سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور سعد الدين الهلالى فى حوار مع « الأهرام»: الخطاب الدينى قائم على التجنيد والتحشيد وظيفة الشيخ الجامع والعالم الكشكول لم تعد مناسبة ويجب احترام التخصص
يقود الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حملة لنزع قدسية الفتوى، معلنا تحديه أن يثبت له أحد أن الفتوى ملزمة للمستفتى. وطالب بإلغاء وظيفة الشيخ والعالم الكشكول، حتى نتمكن من تجديد الخطاب الديني، وذلك لأنها وظيفة لم تعد مناسبة لهذا العصر الذى يقر ويحترم التخصص. وقال د.الهلالى فى حوار مع « الأهرام» أن العالم أدرك الفرق بين الممارس العام والمتخصص، ولكن القائمين على الخطاب الدينى لا يعرفونه ويقدمون أنفسهم للجماهير بوصف كاذب ومدلس، مشيرا إلى أن أصحاب الخطاب الدينى تغولوا على الله تعالى. وأكد أن الخطاب الدينى قائم على التجنيد والتحشيد والتكفير والتفسيق، ممن يزعمون أنهم يحرسون الكتاب. وطالب بإلغاء الوصاية الدينية لإنقاذ المجتمع من مخاطر الإرهاب الذى يهدد مستقبل العالم. ولما كان الكثيرون يعدونه مجددا للدين فى باب الفقه نال النصيب الأوفى من البيانات التى عارضت فتاواه وآراءه العلمية. وإلى نص الحوار: ما تعليقك على مبادرة تجديد الخطاب الدينى التى تجرى حاليا خاصة بعد مطالبة الرئيس السيسى علماء الأزهر والأوقاف بتحمل المسئولية؟ أفضل طريقة للتجديد أن يتحول أصحاب الخطاب الدينى لوظيفتهم الحقيقية وأن يتركوا الوظيفة التى فرضوا أنفسهم عليها، فوظيفتهم الحقيقية «التعليم والبيان والتذكير»، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى:» وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ»، فوظيفة الذين يزعمون أنهم يحرسون الكتاب بيان جميع ما عرفوا للمتلقين، على أن يعطوا السيادة للمتلقين فى التنافسية لاختيار أفضل وأجمل وأحسن ما يتلقون، وفق أفعل التفضيل التى لا سقف لها، خذ مثلا قوله سبحانه: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر»، وقوله: «إن أنت إلا نذير»، وقوله: «ما على الرسول إلا البلاغ»، بما يؤكد أن أصحاب الخطاب الدينى ليسوا حاشدين ولا مجندين وليس لديهم رغبة إدخال أحد فى زمرتهم أو فى مذهبهم أو فى دينهم إنما الواجب أن يمكنوا المتلقين من خلال المعلومات التى يعرفونها ليتخذوا القرار الذى يناسبهم ويتحملوا مسئوليته أمام الله. ذكرتم أن الخطاب الدينى الآن قائم على التجنيد والتحشيد، فما المعنى الذى قصدت من وراء هذه العبارة؟ كل من يتحدث عن دينه يريد أن يحشد الناس لدينه، متجاهلين أن كتاب الله يريد منهم تنوير المتلقى ليتخذ القرار الذى سيتحمل مسئوليته يوم لقاء الله تعالى، وفى سورة الأعراف حسم لتلك القضية الخلافية فى الخطاب الدينى وخاصية الحشد والتجنيد، التى يسعى من خلالها صاحب الرأى الفقهى إلى جمع الناس على كلامه مستخدما تعبير «إنه يتحدث بمراد الله»، وهذه الجملة يرددها المنتسبون للأزهر والمتخصصون فى قضايا الحديث الديني، والسؤال من الذى أقنعهم أن فهمهم البشرى هو مراد الله تعالى المقدس الذى لا تدركه الأبصار، أما الدعاة الحاليون فيرددون مقولات توحى بأنهم فهموا الدين بمنطق الصواب المطلق، ويبررون ممارستهم فى التجنيد والتحشيد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم». الدراسة بالأزهر تقوم على التعددية المذهبية، فلماذا لا يتم نقل ذلك للجماهير عند ممارسة الخطاب الديني؟ أتحدى ان تكون هناك مادة بالأزهر لا تقوم على التعدد فى الرأي، حتى اللغة العربية ففى القاموس المحيط ولسان العرب الكلمة لها معان وليس معنى واحد، فلماذا نضحك على الناس ونقول لهم معنى واحدا، لماذا لا نقول لهم: إن هذه الكلمة لها معان متعددة، فمثلا قوله تعالى فى سورة النجم : «إن هو إلا وحى يوحى» يحتمل أن يكون المقصود بها سيدنا جبريل أو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فلو ذكرنا الاحتمالين يمكن أن نشعل حراكا فى المجتمع، ونساعد المتلقى على التفكير، وربما يبتكر ما لم نبتكره، ولا يكفر أحدنا الآخر، فبكل أسف نحن قائمون بخطاب التكفير والتفسيق وخطاب أنا صواب وغيرى خطأ، وهذا الخطاب قائم على أحادية المعنى. الدعاة يجيبون فى كافة القضايا ويناقشون مختلف المسائل رغم أن بعضهم خريجو كليات اللغة العربية أو الدراسات الإسلامية، فهل تؤمن بالتخصص؟ لنكن صادقين مع أنفسنا يجب إلغاء وظيفة الشيخ الجامع، العالم الكشكول، لقد أدرك العالم الفرق بين الممارس العام والأخصائى دون أصحاب الخطاب الدينى الذين يرون قصر وصف العالم على الممارس العام، فلماذا أصحاب الخطاب الدينى لايزالون يعيشون فى الماضى ولا يريدون الاعتراف بما تم الاعتراف به منذ عام 1961 وقت صدور قانون تطوير الأزهر، ولا يزالون يقولون فلان عالم أو شيخ، هكذا بإطلاق دون تخصص، وعندما نتحقق فى الأمر نفاجأ بالعجب فيمن يفترض أن نأخذ منهم خطابا دينيا صادقا، حيث يقدمون أنفسهم للجماهير بوصف كاذب ومدلس، يقول أنا أستاذ فى جامعة الأزهر بهدف تركيع المستمع أو المتلقى، وهو فى الحقيقة أستاذ قانون مدنى أو مرافعات أو دولي، أو يرتدى العمامة ويطلق اللحية ويقول إنه مستشار أو عضو بمجمع البحوث الإسلامية أو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بهدف أن يختبئ وراءه للسيطرة على المتلقين. من المسئول عن ظاهرة الشيخ الكشكول؟ المسؤلية مشتركة أولهم: المستفيد من ذلك الوضع من خلال حديثه فى جميع المناحى: فى الميراث، والعقيدة، والتفسير.. وثانيهم: المجالس التى تحمى أفرادها وتسمح لهم بإعلان أنفسهم كعلماء شاملين كافة مناحى العلوم، دون التأكيد عليهم بإبراز تخصصهم، فمثلا أكبر هيئة فى الأزهر عدد أعضائها 24 عضوا لا يظهرون سوى أنهم منتمون لتلك الهيئة الموقرة، علما بأن أحدهم أستاذ نحو وصرف ويقدم نفسه على أنه عضو أكبر هيئة بالأزهر، وأستاذ بلاغة وأستاذ حديث وهكذا، كما أن مجمع البحوث الإسلامية عدد أعضائه 40 عضوا، كم عضوا منهم متخصصا فى العقيدة وفى القانون، فهل الشعب يعرف تخصصات من يتحدثون إليه فى الحلال والحرام، وافعل ولا تفعل، أليس هذا من حق الشعب، مثلما يعرف الشعب تخصصات الوزراء، ومما يرثى له أن أصحاب الشأن فرحون بأنهم كشكول، كما أن المجالس والهيئات والجامعات لا تشدد على أبنائها تقديم أنفسهم بتخصصاتهم، وتسمح لهم بأن يقدموا أنفسهم مختبئين وراء العضوية أو الوظيفة. ما الحلول العاجلة التى يجب اللجوء إليها لإنقاذ المجتمع من مخاطر الإرهاب الذى يهدد مستقبل العالم؟ إلغاء الوصاية الدينية فلا يوجد حل آخر غير هذا، وإعلام الناس عن المتحدثين فى الخطاب الدينى وإظهار أنهم يتحدثون عن ثقافاتهم وفكرهم البشرى وليس عن تفويض عن الله سبحانه، وتوصيف الفتوى بأنها رأى بشرى وليست رأيا دينيا، وأن الفتوى تلزم صاحبها، ولا تلزم الآخر، وهذا باتفاق الفقهاء، فإذا انتهى المجتهد إلى رأى فلا ينسبه للإسلام، وإذا نسبه إلى الإسلام يكون كاذبا، فأصحاب الخطاب الدينى تغولوا على الله، وأصبحوا يتحدثون باسم الله، وفى حديث بريدة الوارد فى صحيح الإمام مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم : « كان إذا أمرّ أميرا على جيش قال له: وإذا حاصرت اهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك أنت، فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا «، وعندما ينسبون ما يصدر عنهم إلى الدين يكون كذبا لأنهم ليسوا مفوضين عن الدين، وهذه النسبة يدللون عليها بقوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» علما بأن هذا الاستدلال وارد فى غير سياق الاستدلال حيث تهدف الآية سؤال أهل الذكر فقط، دون الأمر باتباعهم، فالإجابة قد تكون مرضية للمتلقى، وقد تكون غير مرضية، وإذا كانت مرضية فسيطبقها، وإذا كانت غير مرضية فلن يطبقها، لأن الله لم يأمره بتطبيق ما يأنفه قلبه، فالله أمرنا ان نحترم قلوبنا وعقولنا، ولكنهم أخذوا الآية الواردة فى سؤال أهل الذكر بأنها إلزام، وهذا ما قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك»، فالسيادة عند المتلقى، فالمتلقى أو المستفتى هو سيد قراره، وأنا أنادى بسيادة الجميع، أقول لأهل الذكر: أنتم أسياد فى الاستنباط، فلماذا لا تعطون السيادة للمتلقين فى اختيار ما يعجبهم؟! هل يمتلك شبابنا الحصانة التى تحميهم من الأفكار المتطرفة؟ يجب أن نسأل أنفسنا هل نؤمن بالتراكم المعرفى وتطور الحضارات، ولو قلنا هذا الكلام لشخص سلفى سيرد علينا بأن الإمام مالك قال: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فأصبح عندنا نظريتان، إحداهما تقول بالتراكم المعرفى والإفادة بأدوات التقدم الحديثة التى لم تكن موجودة عند السابقين، والفكر الثانى قائم على عدم التجديد، وأن كل محدثة بدعة، يرون أن الاحتفال بعيد الأم حرام، وتهنئة غير المسلمين حرام، وأن أهل الذمة ليسوا شركاء فى الوطن وليس من حقهم تولى الوظائف القضائية فى الدولة، أو الالتحاق بالجيش أو الشرطة، وأن المرأة لا تلى عملا عاما، ولا تتولى القضاء، وغيرها من المسائل التى كانت تتناسب مع العصر القديم، والمحزن أن هؤلاء صوتهم مرتفع بقوة المبالغ المالية المدفوعة لهم من دول تسعى لتوحشهم ونشر ثقافتهم الرجعية المنتسبة للدين على سبيل الخطأ. أيهما الأقوى فى التأثير على الشباب داعش أم المؤسسة الدينية؟ المؤسسات العلمية الدينية وظيفتها تحصين الأجيال الشبابية لكننا أهملنا كثيرا فى حق الأطفال والشباب ولم نحملهم المسئولية، ويجب أن نعطيهم الثقة فى النفس، وأن ندرك أن الدين منافسة للوصول إلى أفضل المستويات، فلو اعترف أهل الخطاب الدينى بشرعية القانون لحلت كل المشاكل وصار الفقه اختياريا، فإذا أردت ان تلزم المجتمع بشيء فأصدر به قانونا، وما سوى القانون فالشعب فيه مخير، داعش نجحت فى شراء المرضى النفسيين والذين يئسوا من حياتهم، والذين لا يجدون حرجا فى التضحية بأنفسهم، وجميع أتباع داعش مرضى نفسيون أو محبطون، أو أناس باعوا أنفسهم مقابل المال. هل قامت المؤسسة الدينية بدورها فى محاربة «الإسلاموفوبيا»؟ علينا البحث عن فحوى الخطاب الدينى فى المجتمع وفى الأكاديميات العلمية، فالأكاديميات العلمية تدرس المذاهب الفقهية بكل شمول، وفى المقابل نجد الممارسة العملية لخريجى تلك الأكاديميات من ممارسى الخطاب الدينى مختلفة تماما حيث يفرضون على الناس رأيا واحدا وفق اقتناعاتهم الشخصية ويعتبرونه دينا وشرعا مقدسا، وهذا هو الدور الذى أقوم به حاليا، بالسعى إلى حرق قدسية الفتوى.