فى مؤتمر مؤسسة الفكر العربى، الذى عقد بالقاهرة مؤخراً، ألقى د. هانى هلال كلمة الافتتاح نيابة عن الرئيس حسنى مبارك، بصفته راعى المؤتمر، وقد تعثر بشدة وزير تعليمنا العالى فى تأدية المهمة الموكلة إليه، فقد اغتال لغتنا العربية فى الصميم، وقد مثّل هذا صدمة قاسية لجميع الضيوف، لما زخر به إلقاؤه من أخطاء لغوية فجة ومشينة، لاسيما أنها قد ارتكبت فى مؤتمر تقيمه مؤسسة للفكر العربى حيث للغة مكانتها الرفيعة. وإحقاقاً للحق، فقد كان وزيرنا متسقا من بداية الكلمة حتى نهايتها، فلم يصادف ساكنا إلا وحرّكه، ولا فاعلا إلا ونصبه، ولا مفعولا إلا ورفعه، ولا مجروراً إلا ورفعه أو نصبه، أما الممنوع من الصرف فقد صرف النظر عنه، رافعاً عنه الحظر، ربما تحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية من منظور لغوى، فاللغة كما يقول بيتر برجر هى التى تجعل من المجتمع واقعاً. لقد أساء وزير تعليمنا العالى بذلك إساءة بالغة لبلده مصر، مصر على مبارك ولطفى السيد وطه حسين وبنت الشاطئ، وكل هذا الرعيل العظيم الذين لم يفرقوا بين احترام لغة أمتهم واحترامهم لأهلها، وقد أهان وزيرنا، بإهانته اللغة العربية، كل المصريين. وأشد ما أخشاه، أن يكون الدكتور هانى هلال قد بات هو الآخر مؤيداً لذلك الرأى الذى ورد فى بريد الأهرام مؤخراً على لسان أحد مدرسى العلوم، معترضاً على أن تتضمن اختبارات كادر المعلمين اختباراً فى اللغة العربية، وما هو أكثر خطورة مما أسلفناه، أن هذه الواقعة تكشف لنا عن موقف تعليمنا العالى من اللغة العربية، والذى نود أن نطرح فى شأنه الأمور التالية: ■ تعمل سياسة التعليم الحالى، بلا هوادة، على خلق طبقية لغوية من خلال التوسع فى إنشاء أقسام التدريس باللغة الإنجليزية، فى حين أنه يجب تسليح جميع الخريجين بإتقان اللغة العربية واللغة الإنجليزية معاً، وذلك بعد أن أصبح مطلبا أساسياً فى تربية عصر المعلومات، عصر التواصل محلياً وعالمياً. إن هذه الطبقية اللغوية قد أدت إلى احتكار أبناء القادرين فرص العمل التى باتت تشترط إجادة الإنجليزية، لاسيما فى سوق عمل تسودها وظائف التسويق والعلاقات العامة، بعد أن توارت فيها وظائف الإنتاج وأعمال البحوث والتطوير. ■ إن جامعاتنا هى رائدة ركب مجتمع المعرفة، الذى تلعب فيه اللغة دوراً محوريا،ً ولا أتصور أن وزير تعليمنا العالى من السذاجة بحيث يتصور إمكانية إقامة مجتمع معرفة مصرى دون إعطاء الأولوية الواجبة للغة العربية وهندستها ومعالجتها حاسوبيا (كمبيوتريا). ■ اتخذ المجلس الأعلى للجامعات قراراً بعدم تدريس مقررات الكمبيوتر، وأوكل المهمة إلى الشركات الأجنبية التى تقوم بمنح ما يطلق عليه «رخصة قيادة الكمبيوتر»، ويمكن لنا أن نتفهم بعض الدوافع وراء هذا القرار، والتى منها تدنى الأساليب التى اتبعت فى تدريس مقررات الكمبيوتر فى الجامعات، حيث سادها هى الأخرى بقدرة قادر طابع التلقين والحفظ، ولكن ليس برخص الكمبيوتر وحدها نقيم مجتمع المعرفة المصرى. فالأهم من الرخص هو إرساء المفاهيم وتوظيف تكنولوجيا المعلومات فى تنمية التفكير وحل المشكلات، ويعنى هذا، فيما نحن بصدده بخصوص اللغة العربية، ضرورة تأهيل طلبة كلية دار العلوم لاستخدام تكنولوجيا المعلومات فى تطوير التنظير اللغوى وإثراء المعجم العربى، وطلبة أقسام اللغة العربية فى كليات الآداب لاستخدام تكنولوجيا المعلومات فى معالجة النصوص لبحوث النقد الأدبى، وطلبة كلية الألسن لتوظيف تكنولوجيا المعلومات فى دعم جهود الترجمة من وإلى العربية. وسنقدر لوزير التعليم العالى شجاعته لو كفّر عن ذنبه بتعزيز ميزانية البحوث المخصصة لهذه الكليات فى هذا المجال الحيوى، ونقصد به المجال اللغوى. وأخيراً، أدعو الدكتور هانى هلال إلى أن يتأمل فيما خلص إليه أحد رواد لغتنا العربية شيخنا العظيم أمين الخولى: «إن آفات حياتنا فى جمهرتها تعود إلى علل لغوية، تُصدّع الوحدة، وتحرم الدقة، وتبدد الجهد، وتعوق تسامى الروح والجسد والعقل والقلب».