يؤسفني أن أقول إن الذي يغلب علي لغة الحوار التي يشهدها الناس علي شاشات معظم الفضائيات العربية قد باتت ميدانا للاستعراض والاستعلاء والحديث عن النفس وعن الذات. ولعل ما يغيب عن بعض الذين يفرضون أنفسهم علي الناس عبر الشاشات الفضائية أن الرأي العام بات أكثر وعيا, وأشد نضجا من أوهام بعض من يتصدرون المشهد الإعلامي ويريدون فرض منهج إلقاء المونولوج وعدم احترام قواعد الحوار طبقا لمنهج الديالوج. وليس هناك في نظر الرأي العام من هو أسوأ من أولئك الذين ينظرون إلي المشاهدين من فوق قمم عالية تحت وهم اعتقاد خاطئ بأنهم يملكون وحدهم ينابيع الحكمة وينابيع الفلسفة وكنوز الثقافة والمعرفة التي تمكنهم من احتكار الحقيقة! والحقيقة إن المرء لا ينبغي له أن يصدق كل ما يسمعه وبالتالي فإن علي المرء أن يكون دائما حاضر الذهن لأن الخطر كل الخطر أن تمنح عقلك أجازة بحجة الثقة في عقول الآخرين والإقتناع تلقائيا بصحة ما يقولون به?! ويعزز من صحة ما أقول به أنني استرجعت في ذهني شريطا طويلا من دفتر الذكريات في مطلع شبابي وتذكرت كيف كنا نلتف حول بعض الطواويس المنفوخة بماء الجهل والغرور بحثا عن الحقيقة, لنسمع تحليلاتهم عن أسباب نكسة يونيو 1967, وكأنهم قادة عسكريون عادوا لتوهم من أرض المعركة, أو ملاحظاتهم علي مشروع السد العالي والآثار الجانبية التي ستترتب علي بنائه, أو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه مصر عندما سارعت بتأميم قناة السويس وأدي ذلك إلي وقوع العدوان الثلاثي.. أو.. أو.. إلخ. ولكن مع مرور الزمن وانكشاف الحقائق أدركت أن جيلي ارتكب خطأ فادحا في حق نفسه عندما ارتضي أن يعطي عقله أجازة وأن يسلم بصحة كل ما كان يقال له. لقد أدركت منذ هذا التاريخ أن جيلي كان ضحية الثقة المطلقة فيمن تصور أنهم سياسيون وخبراء ومحللون لا يمكن أن ينزلقوا إلي خطيئة الكذب والادعاء والتحامل والتلفيق إلي حد النزول بنا في بئر الأوهام والمستحيلات! واليوم أقول بكل الصدق كان الله في عون الرأي العام الذي تطارده الفضائيات العربية بكل ما هو غث ورخيص?!
خير الكلام: معرفة الحقائق بوابة الدخول إلي ساحات التسامح! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله