هل أصبحت اللغة العربية لغة متاحف بات علينا ان نودعها؟ وإلى متى نترك حالة التردى الواضحة لها على أيدى الملايين على مواقع التواصل الاجتماعى . القضية أصبحت مثار جدال واسع بين اوساط المثقفين الذين بادر عدد منهم باطلاق حملات و مبادرات لانقاذ ما يمكن انقاذه. بداية تقول الدكتورة كرمة سامى أستاذ الأدب الانجليزى كلية الألسن جامعة عين شمس: بكل أسف، لقد انزوت اللغة العربية بعد أن تجاهلها أبناؤها وظنوا أنها مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعى. رحل الانجليز ونالت مصر استقلالها ولكن بقيت لغتهم وقيمها، لذلك نجد رواسب الاحتلال فى الأحرف اللاتينية التى علقت أعلى واجهات المتاجر والدكاكين، والكلمات الانجليزية التى تسللت إلى ألسنة المصريين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية على سبيل التجمل الاجتماعى ناسين أن اللغة العربية لغة علم وأخلاق وأدب، لغة شريفة مقدسة وبليغة وقادرة على التعبير السليم الدقيق عن كل المواقف الانسانية. وتضيف : كنت أتنزه منذ عدة سنوات مضت بصحبة أطفالى فى حديقة للحيوان، وتوقفت أم شابة مع طفلها ذى الخمسة أعوام أمام قفص القرد وسألته عن اسمه فرد بذكاء طفولى "قرد" وتصورت أنها ستعبر عن فرحتها لقدرة طفلها على التعبير اللغوى المبكر لكنها عوضا عن ذلك صرخت فى وجهه مؤنبة له ومصححة ‘الخطأ' وقالت:"مَنْكى Monkey!" هكذا وبدم بارد. وضعت بتوبيخها لابنها حاجزا يفصله عن لغته الأم التى كانت فى تلك الحالة سببا فى استياء والدته منه!! سيكبر هذا الطفل ويصبح رجلا وأبا يخشى أن يتحدث بلغته الأم لأنها وفق معايير معلمته الأولى -أمه- ‘لغة درجة ثانية' ومن ثم سينتقل فيروس الخجل من التحدث باللغة العربية إلى أبنائه!! هكذا ندفن لغتنا الجميلة الشريفة فى الماضى لتصبح لغة متحفية ولا نتعلم من تجربة اليهود الذين حرصوا عندما اغتصبوا فلسطين على احياء لغتهم العبرية كى تصبح رابطا للمجموعات المتنافرة من اللاجئين والمستوطنين تستند إليه هوية زائفة!! وقالت : ليس بالاحتفالات فقط نحافظ على اللغة العربية.. ومنها الاحتفال باليوم العالمى فى 18 ديسمبر من كل عام، وكذلك ليس من خلال الأفراد فحسب. قضية اللغة العربية أصبحت قضية حياة أو موت.. لابد أن تحتشد مؤسسات الدولة لاعادة الاعتبار للغة عظيمة مثل اللغة العربية حتى تتحول إلى لغة ثقافة وفكر للمواطن المصرى كسابق عهدها. وأكدت : اللغة العربية لغة متطورة لكن أزمتها فى متحدثيها الذين لا يرقون لمستواها. والمبادرات التى طرحها رجال الفكر والثقافة مثل طه حسين ويحيى حقى للحفاظ عليها وضعت بالفعل منذ سنوات تنتظر شجاعة من مؤسسات الدولة المعنية للتنفيذ فهل يتحقق هذا الحلم.. أم سننتظر طويلا حتى نعلن وفاة اللغة العربية؟!! فى الوقت نفسه نجد أن هناك مبادرات فعلية بدأت فى الظهور لحل الأزمة. واتخذت هذه المبادرات من مواقع التواصل الاجتماعى مقرا لها وانطلقت وحشدت الآلاف فى صفها من المؤمنين بأن اللغة العربية فى خطر بالفعل .. اكتب صح ومن بين هذه المبادرات، مبادرة " اكتب صح" والتى أطلقها الصحفى والأديب المصرى حسام مصطفى ابراهيم فى هيئة مو قع الكترونى و صفحة على فيسبوك يتابعها عشرات الآلاف و تعلن عن فرص للتدريب و فرص للعمل و ترسل يوميا لمتابعيها تعليمات من قبيل قل و لا تقل و الاخطاء الشائعة فى استخدام اللغة. و ايضا تنشر ملفات عن اهم الكتاب و المبدعين العرب. يقول حسام : الظاهرة سببها عدم تلقى تعليم جيد،و عدم الاهتمام بتنمية اللغة العربية بعد انتهاء الدراسة، لاعتبارها غير مهمة فى البحث عن وظيفة. فأى وظيفة تشترط الآن إجادة الإنجليزية، ولا يوجد شرط إجادة اللغة العربية، حتى بالنسبة للصحفيين. وقال انه للأسف لا يوجد اهتمام من جانب الدولة نفسها بالقضية، ولا تتخذ أى خطوات لحماية لغتها التى ينص دستورها على أنها اللغة الرسمية للبلاد. وعن حل الأزمة، يقول حسام : ان الحلول كثيرة، وبعضها بيبدأ من التعليم الأساسي، بإعادة ضبط المناهج لتعليم اللغة وليس وصف اللغة، لأننا نتعلم استخراج الفاعل والمفعول، أما اللغة الحقيقية فهى استخدام الفاعل والمفعول فى جملة مفيدة، وهو ما يعجز عنه خريجو كليات لغة عربية أحيانا. العودة للنصوص التراثية فى الوقت نفسه ، تجد على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك حملة أخرى للحفاظ على اللغة العربية قام بها الصحفى رمضان عبد العظيم . ويعتبر عبد العظيم أن ثمة مجموعة من الأسباب تقف وراء ظاهرة الاضمحلال اللغوى التى نتردى فيها جميعا أبرزها من وجهة نظرى حالة التغريب والانبهار بالغرب التى يعيشها الشباب وكثير من مثقفينا وصحفيينا وكتابنا ونخبتنا الإعلامية والسياسية. إضافة إلى اعتقاد كثير منا بان اللغة العربية لغة قديمة لا تناسب العصر ولا تساعد على إيجاد فرص عمل مرموقة وهو ما يتجلى فى اللهث وراء إلحاق الأطفال بمدارس اللغات والمدارس الدولية.و أضاف أن طرق تدريس اللغة العربية فى التعليم الأساسى تنفر الطلاب منها. وعن مبادرته، يقول: انها محاولة لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعى لتعليم اللغة العربية لقطاع كبير من الشباب الذى يتعامل مع تلك الوسائل.لكن يبقى ان التفاعل معها ليس بالقوة المطلوبة بمقارنة بصفحات تهتم بتوافه الأمور وأقترح ألا يتم الفصل بين فروع اللغة العربية فى المدارس حيث تتم دراسة النحو منفصلا عن النصوص وعن الأدب وعن البلاغة إلخ.. بل يجب أن يتم دراسة كل هذا من خلال نصوص مختارة من تراثنا العربي.