استكمالا لما تحدثت عنه أمس أقول اليوم: إنه إذا كان العلم- أساسا- هو عمل ووظيفة العلماء حيث من النادر أن يجد الإنسان علما صادرا عن غيرهم فمن المؤكد أن هؤلاء العلماء قد بلغوا من المهارة والحكمة قدرا يمكنهم من عمل أي شيء... وإن هذه المهارة وتلك الحكمة ليست مجرد موهبة تولد مع الفرد فقط وإنما هي نتاج مناخ عام يسمح للموهبة بأن تنمو وأن تعبر عن نفسها. وأية دولة متقدمة لا بد وأن تستند إلي ثروة من العلماء الموهوبين, ولا بد أيضا أن تمنحهم الدولة الفرصة لإبداء الرأي وتقديم المشورة في شتي مجالات الحياة, ولكن دون أن تجاري تطلعات البعض منهم لخلع معاطف المعامل البيضاء وارتداء زي الوعاظ في الندوات السياسية والدينية والغوص كلية في وحل العمل العام لأن المكان الطبيعي للعلماء هو المعامل. ولا شك في أنه عندما يأخذ العلماء مكانهم الصحيح ويصبح للعلم قيمته ومكانته وهيبته في أي مجتمع سوف يختفي الدجل ويتراجع مروجو الأوهام الذين يجدون سوقا رائجة في الدول التي يتواري فيها صوت العلماء وتتكدس فوق أرفف المكتبات أنواع هزيلة من الكتب التي تنسب ظلما للتصنيف العلمي مع أنها في حقيقة الأمر ليس لها وصف دقيق سوي العلم الكاذب. وخلاصة القول: إن أفضل وسيلة لمحاربة الدجل ومحاصرة السطحية تتحقق من خلال دور مؤثر للعلماء الحقيقيين في توجيه الرأي العام عبر قنوات الاتصال الشرعية والأوسع انتشارا مثل التليفزيون والإذاعة والصحف الكبري, الأمر الذي يؤدي إلي توسيع مساحة وحجم الاستنارة عند الرأي العام بحيث يكون قادرا علي التمييز بين العلم الصادق والدجل الخادع. أريد أن أقول بوضوح: إن بعض ما يعرض هذه الأيام علي شاشات الفضائيات من خزعبلات فكرية ودينية وطبية وجنسية وإشغال لعقول الناس بتفاسير الأحلام وقراءة البخت يمثل كارثة مجتمعية ويتناقض تماما مع فلسفة الانفتاح الإعلامي كأحد روافد الحرية التي تتمتع بها مصر. ولقد قلت أمس أن العلم والحرية لا يفترقان وأؤكد اليوم أن الدجل والفوضي أيضا لا يفترقان... وتلك كارثة ينبغي سرعة التصدي لها! خير الكلام: المرء لا يكتشف ذاته وإنما يصنعها بعلمه ووعيه! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله