حينما ضرب اليابان قبل أعوام زلزال عنيف مدمر، كان مشهد المواطنين اليابانيين المنكوبين مؤثرا جدا، وهم يقفون رغم الابتلاء فى طابور بنظام، ولا يأخذ أى منهم من المساعدات التى تقدمها الدولة إلا قدر حاجته، دون تكالب أو شجار أو دهس بالأقدام أو خطف أو صراخ أو صياح. يومها أدركت أن معجزة اليابان الحقيقية ليست إعادة بناء نفسها بعد كارثة هيروشيما وناجازاكى، وأن أعظم إنجازاتهم هى بناء الإنسان اليابانى، هذا المنتج البشرى المتكامل المؤهل المزود بمنظومة قيم عالية المستوى، الذى شيد المدن وأنار العالم بأفكاره الخلاقة. وهذا ما تحقق أيضا فى دول أخرى فى عالمنا المعاصر، بينما مازلنا فى مصر نفجع بين الفينة والأخرى بحوادث صادمة مروعة، من نوعية حادث سيدة قرية أبوقرقاص التى تباينت الروايات حول واقعة تجريدها من ملابسها، وهو الأمر الذى ينبغى أن تسارع جهات التحقيق بوضع حقائقه كاملة أمام الرأى العام. وهناك أيضا حادث تكالب المواطنين وتصارعهم فى أحد متاجر المواد الغذائية للاستحواذ على منتجات ذات أسعار مخفضة، وما صاحب تلك الحادثة من سلوك أقرب ما يكون لسلوك الغاب والأحراش. لا يمكن أن تمر الحادثتان الكاشفتان دون التأمل والتمحص والدرس، وهما تلقيان الضوء على منظومة قيم اعتراها الضعف والوهن، وهو أمر يجب أن يشغل الساسة وصناع القرار والعلماء والمتخصصين، للبحث عن إجابات مقنعة للأسئلة الحيرى عما وصل إليه حالنا، وكيف نخرج من ذلك، ونعيد بناء منظومتنا القيمية، بعد عقود طويلة من الإهمال والاستخفاف والتجهيل. وأول الطريق للإصلاح هو التشخيص الناجع لأزماتنا، فلا مستقبل لأمة لا يتلقى أبناؤها تعليما جيدا، ولا علاجا لمرضاهم، ولايشعر بنوها بالعدل، ولا يطبق قانون صارم على كبيرهم قبل صغيرهم ، ولا يحكم إعلامهم منظومة قيمية. ودون ذلك جميعا سنظل نبحث فى العرض دون المرض، وسنظل نواجه كل يوم أزمة جديدة. لمزيد من مقالات أسماء الحسينى