تعرضنا فى مقال الأسبوع الماضى للأزمات، بشىء من التفصيل، عن أول أزمة عالمية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي، والتى سميت »أزمة الصواريخ الكوبية« ليبدأ العالم، بعدها، فى تدريس علم إدارة الأزمات والتفاوض، كأحد العلوم الاستراتيجية والأمن القومي. واليوم نستكمل هذا الموضوع، الأزمات ... وأسلوب إدارتها. 90 دقيقة كاملة، هى مدة المكالمة الهاتفية التى دارت بين الرئيس الأمريكى أوباما، ونظيره الروسى بوتين، كانت عبارة عن شد وجذب ... وتهديدات صريحة، عن نتائج الاجتياح الروسى لأراضى شبه جزيرة القرم، الواقعة جنوبأوكرانيا، فى إشارة إلى إمكانية حدوث أزمة عالمية، قد تؤدى إلى اندلاع حرب شاملة، بين بقايا المعسكر الشرقي، متمثلاً فى روسيا، والمعسكر الغربي، متمثلاً فى أوروبا وأمريكا. هذه الأجواء الملتهبة، أعادت للأذهان أزمة الصواريخ الكوبية. وبدأ الرئيس أوباما فى إدارة الأزمة بتشكيل طاقم إدارة الأزمة، برئاسة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ومعها طاقم من 16 باحثا وخبيرا فى مجالات العلوم السياسية، والفضاء، والذرة، والدفاع، والأمن القومي، والشئون الداخلية لدول الاتحاد السوفيتى السابق، وعلم النفس، وخبراء التفاوض. ومنذ بدء الأزمة، اجتمع الرئيس أوباما بطاقم إدارة الأزمة، فى أحد الغرف المخصصة لإدارة الأزمة فى البيت الأبيض، وأوضح الرئيس الأمريكي، منذ بداية الاجتماع، الهدف المرجو من إدارة تلك الأزمة، كما حدد، لمجموعة العمل، الحد الأدنى المقبول فى الاتفاق النهائى لحل تلك الأزمة. وبدأت المجموعة فى عملها، فأمضت الساعات الأربع الأولى فى جمع البيانات الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بحجم القوات العسكرية الروسية المشاركة فى الحدث، وحجم القوات الأوكرانية الموالية، وحجم القوات العسكرية المعارضة. أما أعضاء الطاقم السياسي، فركز على الاتصال بالدول المؤيدة، للوقوف على حجم وأبعاد التأييد. وعند منتصف النهار، كانت مجموعة إدارة الأزمة قد بدأت فى تحليل الموقف من جميع زواياه، وشرعت فى إعداد السيناريوهات المحتملة، تمهيداً لعرضها على الرئيس الأمريكي، الذى استمع إليها، ومعه مجلس الأمن القومى الأمريكي. واستمرت المناقشات، بين مجموعة إدارة الأزمة والرئيس الأمريكى أوباما ومجلس الأمن القومى الأمريكي، قرابة عشر ساعات، تمت،بعدها، الموافقة على الخطة الكاملة لإدارة الأزمة. وبدأت مجموعة العمل فى التنفيذ، وإصدار البيانات اللازمة، واتخاذ القرارات العسكرية، بما فيها رفع درجة الاستعداد، وتحريك القوات الأمريكية، لتنفيذ أى مهام، طبقاً للسيناريوهات المتفق عليها. ويؤكد الخبراء العسكريون أن ما تم فى هذا اليوم، هو تنفيذ دقيق لما يتم تدريسه فى المعاهد والكليات العسكرية، حول أسلوب إدارة الأزمة. ويمكن تعريف «الأزمة الدولية» بأنها حدث، يسبب خللا جسيما فى العلاقات الطبيعية بين الدول، ذات السيادة، بسبب عجزها عن حل نزاع قائم بينها. وهناك من يعرفها، بأنها تداع سريع للأحداث، يؤدى إلى عدم الاستقرار فى النظام الدولي، بما يؤثر على الأحداث فى المنطقة، وقد تؤدى إلى نزاع مسلح، والدخول فى مواجهات عسكرية. وعلى المستوى الاقتصادي، تعرف، الأزمة، بأنها وضع اقتصادي، عارض، يؤثر على أوضاع الدولة، وينشأ نتيجة خلل اقتصادي، سواء كان داخليا، أو إقليميا، أو عالميا، ويحتاج إلى جهود للتغلب عليه. وعلى مستوى الإرهاب، فتعرف، الأزمة، بأنها وضع يمس المصالح القومية للدولة، وينال من هيبتها، ويهدد استقرارها، ويصدر عن جماعات ذات أهداف متباينة، غرضها تحقيق حالة من عدم الاستقرار، أو تغيير نظام الحكم، للوصول إلى أهدافها. وتمتد تعريفات الأزمات وفقاً لتصنيفها، كالأزمات الدستورية، والأمنية، وغيرها. ومع بداية أى أزمة، يتعين على متخذ القرار، اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة، لعل أهمها، تعيين مجموعة متخصصة لإدارة الأزمة، وتحديد مقر إدارة الأزمة (والذى قد يكون محددا سلفاً)، وتسمية المتحدث الرسمى باسم مجموعة إدارة الأزمة، ثم تحديد الهدف من إدارة الأزمة، والتوقيت المحدد، للمجموعة، لإنهائها. إضافة إلى تحديد العناصر المشتركة فى تنفيذ القرارات الصادرة عن مجموعة إدارة الأزمة (عسكرياً مدنياً)، وتحديد الدول التى يمكن الاعتماد عليها فى إدارة الأزمة، ودرجات السرية المقررة فى مختلف المراحل، وغير ذلك من التعليمات التى قد تحتاجها أطقم إدارة الأزمات. وحالياً، تجد الدول المتقدمة، حريصة على إنشاء مراكز إدارة الأزمات، تكون مهامها، فى فترات السلم، هى جمع البيانات اللازمة لإدارة أى أزمة. وتحدد، هذه المراكز، أنواع الأزمات التى قد تتعرض لها الدول، وتضع سيناريوهات واستراتيجيات مختلفة لإدارة كل أزمة محتملة، وتحفظها فى مكان آمن. وهو ما يؤدي، بهذه الدول المتقدمة، بالبدء فوراً فى إدارة أزماتها بحنكة، نتيجة للإعداد الجيد، والتحضير المسبق. وتقوم هذه المراكز بتحديث كافة بياناتها، وتحليلاتها، وتقديراتها بصفة دورية، لا تتجاوز ستة أشهر، إن علوم وفكر الأمن القومي، حالياً، فى كل الدول، أو حتى على مستوى الهيئات والمؤسسات، أصبح يشكل أساساً للتعامل مع كل أزمة فى المستقبل، وأعتقد أن مصر، حالياً، تتبنى هذه المفاهيم العلمية، من خلال معاهدها وكلياتها العسكرية، كما أنها تنفذها، عملياً، من خلال منظومة متكاملة لإدارة أى أزمة، عدا بعض الوزارات والهيئات، التى نتمنى أن تكتمل قريباً، بهدف تحقيق الأمن القومى المصري. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج