح الجميلة التى لا نعرف قيمتها سوى بعد رحيل أصحابها؟! ونكتشف أننا "مجبرون" على التعامل بأدب جم مع أخطاء من عرفناهم الأن وعلينا أن نتجاهل الكثير من سلبياتهم، حتى نحافظ على علاقاتنا "الواهية" بهم، ولا نعرف وقتها هل ما يحدث لنا هو القصاص العادل للحياة منا، أم هو مجرد جلد لذاتنا على ما فرطنا من خير. وقديما لخص هذا الدرس الدنيوى الكبير الأمام علي رضى الله عنه بكلمات بليغة، حين قال : " أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك يوما ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما" وإذا تأملنا فى سيرة الصحابى الجليل "سهيل بن عمرو" لوجدنا مصداقا لكلام سيدنا علي كرم الله وجهه، فقد كان سهيل ابن عمرو يوم صلح الحديبية هو مبعوث قريش، للاتفاق على بنود المعاهدة التى ستتم بين كفار مكة والمسلمين، وكان شديدا فى حديثه مع النبى صلى الله عليه وسلم، فحين أراد النبى أن يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" رفض سهيل قائلا: لا أعرف هذا، وأصر على كتابة "باسمك اللهم". ثم عاود رفضه لجملة "محمد رسول الله" وأصر أيضا على محوها قائلا للنبى الكريم : لو آمنا بك لما قاتلناك!! فمحاها النبى. لكن تدور الأيام، ويسلم سهيل يوم فتح مكة، ويحسن إسلامه، ويخشع فى الصلاة وقراءة القرآن حد البكاء، ويكون من أجود الناس فى الصدقات. ويخبر عن نفسه أنه يقف مع المسلمين فى كل موقف، كما وقف ضدهم أيام كفره، ثم تجده يموت مرابطا بمعركة اليرموك فى خدمة الإسلام. فلا تقولوا لمن تغضبوا منهم إلا كما قال الرسول الكريم، عن سهيل ابن عمرو أيام كان كافرا، لسيدنا عمر بن الخطاب حين أراد أن يكسر أسنان سهيل، لسابق تجرؤه على الرسول والمسلمين. "يا عمر لعل سهيل يقف غدا موقفا يسرك". [email protected] لمزيد من مقالات وفاء نبيل