يتصايح البعض الآن, يهيب بمقاطعة انتخابات الإعادة تحت دعاوي مختلفة, بل متناقضة أحيانا; بؤرة النداء, بغض النظر عن توصيف المشارك فيه ما بين بريء وغير بريء. رفض نتيجة التصويت الشعبي لأنها لم توافق توقعات الداعين إلي المقاطعة أو أهواءهم. لو نحينا سوء النية جانبا, ولو مؤقتا, نقول إن النداء بالمقاطعة مخالفة صريحة للتعهد الذي توافق عليه الجميع, وأعلنوه جهارا نهارا ومرارا وتكرارا, بقبول نتائج اختيار الشعب مهما كانت; أعجبتنا أم لم تعجبنا, وافقت التوقعات أم خالفتها, وخاصة أن معظم الذين جلسوا في زياط إعلامي مكثف يحللون ويستطلعون كانوا في الحقيقة لا يقدمون سوي ما يتمنون ويوحون به بغية الترويج لأهدافهم ما ظهر منها وما بطن. الذي وضحته النتائج أن الناس لم تكن حريصة علي فوز مرشحها بقدر حرصها علي أن تستمتع بممارسة حرية اختيارها وتأكيد حق التعبير عن الرأي في ذلك البوفيه الانتخابي المفتوح! والدليل علي ذلك أن الأصوات توزعت علي المرشحين بنسب متقاربة بين الخمسة الأوائل, ثم كادت تتساوي بين البقية الباقية من ال13 مرشحا, ولو أنه كان هناك تلاعب جوهري في الصناديق لكنا قد رأينا ال99,99%, التي تعودنا عليها في تمثيليات الانتخابات والاستفتاءات علي مر سنوات القهر الذي تجرعته مصرنا العزيزة, تطل علينا طلتها المشئومة. ذهبت أصوات كثيرة نحو مرشحين معروف سلفا أنهم لن يفوزوا أبدا, تلك التي يعتقد من لايلتقطون حكمة الشعب المصري أنها ضاعت وأهدرها التفتت, وكان المقصود منها بث رسالة مثالية فحواها: أنا اخترته ليعلم أن هناك من يريده بعيدا عن سوق المكسب والخسارة! إذا وافقنا علي أن ثورة 25 يناير 2011 كانت أولا ثورة من أجل الكرامة وحق إثبات الذات الشعبية وقدرات الجسارة الوطنية علي فرض إرادتها السلمية في التغيير, فإن إنتخابات 23 و24 مايو 2012 كانت من أجل الاستمتاع بممارسة حق اشلاختيار مهما كان, عاجبا أو غير عاجب; بما يعني ما يلخصه التعبير المصري الخالص حين تسأل عن السبب في أمر يدهشك لماذا؟ فيكون الرد:مزاجي كده!. نعم يا سادة.. إن النتيجة النهائية لأول انتخابات حقيقية يخوضها الشعب المصري جاءت مطابقة ل مزاجه كده, وعلينا أن نحترمها ونتحملها ونتلافي أخطارها بدلا من تسفيهها والسعي لتزويرها بنزاعات تشبه حمرقة الصبيان في الملاعب حين يغلبون. العقلية الحسابية القديمة لا يمكن أن تفهم العملية الحسابية الجديدة; أصحاب العقلية الحسابية القديمة تعودوا علي التلاعب والتدليس منهجا يؤمن لهم مصالحهم, ومن بينهم شريحة عريضة ممن يسمون أنفسهم: النخب الثقافية, الذين لم يروا مانعا فكريا أو أخلاقيا يعوق وفدهم, المكون من 11 شخصية ما بين شاعر وناقد وروائي وخلافه, ذهب يمثلهم في لقاء بحسني مبارك, يوم الخميس 30 سبتمبر 2010, وظلوا معه يتحدثون علي مدي أربع ساعات, يلاطفهم ويلاطفونه خرجوا بعدها يلتقطون صورة جماعية معه تطل بالبشاشة والتآزر المتبادل وتؤكد ما أكدوه بأنه يتمتع بصحة جيدة ويحضر نفسه لجولة انتخابية سادسة! هذه النخب الثقافية, هم أنفسهم بأسمائهم ووجوههم وتفاصيلهم, التي ارتضت لنفسها التحابب المخزي مع الرئيس المخلوع قبل ثورة الشعب بأقل من أربعة أشهر, تتأبي الآن علي اختيارات الشعب الدالة عليها نتائج الصناديق, مرتدية مسوح ثورة 25 يناير 2011, وتجلس بيننا, كما الذئب في سرير الثورة يتحين التهامها, تعظ وتحذر من هذا وذاك, وتقرر الزعامة الحلم لمن شاءت وكيف شاءت, محاولة قسرا إدخال البغل في الإبريق, وتنصح بالمقاطعة; إذا لم يتم لها ما تريد وينصاع الناس لها, بإلحاح الدوي علي الأدمغة, لكي يشرب الدائخون كأسها المحلي بالسم الزعاف! المزيد من مقالات صافى ناز كاظم