تفرض علينا معطيات المشهد الراهن سؤالا بالغ الأهمية هو: هل تحولت الثقافة والمعرفة وأحاديث السياسة عندنا إلي مجرد نوع من الفضفضة بحيث يقول كل مفكر ما يحلو له وما يروق لنفسه بصرف النظر عن الخطأ والصواب ودون وضع أي فواصل بين الحقيقة والشائعة وبين التقييم العلمي والموضوعي من ناحية وسرد الانطباعات والخواطر الشخصية من ناحية أخري! نعم إن الديمقراطية هي الحرية ولكن حرية المثقف والمفكر والسياسي يجب أن ترتكز في المقام الأول علي المعرفة والتوثيق والدقة وأسلوب القياس الصحيح. والسجال السياسي جزء من الحركة الديمقراطية في أي مجتمع ولكنه ليس سجال الرأي للرأي كحق من حقوق الاجتهاد فقط, وإنما هو سجال الوثيقة بالوثيقة والمعلومة بالمعلومة فالذي لايجوز في السجال السياسي أغلبه أيضا محظور في السجال الثقافي حيث لا مجال للمناورة أو المزايدة أو الخداع, وإنما الكلمة الحاسمة تبقي للحقيقة والحقيقة المعرفية فقط! ويؤسفني أن أقول: إن الرواج الإعلامي من خلال هذا الكم الهائل من الفضائيات والذي كان يفترض أن يصبح إحدي علامات الرواج السياسي في مصر قد تحول إلي سرادقات للفضفضة يتاح فيها لمن يعرف ومن لا يعرف أن يخاطب الناس دون إجراء أي تقييم أو غربلة لما يقال في هذه السرادقات. والنتيجة أننا نسهم- دون أن ندري- في تشويش العقول وإشاعة جو من التناقض الفكري والسياسي! إن هناك فرقا كبيرا بين الفضفضة من نوع الكلام علي المصاطب وبين الرؤية الدقيقة للوقائع التاريخية والأحداث الجارية حتي لا تزيد من حجم البلبلة في نفوس وعقول أجيال جديدة تتساءل عن سر غياب الحقيقة نتيجة انعدام المصداقية لمعظم ما يقال! ولست بحاجة إلي الإشارة إلي ملاحظات سلبية كثيرة تتردد علي ألسنة الرأي العام بدءا من غياب الموضوعية عند اختيار القضايا ووصولا إلي غياب الدقة والجدية عند اختيار الضيوف والمتحدثين الذين يسهم بعضهم في تحويل الحوارات التليفزيونية إلي مجرد دردشة مقاهي وفضفضة مصاطب! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: عندما تكثر القوانين يتراجع العدل! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله