ربما يكون الرأي الوحيد الذي حدث إجماع عليه أن المعركة الدائرة الآن بين نقابة الصحفيين والداخلية سيخرج الجميع منها حتما خاسرا, وهذا لأنه مازال يوجد كثيرون ينفخون في النار سواء من بعض برامج "التوك شو" أن لم يكن أغلبها أو من خلال اختيارهم للضيوف الأكثر تعصبا لموقف النقابة! لذلك من الطبيعي جدا عدم ظهور أي ملامح انفراجة في الأزمة بل علي العكس فحتي لو حدث لا سمح الله وهدأت الأمور ولو قليلا , نجد علي الفور بعدها من ينفخ في نارها مرة أخري ليزيد لهيبها من جديد ! ومن المؤكد أن هناك من سيقول بأنني القي اللوم كله علي النقابة فقط وكأن الداخلية لم ترتكب أي أخطاء , ويأتي هذا علي خلاف ما يعتقده العديد من الناس بأن الأمن هو الذي أخطأ أولا باقتحامه للنقابة حسب وصفهم! ومع احترامي الكامل لهم إلا أنني أري بالفعل أن مجلس النقابة هو الذي يتحمل وحده مسئولية تفاقم الأزمة بهذا الشكل وهذا ليس دفاعا عن الداخلية وإنما دفاعا عن مبدأ تطبيق القانون , ومن هذه الناحية كان علينا أن نفهم أن ما فعلته الشرطة هو من صميم واجبها أوعملها , وليس أدل علي ذلك أن الاتهام الموجه لها كان منصبا فقط علي عدم مراعاتها لمبدأ المواءمة السياسية! و بالتالي وحتى لو سلمنا بهذا المنطق تكون الداخلية قد أخطأت في جزئية وحيدة , بينما وفي المقابل فأن النقابة تكون قد أخطأت عدة مرات وأولها كان في التصعيد المبالغ فيه من جانب مجلسها الذي فتح باب نقابته وسلالمها ليقف عليها كل من هب ودب من خارج أعضائها , ويكفي هذا المشهد المخزي الذي شاهدناه من خلال قناة الشرق الإخوانية الإرهابية وهي تبث من داخل النقابة عن طريق بعض الصحفيين الموجدين والتابعين لهم بعد أن فوجئنا بهم ينقلوا وقائع المؤتمر المنعقد هكذا جهارا نهارا وأمام الجميع ! وليت الأمر توقف عند هذا الحد فقط وإلا كنا اعتبرناه رد فعل طبيعي ناتج عن غضب ما , ولكنه تجاوز وتخطي كل ذلك وقفز في جلسة واحدة ما كان يمكن أن يأخذه علي مراحل متصاعدة ومتعددة من التوصيات والقرارات والتي كان من بينها إقالة وزير الداخلية واعتذار رئيس الوزراء وفوق كل ذلك أيضا اعتذار رئيس الجمهورية نفسه ! وطبيعي جدا ومنطقي أن ينعكس هذا بدوره علي إضعاف موقف النقابة خاصة عندما لم تجد استجابة لأي من هذه المطالب التعجيزية والمبالغ فيها وكانت النتيجة ما نراه الآن من حدوث انقسامات ليس بين النقابة والداخلية فحسب بل وبين أعضاء النقابة وبعضهم البعض وكأنه كان ينقصنا هذه الخلافات التي نحن في غني عنها تماما , ناهيك عن الغضب العارم من الرأي العام تجاهنا كصحفيين والذي وبفعل بعض أعضاء مجلس نقابتنا وبسبب توجهاتهم ومواقفهم السياسية تم تشوهينا جميعا دون أي ذنبا منا ! ولعل هذا يذكرني بتاريخ النقباء السابقين للصحفيين وعلي رأسهم طبعا الأستاذ إبراهيم نافع وكيف أن علاقته الوطيدة بالرئاسة والسلطة عموما في وقتها قد أهلته لحل العديد من مشاكل وأزمات المهنة ومنها مثلا حصوله علي عفو في أحكام الحبس للعديد من الصحفيين , وأظن أنه لا أحد ينسي له معركته مع قانون 93 لسنة 1995 والذي لم تؤثر علاقته بالقيادة السياسية علي التخاذل فيه , بل علي العكس فقد حارب من أجل إلغاء هذا القانون الذي كان يمكن أن يغتال الصحافة والقضاء علي حريتها إلي الأبد ! لذلك وعندما غابت عن ساحتنا مساحة التفاهم والود المفروض وجودها بين النقابة والدولة , غابت معها أيضا كل الفرص ووسائل الحل الممكنة لأي أزمة وخصوصا تلك الراهنة التي أصبحت تتفاقم يوما بعد أخر دون أن نري لها أي بصيص أمل يأتي ولو حتى من بعيد !!! [email protected] لمزيد من مقالات علا السعدنى