ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» وذلك فى إشارة إلى السيدة عائشة رضى الله عنها التى كانت همزة الوصل بين النساء المستفتيات فى أمورهن الخاصة ورسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا يشهد تراثنا الفقهى على سيدات أسهمن بدور كبير فى التصدى للإفتاء فى أمور الدين، ولماذا ونحن فى القرن الحادى والعشرين نصدم يوما بعد يوم بقرارات وتأويلات مغلوطة تشعرنا بأننا فى عصور الظلام وقرارات بعيدة كل البعد عن الشرع الحنيف؟ ولماذا لا تحصل المرأة على عضوية مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر؟ أليس من الأولى أن يتم الاستعانة بهن فى لجان المجمع وهيئاته كمساعدات لكبار العلماء وأعضاء المجمع عند بحث القضايا الفقهية ذات الصلة بشئون المرأة وقضاياها باعتبارهن الأجدر على فهم حاجة المرأة وقضاياها؟! ألا يحفل تاريخ المسلمين ويذكر بكل اعتزاز نماذج الدور النسوى فى خدمة العلوم الإسلامية؟! أليس من الممكن أن تمثل المرأة الأزهرية حلقة الربط بين كل واحد من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية وعالم السوشيال ميديا ومقولات داعش اليومية، والجسر الذى يصور الواقع ويرفعه ويستفيد من هذه الخبرة العميقة لكبار العلماء فى كيفية معالجة هذا الواقع. علماء الدين يؤكدون أن رفض اختيار امرأة لتتولى الإفتاء لبنات جنسها, وعدم تمكينها من أن تكون عضوة أو خبيرة فى مجمع البحوث هو حلقة فى سلسلة استمرار بعض المؤسسات فى حرمان المرأة من مباشرة ما تصلح له فى المجتمع, والضرب بمواد الدستور عرض الحائط, ووقوفها فى موضعها دون قيام بما نيط بها، وامتداد للثقافة الذكورية فى العالم الثالث. وأوضح العلماء أن عدم وجود السيدات الأزهريات فى مجمع البحوث علة غير صحيحة، وأن تاريخ المسلمين يذكر بكل اعتزاز نماذج الدور النسوى فى خدمة العلوم، فالإمام الحافظ الكبير قرأ صحيح البخارى على يد الشيخة الجليلة المسندة كريمة بنت احمد المروزية. والسيدة عائشة رضى الله تعالى عنها جرى بينها وبين الصحابة الكرام نقاش عميق فقهى مؤصل كانت هى فيه تقوم بدور الناقد الراصد حتى جمع الإمام الزركشى فى كتابة الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة. وعلاء الدين السمرقندى ألف كتابا اسمه تحفة الفقهاء فى فقه السادة الأحناف فرحل اليه الإمام الكبير الكاسانى ودرس على السمرقندى والف كتابا وتزوج ابنته فاطمة وكانت فقيهة جليلة فكان العلماء يقولون أن الكاسانى لما عرف شيخه السمرقندى شرح تحفته وتزوج ابنته وكانت تحضر مجالس الفتوى التى يجريها والدها وزوجها وكانت الفتوى لا تصدر إلا موقعة من الثلاثة صورة مصغرة من المجمع العلمى الذى تسهم فيه الفقيهات الجليلات برأيهن الفقهي. قضايا نسائية شائكة الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر التى حصلت على عضوية مجلس النواب، عقب فوزها عن تحالف «فى حب مصر»، بقطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، ضمن 71 امرأة حصلن على مقاعد برلمانية، فى سابقة تعد الأولى من نوعها فى الحياة النيابية المصرية، تقول: أتعجب من رفض البعض اعتلاء المرأة مقام العلم وهل العلم كتب للرجل ولم يكتب للمرأة انا أشرفت على 200 رسالة جامعية ما بين ماجستير ودكتوراه ناقشت ثلاث رسائل فى اعرق جامعات اوروبا، ومنهم من يستكثر على أى امرأة أن تجلس مجلس العلماء ونسوا ان المرأة الصحابية كما قال أبو الفرج الجوزى موسوعة القرن السادس الهجرى أصل السلفية بعد احمد بن حنبل، ويقول عن المرأة «بموت شيختى شهدة بنت احمد البغدادى نقص علم الطرق فى رواية الحديث». وحول عدم تعيين المرأة بمجمع البحوث الإسلامية، ترى ان هذا نوع من عدم العدل والإنصاف خاصة ان هناك شريحة ضخمة بفرع البنات من الأستاذات من لديهن القدرة على مناقشة قضايا المرأة، ولقد آن الأوان ان تنصف المرأة وتعين فى المجمع من تناقش قضايا المرأة. لأنها هى أفضل من يعبر عن قضاياها, خاصة بعد بزوغ العديد من القضايا الشائكة الخاصة بالمرأة والأسرة نتيجة لمستجدات العصر ومتغيراته. تأييد فقهي وحول مشروعية تولى المرأة مسئولية الإفتاء وعضوية المجامع الفقهية يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن، من المتفق عليه بين الفقهاء أن للمرأة أن تتولى الإفتاء لبنات جنسها, فيما يسألن فيه, يدل على هذا قوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون), وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فليبلغ الشاهد منكم الغائب, فرب مبلغ أوعى من سامع», وقوله كذلك: «نضر الله امرأ سمع مقالتى فبلغها, فرب حامل فقه غير فقيه, ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه», وقوله: «بلغوا عنى ولو آية», بما يفيد فرضية قيام المرأة بالفتوى والتبليغ بما تعلمه من الشرع الحنيف لبنات جنسها, بل غيرهن من الرجال, وكانت عائشة تبين بالسنة العملية كيف تتطهر المرأة من الحيض بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا ينكر عليها, وكان يسألها الصحابة فى كثير من أمور الشرع فتفتيهن, قال مسروق: نحلف بالله لقد رأينا الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض, وقد ورد قول الله تعالى فى حق أمهات المؤمنين: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب), ذكر المفسرون أن المتاع الذى يسأل فيه الناس أمهات المؤمنين: ما يحتاج إلى الانتفاع به كالسؤال عن الدين أو القرآن، وقد كانوا يسألون عائشة عن مسائل الدين, وكان الصحابة يرجعون دائمًا بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجاته، يسألونهن عن فتاوى وأمور جديدة لم تحدث من قبلُ، فيجدون الإجابة عندهن, ومن المعلوم الذى بلغ مبلغ التواتر أن الصحابة كانوا يسألون أمهات المؤمنين فى كثير من أمور الشرع وغيرهن من الصحابيات اللاتى يعلمن من أمور الشرع ما لا يعلمه غيرهن, كفاطمة بنت قيس, وسبيعة الأسلمية, وغيرهما من الصحابيات, والوقائع الدالة على هذا تمتلئ بها كتب السنن والتفسير والفقه, ومما هو بدهى أن من الأمور ما تستحيى المرأة من ذكره بحضرة الرجال الأجانب عنها, فسؤالها من كانت مثلها أوفق لها, وأعرف بحقيقة النازلة, من الرجل, ومن المعروف أن من أمور النساء ما تخفى معرفته على الرجال, فتكون المرأة أولى من الرجل فى بيان حكم ذلك لمن كانت مثلها, ولذا لما جهلت الأنصارية كيفية التطهر من الحيض, أسرت إليها عائشة بعيدا عن مجلس الرجال بكيفية التطهر منه. وأوضح أن المجامع الفقهية فى العالم الإسلامى تستقطب عضوات وخبيرات فى التخصصات المختلفة بهذه المجامع, وهذا أمر لا يجحد, بل إن مجمع الفقه الإسلامى الدولى ضم خبيرة بين خبرائه وخبيراته هى الوحيدة من مصر, وهى د. ماجدة محمود هزاع. وأضاف: إن رفض اختيار امرأة لتتولى الإفتاء لبنات جنسها, ومنعها من أن تكون عضوا أو خبيرة فى مجمع البحوث بالأزهر, هو حلقة فى سلسلة استمرار مؤسسات المجتمع فى حرمان المرأة من مباشرة ما تصلح له فى المجتمع, والضرب بمواد الدستور عرض الحائط, وهو كذلك نوع من سوء الإدارة. ولا يوجد ما يمنع تعيينها مادامت لديها القدرة على العمل ولديها المؤهلات التى تؤهلها لذلك. انتخابها من الأعضاء وفى السياق نفسه أكد الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن من حق المرأة أن تصبح عضوة فى مجمع البحوث الإسلامية، وأن تتولى الإفتاء شريطة أن يكون عندها العلم الكافي، فالإفتاء لا يشترط على الرجال فقط بل الرجل والمرآة شريكان فى المجتمع يكملان بعضهما البعض، كما أنه من حق المرأة أن تتقدم إلى مجمع البحوث الإسلامية لتنضم لعضويته، ولكن المشكلة تكمن فى الانتخاب وليس التعيين بحيث تمثل عضوية المجمع فى الانتخاب حيث يتقدم الشخص للانضمام إلى المجمع بتزكية عضوين من أعضاء المجمع ثم بعد ذلك يتم إقرار الاسم من أعضاء المجمع بالانتخاب. جائز شرعا من جانبه قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، انه من المقرر شرعا أن المسلمة كالمسلم فى كل النواحي، وفى الأهلية العلمية والإفتائية والدعوية ما عدا ما يخص الشارع الحكيم به الرجال من وظائف دينية كالإمامة والخطابة، وما دون ذلك فان المرأة تتساوى مع الرجل فى كل شيء مادامت لديها الأهلية العلمية التى تؤهلها وخاصة أن هناك الكثير من السيدات على قدر كبير من العلم والفقه، وإذا ما أحسن توظيفهن بالشكل الصحيح فان ذلك سيكون فى مصلحة المجتمع. وأضاف: إنه فيما يتعلق بالناحية الدعوية قال الله تعالى فى محكم التنزيل «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا»، والسيدة عائشة كانت ومازالت فقيه المسلمين، ومعلوم للجميع فقه السيدة ام مسلمة وكانت السيدة سكينة بنت الحسين تحكم بين الأدباء، أما السيدة نفيسة العلم بنت حسن الأنور فكانت من مرجعيات الإمام الشافعي، فكيف يمنع السيدات من العمل فى المجامع الفقهية ودور الإفتاء، ألا يعد ذلك تفرقة وعنصرية؟ وقال فيما يتصل بالمجامع العلمية للعلوم الإسلامية للإفتاء أو الدعوة فليست كل امرأة تصلح للإفتاء، بل يجب أن تكون لديها المؤهلات العلمية والشرعية التى تؤهلها لذاك كما قرر أئمة الفقه وأن تكون مختصة فيما يخص أمور السيدات من أمور دينية وتساؤلات فقهية. كما أن منع السيدات من العمل فى المجامع الفقهية العلمية إداريات أو باحثات هو اضطهاد وامتداد للثقافة الذكورية العنصرية فى العالم الثالث، واستخدام تأويل مغلوط لقول الله تبارك وتعالى: «وقرن فى بيوتكن».