جاءت جلسة مجلس الأمن كأسرع رد على الصلف والغرور اللذين تعاملت بهما إسرائيل مع المبادرة الفرنسية لإنهاء الصراع، بعد أن صفعت إسرائيل فرنسا على وجهها برفض المؤتمر الدولى والتصعيد ضد قطاع غزة وتطاول نيتنياهو على أولاند عندما دعا نيتنياهو اليهود فى فرنسا بأن يأتوا للعيش فى سلام فى إسرائيل. وبدأ النقاش فى مجلس الأمن حول توفير حماية دولية للشعب الفلسطينى، ورغم الاعتراض الأمريكى دار النقاش، بما دعا سفير فنزويلا إلى القول "هل تخطط اسرائيل لتنفيذ الحل النهائى للتخلص من الفلسطينيين كما فعل هتلر باليهود"، وتزامن ذلك مع تقرير للرباعية الدولية يحمل إسرائيل مسئولية فشل المفاوضات وعدم الرغبة فى إيجاد حل نهائى للقضية الفلسطينية، والسعى الدءوب لإجهاض حل الدولتين وسرقة أراضى الفلسطينيين وإنشاء بؤر استيطانية فيها. وحسب وصف مندوب فلسطين الدائم لدى الأممالمتحدة السفير رياض منصور، فإن النقاش بدأ فى مجلس الأمن بالجلسة المغلقة غير الرسمية حول توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين. ودعا لعقد الجلسة ثلث أعضاء المجلس. وأوضح منصور أن المتحدث الأول كان أدرى مسيس وهو رجل خدم لمدة 10 سنوات كمستشار قانونى فى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وقدم مداخلة عن الجوانب القانونية والخيارات المختلفة لتقديم الحماية للشعب الفلسطيني، ودعا لتوفير الحماية الدولية فى أسرع وقت، كما تحدثت سارة ليوتسن من منظمة "هيومن رايتس وتش"وقدمت عرضا مفصلا عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، وتطرقت إلى ضرورة توفير الحماية ووضع حد للاستيطان فى الوقت نفسه، وشنت ليوتسن هجوما على ممثلة الولاياتالمتحدة فى الاجتماع واتهمتها بالازدواجية، خصوصا أنها تنشط فى كل القضايا لتوفير الحماية للناس باستثناء الشعب الفلسطيني، كذلك فندت دفاع الولاياتالمتحدة عن إسرائيل باتهام الفلسطينيين أنهم يقومون بالتحريض، وقالت إن من يقوم بالتحريض هو الحكومة الإسرائيلية على مستوى رسمى وكذلك المستوطنون، الأمر الذى يولد جرائم كحرق الطفل محمد أبو خضير وعائلة دوابشة وغيرها. وتحدث مايكل سفارد ممثلا عن حركة "يش دين" الإسرائيلية، حيث شن فى كلمته هجوما على دولة الاحتلال وعلى الحكومة الإسرائيلية، ودافع عن الشعب الفلسطينى الأعزل فى الأرض المحتلة، وقال إن الفلسطينيين لا يتوافر لهم أى نوع من الحماية بما فى ذلك الحماية القانونية، وإسرائيل والمستوطنون يتصرفون بطريقة تخرق كل القوانين والأعراف الدولية، وقال إنه محام وهو يريد وقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال، ليس فقط لمصلحة الفلسطينيين، ولكن لأنه يرى أن إنهاء الاحتلال لمصلحة إسرائيل. وبدأت جلسة مجلس الأمن بعرض فيلم أعطى المجلس فكرة عن قصة امرأة فلسطينية فقدت طفليها فى حرب غزة، وتكلمت عن ألمها ومعاناتها من العدوان الإسرائيلى على غزة، ثم تكلم أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، وكان هناك طرح قوى بأن على المجلس أن يتحمل مسئوليته ويوفر الحماية للفلسطينيين إلى أن ينتهى الاحتلال، ودعا الكثيرون إلى اعتماد قرار بشأن الاستيطان لوقفه فورا. وشدد الخبراء والمتحدثون على أن توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى ووقف الاستيطان لايتعارض مع أي جهود أخرى للسلام بما فى ذلك المبادرة الفرنسية، وأنه يجب ألا تستعمل المبادرات والوعود كى لا يتحمل مجلس الأمن مسئولياته، وبعد انتهاء الجلسة التى استمرت 3 ساعات، ورفضت الولاياتالمتحدة أن تكون مفتوحة لوسائل الإعلام، عقد السفير منصور مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن تفاصيل الجلسة، وقال للصحفيين أن هناك طرفاً واحداً (يقصد واشنطن) يحول دون تحرك مجلس الأمن فى كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومع هذا كانت الغالبية العظمى من المتحدثين بالجلسة مع ضرورة أن يتحرك المجلس على صعيد القضية الفلسطينية. ثم ظهرت الرباعية الدولية على سطح الأحداث وتحركت فى اتجاه تحميل إسرائيل المسئولية، ورفعت من حدة الانتقادات الموجهة إليها, وذلك من خلال التقرير الذى أعدته الرباعية ، وتضم الولاياتالمتحدة و روسيا و الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي، حول البناء الاستيطانى فى الضفة الغربية وسرقة أراضى الفلسطينيين وإنشاء بؤر استيطانية فيها، وتضمن التقرير كلمات وخطوات أكثر حدة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف هذه الممارسات والعودة لطاولة المفاوضات والقبول بحل الدولتين. ونقلت وكالة "اسوشيتدبرس" الأمريكية، عن دبلوماسيين شاركوا فى إعداد التقرير، أن اللهجة الحادة المستخدمة ضد إسرائيل هدفها لجم البناء الاستيطانى ومحاولة فرض هدم البؤر الاستيطانية التى بنيت على الأراضى الفلسطينية التى صادرتها قوات الاحتلال، وإعادة هذه الأراضى لأصحابها ومنع مصادرة أى أرض غيرها، وذكر الدبلوماسيون أن التقرير يركز على ارتفاع وتيرة الاستيطان فى الضفة الغربية والقدس المحتلة، وقالوا أن معدى التقرير سيتطرقون للعراقيل التى تمنع حل القضية الفلسطينية، وسيقدمون اقتراحات للعودة للمفاوضات، وسينشر التقرير نهاية الشهر الحالى فى الأممالمتحدة، ومن بعدها إلى مجلس الأمن الدولى للموافقة عليه، ومن المتوقع أن يثير عاصفة من الاستياء والاستنكار فى الأوساط السياسية الإسرائيلية، بسبب اللهجة الشديدة التى ينتقد فيها الإنتهاكات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس المحتلة. وتكشف موافقة الولاياتالمتحدة عن التقرير أنها على وشك تغيير بعض من مواقفها تجاه إسرائيل حول كل ما يتعلق بالاستيطان، فجميع البيانات والتقارير التى كتبتها الولاياتالمتحدة فى السابق كانت حذرة ومنحازة لصالح إسرائيل، أو خففت من مسئولياتها على الأقل، لكن هذه المرة تتجه الولاياتالمتحدة إلى تبنى مواقف الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى التى تحمل إسرائيل مسئولية فشل المفاوضات وعدم الرغبة فى إيجاد حل نهائى للقضية الفلسطينية، وتبنى حل الدولتين، لكن اللوبى الصهيونى المتداخل فى صناعة القرار الأمريكى من الممكن أيضا أن يجبر الإدارة الأمريكية على التدخل لتخفيف لهجة التقرير أو الإمتناع عن المشاركة فى التوقيع عليه، او استخدام فيتو ضده فى اللحظة الأخيرة بمجلس الأمن الدولى.