إذا كان سجل التاريخ يقول لنا أن كل شيء كان قابلا للهزيمة والقهر إلا العلم فليس ذلك إلا لأن العلم يعتبر في حد ذاته قوة قاهرة تفوق في إمكاناتها أية قوة أخري عرفها الإنسان. وفي اعتقادي أن الاستثمار الحقيقي للعلماء لا يتحقق إلا من خلال رؤية واضحة للمجتمع في أسلوب التعامل معهم لكي تختفي تلك الازدواجية بين فريق من العلماء يتلهفون كالأطفال لأن يتركوا معاملهم ويتحدثوا عن أشياء لا يفهمونها, وفريق آخر ممن يؤثرون التخندق التام في معاملهم ولا يقبلون حتي مجرد الحديث أو الكتابة عما يفهمونه تمام الفهم في مجال أبحاثهم. ولعل ذلك ما يدفعني إلي القول بحاجتنا كمجتمع مدني علميين وغير علميين أن نعمل علي سد هذه الهوة الناشئة عن ازدواجية التعامل مع العلماء, وأن نعيد العلم إلي حظيرة الحياة كمشروع إنساني يحوي في باطنه اليقين وعدم اليقين والمرونة والذاتية والاعتماد علي القدرة الإبداعية والإيمان الذي يسمح للعلماء بأن يأخذوا مكانهم الملائم في المجتمع. ومعني ذلك أن العلماء الحقيقيين هم الذين ينبغي أن يأخذوا مكان الصدارة في عملية الإطلال الدائم علي الرأي العام عبر وسائل الإعلام لقطع الطريق علي المدعين والدجالين الذين يتسلل بعض منهم بين الحين إلي صفحات الصحف وشاشات التليفزيون فلا يقدمون شيئا مفيدا, وإنما تكشف أقوالهم عن شعور بالعظمة الكاذبة وادعاء العبقرية واتهام الآخرين بالجهل والغباء وعدم الأمانة, ولا مانع من عبارة أو جملة للإيحاء بأنه مضطهد دون وجه حق, ثم استخدام اصطلاحات وجمل مركبة ومعقدة يؤكد بها أنه فريد عصره وفارس زمانه لولا حقد الآخرين عليه وغيرتهم الشديدة من عبقريته. وعندما نقول ان العلم لا ينتعش ولا يزدهر إلا إذا استنشق المجتمع نسيم الحرية, وأن العلم في المقابل يقدم أكبر دعم ومساندة للروح الحرة للإنسان فإننا في الوقت ذاته لا بد أن ندرك أن هذه الروح الحرة ليست موهبة طبيعية ولكنها موهبة علينا أن نغذيها وأن ندافع عنها حتي لا نفقدها... فالعلم والحرية لا يفترقان! وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: الحكيم من حكم نفسه أولا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله