يبدو أن المواجهة الروسية الامريكية الحالية فى التعامل مع الأزمة الأوكرانية فى سبيلها الى التصعيد بعد أن خيمت أجواء الحرب الباردة مرة اخرى على البلدين بسبب التطورات الأخيرة التى أسفرت عن إرسال ألاف الجنود الروس لمنطقة القرم والرد الامريكى الحاسم على هذا التطور بل والتهديد الصريح لروسيا بالتداعيات الدولية التى ستترتب على ذلك وأولها فرض عزلة دولية عليها والتهديد بمقاطعة جماعية لقمة الثمانية المقبلة المقرر عقدها فى سوتشى، وهو الأمر الذى دفع العديد من المراقبين والمعلقين للتساؤل حول ما إذا كانت الأزمة تعد تكرارا لأزمة خليج الخنازير التى وقعت عام 1961بين الاتحاد السوفيتى آنذاك والولاياتالمتحدة والتى وصلت وقتئذ لحافة الهاوية قبل أن يتراجع الطرفان وتنتهى الأزمة بتعهدات دولية متبادلة. كانت هذه الأزمة قد بدأت بقيام وكالة المخابرات المركزية الامريكية بإعداد خطة للهجوم على كوبا فى عهد الرئيس ايزنهاور، وذلك بتدريب مجموعات من الكوبيين المهاجرين للولايات المتحدة والرافضين للنظام الثورى الجديد ولازاحة الرئيس باتستا الموالى لامريكا فضلا عن عدد من المرتزقة لاحتلال جزيرة كوبا بدعم من الجيش الامريكى، وقد امر كيندى فور توليه السلطة بتنفيذ الخطة فى ابريل من عام 1961 بانزال هذه القوات جنوبكوبا فى عملية أعطيت الاسم الكودى «زاباتا» وسميت أيضا بخليج الخنازير. وكان التخطيط المبدئى يقوم على البدء بضرب أهم القواعد الجوية الكوبية قبل يومين من عملية الانزال بطائرات تحمل اشارة الطيران الحربى الكوبى ويقودها طيارون كوبيون بهدف شل حركة الطيران الكوبى وتمهيد الطريق للتدخل البرى، حيث اعتمدت الولاياتالمتحدة هذا السيناريو لتظل بعيدة عن الأضواء وللتظاهر بأن العملية ليست موجهة من الخارج ولكن من قبل عناصر داخلية رافضة لما حدث، ولكن هذه القوات وجهت بمقاومة شديدة من المواطنين وقوات الجيش الثورى التى كانت فى انتظارهم واستطاعت ايقافهم وألحقت بهم هزيمة ساحقة، ومن ثم فشل الهجوم فشلا ذريعا باعتراف كنيدى نفسه، حيث أشارت المعلومات لاحقا أن كاسترو كان على دراية مسبقة بتفاصيل خطة الغزو وموعدها حيث أخطرته المخابرات السوفيتية «كى. جى. بى». بتفاصيلها. وعقب ذلك بعدة اشهر فى أكتوبر من عام 1962 وفى ظل سيادة حالة من التوتر السياسى والعسكرى بين المعسكرين الشرقى والغربى اكتشفت طائرات الاستطلاع الامريكية العديد من منصات اطلاق الصواريخ تحمل رؤوسا نووية منصوبة على الساحل الكوبى وموجهة نحو جزيرة فلوريدا تتيح لها استهداف معظم أراضى الولاياتالمتحدة، بغية التصدى لاى هجوم محتمل ضد كوبا، وهو ما دعا الولاياتالمتحدة لفرض حصار برى وبحرى على كوبا ونشر صواريخها فى أكثر من مكان، مما أدى الى نشوب أزمة خطيرة بين القطبين كادت تؤدى الى حرب نووية لولا الجهود والمساعى الكبيرة التى بذلت من قبل قادة ورؤساء وشخصيات عالمية لدى كل من الرئيس كنيدى وخروتشوف لتطويق الازمة وايقاف التدهور فى العلاقات بين البلدين وتجنيب العالم كارثة حرب عالمية ثالثة، حتى تمكن أمين عام الاممالمتحدة فى ذلك الوقت «يوثانت» من التوصل لصيغة تفاهم بين الجانبين تقضى بان يفكك السوفييت صواريخهم فيما يتعهد الامريكان بعدم التدخل فى الشأن الداخلى الكوبى. وقد اعتبرت أزمة الصواريخ فى حينها من أشهد المواجهات خلال الحرب الباردة، و أول واقعة موثقة لخطر التدمير النووى المتبادل، خاصة بعد أن طالبت الولاياتالمتحدة الجانب السوفييتى بمنتهى الحسم والوضوح بتفكيك أى قواعد صواريخ تحت الانشاء وازالة جميع الاسلحة الهجومية والا فإن المواجهة قادمة، والواقع أن ادارة كنيدى لم تكن تتوقع أن يستجيب الكرملين لمطالبهم وتوقعت حدوث مواجهة عسكرية بين الدولتين، أما على الجانب السوفيتى فقد رفض السوفييت علنا جميع المطالب الامريكية ولكن الاتصالات بدأت عبر قنوات سرية، حتى انتهت الازمة فى 28 أكتوبر عام 1962 بالصيغة التى ذكرت سابقا. ورغم مرور هذه السنوات فان العالم مازال يتذكر حتى الان هذه الازمة وأحداثها وتداعياتها التى كادت تودى بالعالم الى الهلاك لولا تراجع الجانبين، فضلا عن خسارة الولاياتالمتحدة من ذلك الوقت وحتى الان لحليف استراتيجى، بعد أن دفعت أزمة خليج الخنازير ثم أزمة الصواريخ الى قيام كيان شيوعى موال للسوفيت على مشارف الحدود الامريكية وفى بقعة استراتيجية من البحر الكاريبى، كما يتذكر البعض كذلك الجهود الدولية المكثفة ووجود شخصيات ذات ثقل بذلت أقصى جهدها للحيلولة دون وقوع مواجهة كارثية مثل "يوثانت" أمين عام الاممالمتحدة، الامر الذى يطرح العديد من التساؤلات حول أبعاد الازمة الحالية وهل سيصل التصعيد بين الجانبين لاقصى مداه ثم يحدث التراجع بعد ذلك، كما حدث فى هذه الحادثة الاشهر خلال القرن العشرين، والاهم هل يوجد على الساحة الدولية حاليا شخصيات دولية ذات ثقل يمكنها أن تتدخل لمنع أى تصعيد محتمل، هذه التساؤلات وغيرها ستظل الاجابة عليها مفتوحة مع تطورات الايام المقبلة.