«تعليم القاهرة» تنشر نموذج امتحان مادة الهندسة المستوية للشهادة الإعدادية 2025    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    مشروعكم فيه ظلم واضح ومرفوض، رئيس محلية النواب يهاجم الحكومة بسبب قانون الإيجار القديم    الاقتصاد الأخضر نحو الاستدامة (ج1)    نشرة التوك شو| لا توجد أوبئة للدواجن في مصر وافتتاح أكبر سوق جملة أكتوبر المقبل    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 22 مايو 2025    حدث منتصف الليل| أبرز قرارات الحكومة وكشف تجاري ضخم للذهب    استشهاد 5 فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على "جباليا" شمال غزة    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    حماس تطالب بمحاسبة نتنياهو بعد تصريحاته عن وقف إطلاق النار    مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور    رئيس جنوب أفريقيا: نرحب بالاستثمارات الأمريكية ونتوقع زيارة من ترامب    الدوري الأوروبي، مدرب مانشستر يونايتد يكشف أسباب الخسارة أمام توتنهام    الهلال يتمم المقاعد.. الأندية السعودية المتأهلة إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    أول تعليق من ميدو على أزمة تجديد عقد عبد الله السعيد مع الزمالك    حريق هائل في عقار مكون من 4 طوابق بالقومية العربية بإمبابة (صور)    إصابة 15 شخصًا في انقلاب سيارة ميكروباص بشمال سيناء    توقعات حالة الطقس اليوم الخميس    بعد صدور لائحته التنفيذية.. عقوبة اصطحاب كلب دون ترخيص    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    السفير ماجد عبد الفتاح: تزايد السخط الدولي بسبب استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين (فيديو)    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء جامعة مصر الجديدة المملوكة ل «أخبار اليوم»    «تشريعية النواب» تناقش تعديل «قوانين الانتخابات» اليوم    "المهرج" جاء لإزالة الغبار.. توتنام بطلا ل الدوري الأوروبي على حساب مانشستر يونايتد    في الجول يكشف آخر تطورات إصابة ناصر ماهر    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    هاني رمزي: رواتب اللاعبين في مصر تفوق بعض لاعبي أوروبا    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    وزير الزراعة: تكلفة استصلاح الفدان تتجاوز 300 ألف جنيه وفرصة ذهبية للمستثمرين    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 22 مايو 2025    باختصار.. أهم الأخبار العربية والعالمية حتى الظهيرة.. العالم يدين إطلاق الجيش الإسرائيلى النار على الوفد الدبلوماسى بجنين.. وحظر تصدير الأسلحة إلى الاحتلال والتهدئة فى الهند وأوكرانيا والتفاوض مع إيران    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    كيف تعرف أن «الأسانسير» قد يسقط بك؟ 5 علامات تحذيرية    وفاة طفلة في انهيار منزل بالطوب اللبن بسوهاج    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: صندوق النقد الدولى لا يضع شروطا على مصر    وزير الخارجية: هناك تفهم من أمريكا لدور مصر في العالم    ياسمين صبرى فى العرض الخاص لفيلم the history of sound بمهرجان كان السينمائى    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    عادات المليونيرات.. 4 مفاتيح مالية يتجاهلها معظم الناس (تعرف عليها)    4 أبراج «حياتهم مستريحة».. مرفّهون لا يركضون خلف الثروة لأنها تأتيهم تلقائيًا    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    أسماء بنات على «فيسبوك» توحي بالثقة والقوة.. تعرف عليها    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    محافظ الدقهلية: 1522 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب«بلقاس»    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاتل الأسطورى ..وشجرة السنديان الأخيرة

محارب من زمن الأساطير، قلب صنديد وروح عاشق، يهيم فى الأرض بحثا عن الحق والعدل، على أمل أن يحمل أزهارهما إلى محبوبته، عزيمته سيف فى وجه اليأس ومواقفه فولاذية أمام التخاذل والانكفاء، شموخ الهامة وبشاشة الوجه البشوش والعينان المتقدتان بالذكاء تمنحك شعورا بأنك أمام «شجرة سنديان» راسخة، مهما تكسرت جذوعها تظل عصية على الانحناء، حديثه مزيج لغات كأنه من «بابل الأولى»، وإذا جرت العربية على لسانه صادفتك لهجات كل بلادها، قضى عمره التسعينى، متجولا مدافعا عن أمته وقضيته (قضيتنا) الأولى، فلسطين الحبيسة، فى المحافل والدروب السياسية والصحفية والأكاديمية والثقافية، وبرغم كل الإغراءات الصهيونية -الأمريكية أبى أن «ينخ» أو يتزحزح عن مبادئه، إنه الدكتور كلوفيس مقصود «شيخ العروبة»، كما لقبه جمال عبدالناصر، أو «سنوحى القضية الفلسطينية» التى عاش لها حتى قتلته، ليغادر دنيانا 15 مايو الحالى، فى اليوم نفسه الذى شهد تقسيم فلسطين عام 1947 وبدء النكبة، ليلقى وجه ربه فى العاصمة الأمريكية، ملفوفا فى «علم فلسطين»، وهو فى التسعين من العمر..!
وعى كلوفيس مقصود مبكرا مدلول ما قاله «نزار قبانى»، عن أسباب هزائم العرب وتشتتهم: «إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ ..لأننا ندخُلها بكل ما يملك الشرقى من مواهب الخطابة.. بالعنترياتِ التى ما قتلت ذبابة..لأننا ندخلها بمنطقِ الطبلةِ والربابة .. السر فى مأساتنا، صراخنا أضخمُ من أصواتنا وسيفُنا أطولُ من قاماتنا..»، لذا تسلح الرجل بكل عتاد ممكن ومتاح ليخوض معركته حتى آخر نفس فى صدره، فكان كلوفيس مقصود اللبنانى المارونى المولود بأمريكا، مفكرا قوميا كبيرا وسفيرا سابقا للجامعة العربية فى الهند وفى الأمم المتحدة، عروبيا حتى النخاع، درس القانون والعلاقات الدولية وعمل صحفيا بالأهرام فى الفترة 1967-1974، ثم فى عدة صحف غيرها، وأستاذا جامعيا، وفى كل الأحوال ظلت قضايا الأمة العربية شغله الشاغل ومحور تفكيره الأثير، مؤمنا بهوية الأمة وعروبتها ووحدتها، وبدورها الحضارى فى مسيرة الإنسانية، عقب الحرب الباردة أسس مركز دراسات عالم الجنوب فى الجامعة الأمريكية بواشنطن، وليس هذا غريبا على الرجل الذى صادق الزعيم الهندى نهرو، واستعار منه مفهوم «الحياد الإيجابى»، فصار ركنا، فى السياسة الناصرية والعالمثالثية فى الخمسينيات والستينيات. لكن البعض يأخذ على كلوفيس أنه «رجل تناقضات»، يدللون على ذلك باستقالته الشهيرة من الجامعة العربية، عام 1990، احتجاجا على مساعى الاستعانة بقوات أجنبية -أمريكية –بريطانية بالأساس- لإخراج صدام حسين من الكويت، لكن الرجل كان متسقا مع ذاته، بصرف النظر عن رأينا فى سلوكه هذا. كما أنه كان مؤمناً بالطاقات فى العالم العربى وتحمس لثورات الربيع العربى فى البداية، لاعتقاده أنها ستؤدى إلى نتيجة، لكن أمله خاب، أصابه الإحباط من النتائج التى أسفرت عنها الثورات، خاصة بظهور النتوءات والتى كان يقصد بها الدواعش والتيارات المتطرفة والإرهابية.
ومثل رفيق غربته المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد، آمن الدكتور مقصود ب»مسلمة أساسية» رآها العنصر الأهم فى تاريخ منطقتنا، خلاصتها: إن البشر الذين يتكلمون العربية وينتمون الى الثقافة العربية، على تنوعهم وتعددهم شكلا ومضمونا، هم عرب ومسلمون، ويشكلون أمة وليس مجموعة من الدول المتناثرة بين شمال إفريقيا وحدود ايران الغربية. وقد تعرضت كل محاولة للتعبير عن هذه المسلّمة الى الهجوم، كما فى حرب السويس فى 1956 والحرب الكولونيالية الفرنسية على الجزائر، وحرب الاحتلال والسلب الإسرائيلية، والحملة على العراق التى كان هدفها المعلن تغيير النظام هناك، فيما كان الهدف الحقيقى تدمير البلد العربى الأقوى. ومثلما كانت حملة فرنسا وبريطانيا وإسرائيل وأمريكا على عبد الناصر تهدف الى تحطيم قوة أعلنت صراحة عن طموحها الى توحيد العرب، ليشكلوا كتلة سياسية مستقلة وقوية، فالهدف الأمريكى اليوم هو إعادة رسم خريطة العالم العربى بما يلائم المصالح الأمريكية وليس العربية. إنها سياسة تقوم على ما تراه أمريكا من تشرذم العرب وعجزهم الجماعى وضعفهم العسكرى والسياسي.
ورأى «مقصود» أن مصر هى «الوحيدة» المهيأة لقيادة الأمة، داعيا للالتفاف حولها ومساعدتها اقتصاديا، لتتجاوز عثراتها، محذرا من «العقيدة الاستراتيجية» للقوى الكبرى المحيطة بالمنطقة –غربا وشرقا- هى «منع ظهور أى قوة إقليمية تستطيع أن تجمع المنطقة حولها»، لإفشال أى محاولة -بغض النظر عن حجمها- لنهوض العالم العربى تحت أى شعار، أكان هذا الشعار دينياً، أو قومياً، أو رأسمالياً، أو اشتراكياً، وكذلك إجهاض الأيديولوجيات العربية المختلفة، وكأنها هى المسئولة الأولى عن تسيير السياسات فى بلادنا. وفى هذا جزء كبير من تفسير الأسباب الخارجية لفشل التجارب النهضوية، من محمد على باشا إلى جمال عبد الناصر إلى تجارب أخرى أدنى كعبا وأقل جدية، ومن ثم التقهقر أمام إسرائيل.
كلوفيس مقصود هو المناضل المفرد، لغة وسلوكا، ووعيا وتحسسا بروح الأمة، لا ولاء لزعيم أو قائد، سعى لأن يعيش ويموت فى عصر تحرير القدس المحتلة، لا فى يوم النكبة. لكن الرجل الذى عاش النكبة بسنواتها الطوال مات فى ذكراها، بعد أن فضح الخطاب الصهيونى-الأمريكى فى عقر داره، وقدم نقدا عقلانيا مؤلما للمركزية الغربية، وحارب التطرف والتخلف والانحطاط العربى، ثم رحل واقفا كأشجار السنديان.
[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.