جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تتصدر تصنيف التايمز العالمى للجامعات الناشئة لعام 2024    غرفة السياحة تكشف الأسعار الجديدة لبرنامج حج فئة ال 5 نجوم    مراحل توطين صناعة الإلكترونيات في مصر (إنفوجراف)    الطوارئ الإيرانية: لا إمكانية للإنقاذ الجوي لطائرة الرئيس بسبب الضباب    مشجع ليبي يدعم الزمالك من الاستاد: أعشق القلعة البيضاء من صغري (فيديو)    مانشستر يونايتد يسعى لضم لاعب يوفنتوس بعد نهاية عقده    القبض على تاجر سلاح فى أسيوط غسل 47 مليون جنيه    ترقب وفرحة: قدوم موعد عيد الأضحى 2024    نوال الزغبي تطرح أغنيتها الجديدة "من باريس" (فيديو)    «مراسم دندرة للرسم والتصوير» في معرض فني لقصور الثقافة بالهناجر الأربعاء    الإعلان عن مبادرة للحصول على حقوق الأداء العلني للآثار المصرية المعروضة في الخارج    برنامج تدريبى لصيادلة مستشفيات التأمين الصحى بالشرقية    «الصحة»: الإرادة السياسية القوية حققت حلم المصريين في التأمين الصحي الشامل    القومي لحقوق الإنسان يبحث مع السفير الفرنسي بالقاهرة سبل التعاون المشترك    وزير الإسكان: مبادرة "سكن لكل المصريين" تسعى لتوفير المسكن الملائم لمختلف الشرائح    بالصور.. رئيس جامعة المنصورة يتفقد أعمال تجديد مدرجات كلية الحقوق    ميسرة صلاح الدين: الشعر كائن عنيد ومتمرد    "المنظمات الأهلية الفلسطينية" تؤكد أهمية دور مصر الرائد والمستمر في دعم الشعب الفلسطيني    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    الدفاع الروسية: مقتل نحو 1900 عسكري أوكراني خلال الساعات ال24 الماضية    الأربعاء.. عرض فيلمي «فن القلة» و«فن العرايس» بمركز الثقافة السينمائية    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    محافظ قنا: تمويل 2144 مشروعا صغيرا ومتناهي الصغر ب102 مليون جنيه    باحثة سياسية: نزوح 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية إلى خان يونس ودير البلح    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية مجانا في قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط    محافظ الدقهلية يتابع الموقف التنفيذي لأعمال ممشى السنبلاوين الجديد    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    هالة السعيد: 4 مليارات جنيه استثمارات لمحافظة قنا بخطة عام 23/2024    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    رئيس هيئة الدواء يشارك في احتفالية إنجازات المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    تقدم 28 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي للجامعات الناشئة لعام 2024    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«القاهرة» الأعلي في تجارة الجسد دكاترة وأميون باعوا أعضاءهم بالجملة.. والفقر السبب
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 21 - 09 - 2011

حكايات وقصص بيع المصريين لأعضائهم من أجل العيش والحياة الكريمة أو نصف كريمةلن تنتهي، بل ستظل مصر عامرة بالتجارب المأساوية التي تكشف عمق الأزمة التي كان يعيش فيها المواطن في ظل حكم النظام المخلوع، فقد كشفت إحدي الدراسات التي أجراها المركز القومي للبحوث عن عدد من باعوا كلاهم لمرورهم بظروف قاسية لم ينجدهم منها سوي بيع أعضاء من جسدهم، ليعانوا بعدها آلام الجسد إضافة إلي آلام المعيشة.
ابراهيم شاب عمره 32 عاماً ولد بمنطقة عزبة «بخيت» بحي منشأة ناصر لم يتعلم ويعمل منادي سيارات، هو العائل الوحيد لوالده ووالدته المسنين، واخته هند التي تصغره يريد أن يأتي لها بمستلزمات العروسة لتتزوج من خطيبها «الميكانيكي» فذهب إبراهيم لصديقه ماهر فأعطاه خمسة آلاف جنيه لزواج هند علي سبيل السلف، تزوجت هند.. وطالبه ماهر بالفلوس في الوقت الذي لا يملك أي مورد لسداد المبلغ.
إلا أن ماهر عرض عليه بيع كليته فوافق إبراهيم علي الفور، بعد أن أرشده صديقه علي المشتري.
