إن كان شهر رمضان الكريم فى السنوات الأخيرة يصادف شهور الصيف من فصول العام، حيث تطول ساعات النهار، وترتفع درجات الحرارة، ونسبة الرطوبة، ويشتد الجوع والعطش بالصائمين، فإنه يتزامن هذا العام مع امتحانات الشهادة الثانوية حيث يسيطر الخوف والقلق والاضطراب ليس فقط على الطالبات والطلاب بل وعلى أسرهم وذويهم، وذلك لخطورة هذه المرحلة ودقتها وأثرها البالغ فى مستقبل الأبناء. والسؤال: أيعد هذا التزامن بين الشهر الكريم وموعد الامتحانات؛ من سوء الحظ ودواعى اليأس والإحباط؛ حيث تزداد الضغوط على الطلاب والطالبات؛ فيضاف الجوع والعطش إلى المذاكرة والتحصيل..أم أنه فرصة يجب اغتنامها وحسن التعامل معها من أبنائنا وبناتنا؟ إن ما فى الصوم من كبت وحرمان من الطعام والشراب وسائر الملذات ليس هدفا فى ذاته؛ بل هو وسيلة لغاية نبيلة هى التدريب على الصبر والتحمل وقوة الإرادة التى تؤهل صاحبها إلى السيادة والقيادة؛ فى مستقبل الأيام.. ومن المعلوم أن كثرة الأكل والشبع المفرط تورث الكسل والفتور، وتسبب النوم الطويل وتضيِّعُ ساعات الليل، فمن أكل كثيراً شرب كثيراً، فنام كثيراً، فخسر كثيراً، وبالصوم يصح البدن، وتجتمع الهمة، ويصفو الفكر، ومتى زاد الإنسان فى الأكل أورثه كثرة النوم، وبلادة الذهن، وقد قال لقمان لابنه: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن التفكر والعبادة، وفى الحديث» مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» [ابن ماجة]. وفى الصوم تنبيه للإنسان على معرفة قيمة وقته وشرف زمانه، فلا يُضيع منه لحظة فى غير منفعة، والمتأمل فى سيرة السلف يرى أروع الأمثلة فى الحفاظ على الأوقات والحرص عليها حتى أن داود الطائى كان يطحن الخبز ويستفه سفاً حتى يستهلك الوقت فى المضغ، ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية، وفى الصوم تدريب على تنظيم الوقت، وتقسيمه حتى يمكن الاستفادة منه على الوجه الأمثل، فانظر كيف قسم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، الشهر أثلاثاً حتى يتنافس الناس فى فعل الخير وتعلو الهمم شيئاً فشيئا بالعبادة والذكر فالوقت أشرف وأغلى وأثمن من أن تضيع منه لحظة بغير فائدة، وَهُوَ شَهْرٌ «أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ»[صحيح ابن خزيمة]. لمزيد من مقالات د. عماد الشويحى