إذا كانت الأمومة هي الحنان، فالأبوة هي الأمان.. حيث يزأر الأسد لكنه لا يلتهم صغاره، هكذا علمتنا الحياة، لكن أحيانا ما يتحد الفقر والمرض وقلة الحيلة علي بعض الأسر كأسرة العامل البسيط المكونة من 7 أفراد أب وأم و5 أبناء في منطقة المنيب بالجيزة، الذين عاشوا جميعهم مأساة إنسانية تُسطّر كل يوم فيهاأوجاعا يكل الرجال علي تحملها فعندما يضفي ثالوث المرض والفقر والعوز، مسحة سوداء علي حياة تلك الأسرة الفقيرة المريضة فتحيل أيامها جحيما وصراعا يشل السوية الإنسانية. التي يصبح همها تدبير أمر الطعام والعلاج، خصوصا أن عائل الأسرة وهو الأب الذي لم ينه العقد الخامس من عمره، أصبح بفعل الظروف القهرية عجوزا قبل الأوان، فأصبح يري نفسه من شدة مرضه وقلة حيلته أسيرا لفاقة لا وصف لها بعد ما أصيب بمرض سرطان في الكبد. لم تأمن تلك العائلة الفقيرة شر الزمان، ولا العوز والفقر والحرمان، فكانت الفاقة يرافقها المرض قدرا لم تستطع منه فكاكا، كيف لا وأفراد العائلة السبعة يعيشون في منزل صغير ينهش الفقر جدرانه توقفت عجلة الزمان هنا، ولم يبق من طعم الحياة إلا المرار، أسرة حالها كحال مئات الأسر الفقيرة التي أكل الدهر عليها وشرب، الأب أنهكه العجز والفقر والمرض، وأبناء نهشت أجسادهم الضعيفة أنياب المرض، هو المرض ذاته الذي خطف صحة الأم قبل أن تقطف الثمرة التي زرعتها بأبنائها فأفنت حياتها في خدمة زوجها المريض من سرطان الكبد وأبنائها الخمسة فأصبحت الأم والأب بعدما أصبح زوجها ذو ( 58 سنة) كهلا ستينيا عاطلا عن العمل كعامل باليومية بسبب المرض، وهو رب عائلة تعاني من فقر مدقع، قلب حياتهم إلي جحيم، خصوصا بعدما اجتمع الفقر والمرض وكانا لأحلام العائلة بالمرصاد. وتتوالي الضغوط والأزمات بعدما أصيب الأب باليأس من شفائه من سرطان الكبد خصوصا بعد علمه بأنه يحتاج إلي إجراء عملية عاجلة لاستئصال السرطان من الكبد وهو لا يقوي علي سداد قيمة العملية فكيف له أن يوفر مبلغ العملية وهو وزوجته لا يعملان وفقيران لا يملكان من الحياة غير أنفاس مريضة، وفي ذات يوم نصحه أحد أصدقائه بأن يقوم بالاتصال ببرامج الخير كي تساعده علي إجراء العملية بالمجان، تردد في بدء الأمر، ولكن قال لما لا ربما يرتاح من الآلام التي تنهش في جسده النحيل كل لحظة. قام المريض بالاتصال بأحد البرامج المذاعة عبر القنوات الفضائية وبالفعل تواصل الأب مع مقدم البرنامج، الذي طلب من المشاهدين التبرع لصالح المريض بهدف إجراء عملية زرع كبد في مستشفي كبير، وبدأ بالفعل مقدم البرنامج في إجراءات جمع التبرع لصالح المريض، وفتح حسابا بنكيا باسمه حتي وصل المبلغ المتبرع به أهل الخير إلي 200 ألف جنيه علم المريض بقيمة التبرعات التي جمعها البرنامج لصالحه إلا أنه فضل أبناءه عليه وعلي حساب صحته كي يأمنهم من غدر الزمان ففضل بأن يموت من المرض أفضل من أن ينفق كل هذا المبلغ علي إجراء العملية ثم يعيش هو وأسرته في الفقر مرة أخري فأراد أن يعوض أبناءه عن سنوات الفقر والحرمان بأن يترك لهم هذا المبلغ، ويموت من شدة المرض في صمت. عندما أبلغ المريض أحد أصدقائه بمعاناته وأنه يريد أن يأخذ المبلغ الذي تبرع به أهل الخير كي يعيطه لأبنائه، فعرض عليه المساعدة بشكل غير شرعي وغير قانوني حيث فكر في الاحتيال والنصب واستغلال اسم مقدم البرنامج الذي قام بفتح الحساب البنكي كي يستطيع الحصول علي مبلغ 200 ألف جنيه، وبالفعل قام صديق المريض وهو معروف عنه الاحتراف في تزوير المحررات الرسمية، وقام باستخراج بطاقة تحمل صورته الشخصية ولكن تحمل اسم مقدم البرنامج «عبده مرسي»، وليس اسم محترف التزوير الحقيقي، كي يتمكن من الاستيلاء علي قيمة التبرع من البنك، بالفعل استطاع أن يسحب قيمة التبرع كاملة من البنك، واتفق مع المريض أن يأخذ نصيبه 50 ألف جنيه علي أن يترك لأبناء المريض 150 ألف جنيه الأخري. وشاء القدر أن يكشف أمرهما عندما ذهب مقدم البرنامج إلي البنك لإيداع مبلغ إضافي فاكتشف بأن الحساب لا يوجد به مليم واحد وأنه تم سحب كامل المبلغ باسمه فانهار وتساءل كيف سحب المبلغ باسمه وهو لا يعلم عن ذلك شيئا، فهرع علي الفور علي مصلحة الأحوال المدنية بالعباسية، وحرر محضرا بالواقعة وتمكن فريق من المباحث باشراف اللواء ايهاب عبد الرحمن مساعد اول وزير الداخلية لمصلحة الاحوال المدنية وقاده اللواء أشرف جلال مدير مباحث الاحوال المدنية والمقدم محمد علي رئيس المباحث من ضبط المتهمين، برر الأب المريض فعلته الشنعاء بأنه فضل أبناءه علي صحته بل وعلي حياته كلها رغم حالته المتدهورة كي يعيشوا حياة كريمة ويعوضهم عن حياة الفقر التي عاشوها لعدة سنوات.