بعد انتهاء التحاليل ودخول إبراهيم المستشفي ونزع كليته حصل علي ثمنها خمسة وعشرين ألف جنيه سدد جميع ديونه لماهر ومن حوله واستأجر حجرة بإحدي المناطق. سأل ماهر ليه بعت كليتك؟ قال «هو الفقير يمتلك حاجة غيرها عشان يبيعها!! وعمليات بيع الكلي الناس كلها تعرفها خاصة في المناطق الشعبية اللي احنا عايشين فيها خاصة أن الناس ظروفها وحشة ومعندهاش أي حل غير بيع جسمها أو السرقة بتفضل بيع جسمها لأنها بتيجي علي نفسها.
إبراهيم هو إحدي الحالات التي باعت كليتها، والذي قام المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بدراسة عليها من خلال بحث تحت عنوان «الاتجار بالبشر في المجتمع المصري».
الدراسة التي أجريت علي العديد من بائعي أجزاء من أجسادهم بهدف التعرف علي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسكنية لهؤلاء.
قالت الدراسة إن البيع يبدأ بالمشتري إلي المريض، وهو المحرك الأول والأساسي في دورة الإتجار، ثم يأتي الوسطاء، وأحد أطرافها الرئيسيين الطبيب والمستشفي ومعامل التحاليل.
ويولد من رحم هؤلاء وسطاء وآخرون كالممرضين وبعض العاملين في المجال الطبي وبعض الأشخاص العاديين والبائعين لأعضائهم والبائعين الذين تحولوا إلي وسطاء والمستشفيات التي تجري بها العمليات باعتبارها وسيطاً أساسياً لجميع أطراف العملية بجانب فريق إجراء العملية الجراحية أحياناً.
وعندما يجتمع المشتري والوسطاء يكون الطرف الثالث الأساسي في عملية الإتجار علي وشك الظهور وهو البائع، أو المسروق «الضحايا» أو المتبرع وبذلك يتم إجراء العملية.
وكشف البحث أن محافظة القاهرة تستأثر بالنصيب الأكبر في تنفيذ المراحل لدورة الإتجار في الأعضاء البشرية.
وتحتل بعض المجتمعات العشوائية والشعبية الفقيرة بمحافظة القاهرة المرتبة الأولي في تصدير البائعين والوسطاء وتمثل المحافظات الأخري غير القاهرة نسبة ضعيفة في تصدير البائعين «الضحايا» لأعضائهم البشرية الذين يأتي بعضهم من محافظات الشرقية والفيوم وبورسعيد وأسوان.
وبعيداً عما انتهت إليه الدراسة من أن أهم خصائص بائعي الكلي أو جزء الكلية أنه يمر بظروف اقتصادية صعبة للغاية ومستوي تعليمي منخفض ويعمل في جهة هامشية أو يعاني البطالة أو يكون في مرحلة عمرية شابة، والمستوي السكني الخاص به يكون فقيراً ودون المستوي ويمر بظروف مضطربة تجعله مستهدفاً من السرقة، فإن قصص وحكايات هؤلاء تجعلنا نقف عندها لتسليط الضوء عليهم.
أم كريم عمرها 42 عاماً «أمية» وربة منزل، مطلقة، لديها ثلاثة أبناء، أم كريم ولدت في قرية كحك مركز ابشواي بمحافظة الفيوم من اب يعمل في صيد الأسماك ويسكنون في بيت من بيوت القرية الفقيروبعد عدة تجارب في الزواج غير الناجحة التي اثمرت عن اعالتها ابنتين وعادت من جديد لبيت أبيها، وعادت أيضاً لعملها للمساعدة في تربية أبنائها وقررت ألا تفكر مرة أخري في الزواج وفي بداية عام 1999 كانت ابنتا أم كريم قد أصبحتا فتاتين جميلتين وبدأ شباب القرية يتوافدون علي بيت الجد يطلبون الزواج منهما وكان كل من يتقدم تكون له طلبات في المشاركة في تجهيز العروس وأم كريم توفر قوت اليوم بالكاد تمت خطبة الابنة الكبري وقام الخطيب بالاتفاق علي بعض الأثاث الذي لابد من إحضاره كادت الخطبة تنتهي بسبب احضار العريس كل المطلوب منه وتأخر أم كريم وابيها في تجهيز ابنتها.
هذا إلي جانب أن الابنة الصغري تقدم لها أكثر من شاب ويتعللون بأنها صغيرة علي الزواج حالياً.
في تلك الأثناء كان هناك أحد أقارب أم كريم يقيم بالقاهرة ويعمل موظفًا بقسم الكلي بمستشفي «الحسين الجامعي» كان يأتي إلي القرية ليطمئن عليها وأسرتها، وفي إحدي الزيارات اشتكت «أم كريم» من الظروف الاقتصادية السيئة وأن زيجة البنت قد لا تتم بسبب عدم استطاعتها توفير ثمن جهازها فعرض عليها هذا الغريب حلا لمشكلتها وهي بيع كليتها مقدما مساعدته لها في توفير المشتري عن طريق عمله بالمستشفي، وأنهم سوف يدفعون لها مبلغا محترما يحل لها كل مشكلاتها عرضت الأمر علي أبيها الذي رفض الفكرة من أساسها لكن مع الوقت اقتنع بأن هذا هو الحل الوحيد ونفس الأمر بالنسبة لابنتيها.
اتصلت بقريبها وأبلغته بموافقتها، طلب منها الحضور إلي القاهرة بعد أسبوع واستقبلها في بيته في منطقة منشية ناصر التي كانت تسكن فيها أثناء إقامتها بالقاهرة مع زوجها الثاني واصطحبها إلي مستشفي خاص في منطقة «الدقي» وتم عمل «الإشاعات» والتحاليل اللازمة وخلال أقل من أسبوع كانت قد قامت بعمل الجراحة وأعطوا لها مبلغ عشرين ألف جنيه.
أم كريم أكدت أنها لا تعلم شيئًا عن المريضة التي قامت بالتبرع لها ولم تلتق أسرتها، وكان قريبها هو الذي يتولي كل الأمور منذ حضورها إلي القاهرة وحتي إجراء الجراحة وخروجها بعد أسبوع إلي بيته الذي استمرت به أسبوعا آخر.
وبعد الاطمئنان علي الجراحة عادت إلي قريتها وكانت ابنتها الصغري في صحبتها طوال الفترة منذ ذهابها إلي القاهرة وحتي الانتهاء من إجراء الجراحة ورجعت أم كريم إلي مسقط رأسها لتستأنف حياتها من جديد.
بعد العودة قامت أم كريم بشراء كل متطلبات زواج ابنتها إذ انفقت نصف المبلغ حيث كانت قد قررت أن تقسم المبلغ بالتساوي بين ابنتيها.
بعد زفاف الابنة الكبري تقدم شاب لخطبة الابنة الصغري وافقت أم كريم وتم تجهيزها كما فعلت مع أختها الكبري وتم زفافها.
كانت عملية البيع نكبة أصابت أم كريم فقد تدهورت صحتها بدرجة كبيرة نتيجة عدم وجود رعاية صحية بعد إجراء العملية، هذا إلي جانب عدم انتظامها علي تناول الأدوية التي كتبت لها وأصبحت غير قادرة علي مواصلة عملها فاضطرت إلي الجلوس بالبيت والاكتفاء بما يحصل عليه والدها من ناتج عمله البسيط.
وازدادت شكواها من الأمراض بمرور الوقت وفي أحد الأيام من صيف عام 2007 ذهب بها زوج ابنتها إلي مستشفي الفيوم العام فقرر الأطباء ضرورة غسيل كلوي نظرًا لإصابتها بالفشل الكلوي، قاموا بعمل قرار غسيل علي نفقة الدولة وبدأت في عمل غسيل كلوي ثلاثة أيام في الأسبوع.
شعر والد «أم كريم» وابنتها أنهم كانوا السبب وراء ما حدث لها لأنها فعلت ذلك من أجل زواج البنات وهم لم يمنعوها من بيع كليتها ولكن أم كريم دائمًا تؤكد أن ما فعلت لم يكن طمعا أو جشعًا بل لأنها كانت تريد «ستر» بناتها.
إذا كانت أم كريم لم تأخذ قسطاً من التعليم ووجدت أن حل مشكلتها في بيع إحدي كليتيها فإن «طارق» الحاصل علي الدكتوراه ويعمل مدير جمعية أهلية ومتزوج ولديه أربعة أبناء وجد أن حل مشكلته هو بيع جزء من كبده.
طارق ولد لأسرة تنحدر من محافظة قنا قريعة القلعة، والده مزارع بسيط تزوج ابنة عمه وأنجب منها ثمانية أبناء أربع إناث ومثلهم ذكور كان طارق ترتيبه الأخير بين أشقائه.
وعلي عادة فقراء الريف المصري يعتبرون الأبناء قوة اقتصادية للأسرة حيث يخرج الأبناء سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً لسوق العمل في سن مبكرة فالأب مزارع يعمل في أرض الغير وبالتالي يعمل الأبناء في نفس المهنة خاصة في مواسم الحصاد لم يستمر الأبناء طويلا في التعليم، فلم يتجاوز أشقاء طارق المرحلة الابتدائية سواء كانوا ذكورا أو إناثًا.
كان طارق منذ الصغر ضعيف البنية فأشفق عليه أبواه من العمل في الحقل مثل باقي أشقائه فدخل المدرسة الابتدائية بالقرية فكان حظ طارق أفضل من باقي أشقائه فاستطاع أن يحصل علي الشهادة الابتدائية وأصر أبواه علي نقله إلي المركز لمواصلة التعليم الإعدادي ثم الثانوي وحصل علي الثانوية العامة عام 1980 وطلب أشقاؤه من أبيهم وأمهم أن يرسلوا طارق إلي الجامعة وبالفعل انتقل طارق إلي القاهرة وحصل علي بكالوريوس الخدمة الاجتماعية عام 1984 .
وعاد طارق إلي مسقط رأسه متوجا بالشهادة الكبري وبذلك يكون قد حقق حلم أسرته البسيطة، في تلك الأثناء كان كل أشقائه قد تزوجوا، سواء الذكور أو الإناث واستقروا جميعًا بنفس القرية، الأشقاء يعملون مثل والدهم بالزراعة والشقيقات تزوجن من مزارعين أيضًا وأنجب الجميع وأصبحت الأسرة كبيرة واستطاع الأشقاء بناء منزل الأسرة كي يتسع للجميع وكان علي طارق البحث عن فرصة عمل فاستطاع الحصول علي وظيفة أخصائي اجتماعي بمدرسة إعدادية بمحافظة أسوان.
استقر الحال بطارق في أسوان وفي الإجازات يعود إلي مسقط رأسه بمحافظة قنا حتي يطمئن علي أبويه وأشقائه وأبنائهم وفي إحدي الإجازات فاتحته أمه بأنه لابد من البحث عن زوجة فهو الوحيد الذي لم يتزوج إضافة إلي أنه أنهي تعليمه وحصل علي وظيفة، وشقة جاهزة في بيت العائلة وتحت إلحاح الأم وافق طارق وقاموا باختيار إحدي بنات القرية وبالفعل تم زواج طارق واستقرت زوجته في بيت العائلة وعاد هو إلي عمله في أسوان.
وكان يعود في نهاية كل أسبوع ليقضي يوم الإجازة مع زوجته التي كانت ترغب في الإقامة معه في أسوان لكن طارق لم يكن يستطيع إعداد سكن مستقل بأسوان فاستمرت الحال هكذا وأنجب طارق ثلاثة أبناء ذكور.
وفي مطلع التسعينيات كان طارق في زيارة للقاهرة والتقي ببعض زملاء المدرسة وعلم أن أحدهم يواصل دراسته العليا وفي القريب سوف يناقش رسالة الماجستير وكان حلم الدراسات العليا أحد أحلام طارق وقرر الالتحاق بالدراسات العليا وبالفعل استطاع الحصول علي السنة التمهيدية للماجستير بنجاح عام 1992 ثم قام بالتسجيل لدرجة الدكتوراه وحصل علي الدرجة عام 2000 .
كانت هذه البداية الحقيقية لطارق حيث كان يحلم بالعمل بالجامعة بدأ يدق أبواب المعاهد العليا للخدمة الاجتماعية في صعيد مصر سواء في سوهاج أو قنا أو أسوان واستطاع الحصول علي عمل في بعض هذه المعاهد كمشرف علي التدريب الميداني ولكنه لم يتمكن من الحصول علي وظيفة دائمة بأي من هذه المعاهد سواء الحكومية أو الخاصة كان طارق قد ترك عمل المدرسة حيث قدم استقالته أملا في العمل بشهادته الجديدة وشعر بأن الأبواب كلها مغلقة فسافر إلي السودان للعمل بإحدي جامعاتها واستقر هناك لمدة عامين وفي مطلع عام 2005 وأثناء تواجده بالسودان جاءت رسالة من ابنه الأكبر محمد الذي يدرس بالمرحلة الثانوية يطلب منه العودة لمرض زوجته وتدهور حالتها الصحية بشكل مفاجئ.
عاد طارق لمسقط رأسه بمحافظة قنا فوجد بالفعل الزوجة تعاني مشكلة بالكبد فقرر طارق السفر بزوجته إلي القاهرة لعرضها علي أكبر الأطباء عند حضوره للقاهرة نصحه أحد الأصدقاء بالتوجه إلي أحد أكبر أطباء الكبد في مصر.
عرض طارق زوجته علي كبار الأطباء وبعد الكشف قرر الدكتور ضرورة عمل اشعات وتحاليل جديدة تكشف أن زوجته مصابة بسرطان في الكبد ولابد من دخولها إلي المستشفي فورًا.
أكد طارق للطبيب عدم قدرته علي إدخالها مستشفي خاص فقرر الطبيب حجزها بمستشفي الدمرداش جامعة عين شمس.
لم يكن باستطاعة طارق توفير ثمن الجراحة لزوجته فمدخراته من عمله في السودان خلال العامين نفدت في أقل من ثلاثة شهور وفي ذات الوقت حالة زوجته تدهورت وفي أحد أيام شهر أغسطس عام 2005 توفيت زوجته. عاد طارق إلي قريته ليدفن زوجته ويبدأ رحلة جديدة للبحث عن عمل بعد أن فقد عمله في السودان هذا إلي جانب ضرورة البقاء بجوار ابنائه الثلاثة لرعايتهم بعد رحيل الأم والزوجة والسند.
استطاع طارق الحصول علي فرصة عمل في إحدي الجمعيات الأهلية بأسوان وكانت وظيفته الجديدة تضطره ترك ابنائه مع أبويه وأشقائه في قنا.
وكان طارق يرغب في الاستقرار بجوار ابنائه لكن الظروف القاسية وضيق ذات اليد منعه من توفير سكن خاص يجمعه وابناءه في بلد واحد واستمرت الحياة علي نفس الوتيرة.
ومع مطلع عام 2006 كان طارق يعمل بالجمعية الأهلية بأسوان وكان يضطره العمل إلي الذهاب للقاهرة للمشاركة في بعض الفعاليات التي تنظمها بعض الجهات المانحة في مجال تنمية المجتمع وكان عند نزولة للقاهرة يقيم لدي احد اصدقائه القدامي.
وفي إحدي الزيارات كان صديقه يشتكي من الكبد نصحه طارق بسرعة التوجه للمستشفي فقد كان مرض زوجته بالكبد قد سبب له هاجساً من هذا المرض.
اصطحب صديقه إلي احد الأطباء في مستشفي الدمرداش كان قد تعرف عليه أثناء مرض زوجته كشف عليه وبدأ حديث بينه وبين طارق عن خطورة هذا المرض وأن الناس في مصر غلابة ولا تستطيع العلاج منه خاصة في حالات الزراعة فهذه الحالات تتطلب مبالغ كبيرة سواء للمتبرع أو تكاليف الجراحة نفسها.
وبدأ طارق يتردد علي الطبيب مع صديقه كلما كان متواجداً بالقاهرة وصارت صداقة بينه وبين هذا الطبيب عرف طارق أن صديقه الجديد يعمل كوسيط في توفير متبرعين للكبد لبعض من يرغب في اجراء هذه الجراحات من أصحاب الأموال الكبيرة.
وفي إحدي الزيارات كانت ظروف طارق في غاية الصعوبة دخله لا يكاد يسمح له بتوفير متطلبات ابنائه خاصة أن الأكبر محمد حصل علي الثانوية العامة والتحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية باسوان وكان يتطلب ذلك مصروفات اضافية للإقامة بعيدًا عن الأسرة.
شعر طارق بضرورة لم الشمل وكان من الضروري البحث عن مسكن مناسب يجمعه وابناءه باسوان حيث مقر علمه.
تحدث طارق عن ظروفه السيئة مع صديقه طبيب الكبد الذي اقترح عليه التبرع بجزء من كبده لمن يرغب في الشراء خاصة أن هذه العملية سهلة علي المتبرع ويحصل المتبرع علي مبلغ كبير منها.
وافق طارق علي اقتراح صديقه الطبيب وأخذ صديقه منه بعض التحاليل والاشعات ووعده بأنه عندما يتوافر نفس الشروط لدي أحد المرضي ممن يرغب في الزراعة سوف يتحدث إليه وبعد عدة شهور اتصل الطبيب بطارق وأكد أنه وجد رجل أعمال يبحث عن متبرع ومبدئيا هناك امكانية لتبرعه ببعض من كبده وسوف يحصل علي أعلي مبلغ ممكن من هذا الرجل خاصة إذا توافقت الأنسجة.
وحضر طارق إلي القاهرة ودخل أحد المستشفيات بمصر الجديدة وتم إجراء التحاليل والفحوصات وبعد عدة أيام أكد الأطباء امكانية إجراء طارق للجراحة دخل طارق بالمستشفي لمدة اسبوعين قبل إجراء الجراحة بيومين بدأ التفاوض بين طارق وصديقه الطبيب ورجل الأعمال أصر طارق علي أخذ مبلغ 250 ألف جنيه حاول صديقه الطبيب إقناعه بأن المبلغ كبير.
اصر طارق ووافق رجل الأعمال ودخل طارق واجري الجراحة وخرج بعد عشرة أيام حصل علي المبلغ كاملا وأجر شقة مفروشة بمدينة نصر وظل بها ثلاثة أشهر.
كان يتردد خلالها علي المستشفي للمتابعة وكان صديقه الطبيب يتابع حالته الصحية وكان قد أجري له الجراحة الدكتور الذي كان يعالج زوجته وأكد له نجاح العملية رغم أنه كان يشعر ببعض الألم.
لم يخبر طارق أي شخص من أسرته سواء أبويه وأشقاءه أو حتي ابناءه أكد لهم قبل الجراحة أن لديه بعض العمل في القاهرة سوف يستمر فترة طويلة بعد الثلاثة أشهر التالية للعملية كانت أحوال طارق الصحية قد استقرت نسبيا وكتب له الأطباء بعض الأدوية حتي يسير عليها لمدة لم تحدد حتي يستقر ولابد من معاودة الكشف الطبي كل ثلاثة أشهر ثم غادر اسوان حيث مقر عمله في الجمعية الأهلية التي أصبح الآن مديرها.
بعد العودة لأسوان قام طارق بشراء شقة جديدة دفع فيها خمسين ألف جنيه وقام بفرشها بمبلغ ثلاثين ألف جنيه واشتري سيارة فيات 128 بمبلغ عشرين ألف جنيه وقام بوضع المائة وخمسين ألفاً الباقية وديعة بالبنك تدر عليه مبلغا شهريا يساعد علي العيش بجوار راتبه.
وبعد الاستقرار باسوان وجد طارق ضرورة وجود امرأة لرعاية الأبناء ورعايته عرض الأمر علي امه فاقترحت عليه الزواج من ابنة عمه المطلقة حديثا فتزوجها وانتقلت للعيش معه هو وابناؤه باسوان.
يؤكد طارق أن الظروف الاقتصادية السيئة هي السبب في اقدامه علي هذه العملية فهو علي الرغم من حصوله علي أعلي الدرجات العلمية إلا إنه لم يستطع الحصول علي عمل في مجال تخصصه كان يمكن أن يوفر لاسرته حياة كريمة لذلك لجأ لهذه العملية حتي يوفر حياة أفضل لابنائه فحياته أهون عليه من أن يتشرد ابناؤه ويضيع مستقبلهم نتيجة تفرق كل منهم في بلد.
طارق يؤكد أنه لم يجرؤ أن يخبر أمه بما فعله فالوحيد الذي يعرف حقيقة فعلته هو صديقه القديم الذي كان يشتكي من بعض الدهون في الكبد ويسكن بالقاهرة.
وكذلك صديقه الطبيب الذي وفر له إجرء الجراحة .
حكاية أم كريم وطارق متشابهتان الظروف والآلم والمعاناة واحدة وإن كانت أم كريم لم تستطع التعليم للهروب من الفقر إلا أن تعليم طارق لم يعطه فرصة الهروب من الفقر. وإن كان تعليم طارق افاده في الحصول علي أفضل سعر لبيع جزء من جسده ومتابعة حالته الصحية علي عكس أم كريم التي أهملت متابعة حالتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.