منطقة الشرق الأوسط بالكامل يعاد رسم الخريطة الجيوسياسية لها، وتتسابق إسرائيل وإيران وتركيا على من سيستفيد أكثر من الوضع الجديد. فبينما مصر مشغولة بقضية تيران وصنافير(وإسرائيل طرف فيها)، تكرس الدولة العبرية احتلالها لهضبة الجولان «إلى الأبد» حسب تعبير رئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو، لتستبق أى ترتيبات سياسية للوضع فى سوريا قد يتم التوصل إليها فى مفاوضات جنيف بين الحكومة والمعارضة السورية برعاية أممية. ففى حدث غير مسبوق عقد مجلس الوزراء الإسرائيلى جلسته الأسبوعية أمس الأول فى هضبة الجولان السورية المحتلة, وأكد رئيسه أنه احان الوقت ليعترف المجتمع الدولى بالحقيقة، حان الوقت بعد 50 عاما ليعترف بأن الجولان سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية.وبحسب وسائل الإعلام الاسرائيلية، فإن نيتانياهو يخشى أن تتعرض الدولة العبرية لضغوط من المجتمع الدولي لحملها على الانسحاب من الهضبة المحتلة إذا تم التوصل الى اتفاق بشأن مستقبل سوريا خلال مفاوضات جنيف. وهذا الأمر ليس بجديد، ففى مقال على موقع فضائية CNN منذ أسابيع قليلة، طالب مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في الولاياتالمتحدة وعضو الكنيست الحالي، الإدارة الأمريكية بأن تعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وقال إن هضبة الجولان، التى تبلغ مساحتها ألفا و300 كيلومتر مربع، أى ما يزيد قليلا على حجم نيويورك، قمة شمال إسرائيل القديمة، ومع ذلك، عندما قُسم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، تنازل البريطانيون عن المنطقة لفرنسا التى، فى عام 1945، أضافتها إلى سوريا التي استقلت حديثا حينها، حتى استولت عليها إسرائيل عام 1967. ومع ذلك، لم تضم إسرائيل الجولان إلى دولتها، وبصرف النظر عن فرض قانونها على المرتفعات في عام 1981، امتنعت إسرائيل عن إضافة المنطقة إلى حدودها، وكان السبب في ذلك احتمال تحقيق السلام مع سوريا، وهو مالم يحدث. ومع ذلك، يزداد الوضع خطورة بصرف النظر عن سيطرة إسرائيل على الجولان، إذ زاد الاتفاق النووى من جرأة إيران، مما ساعدها على إرسال الآلاف من الجنود إلى سوريا، وتحويل حدود عام 1967 إلى جبهة عسكرية بينها وبين إسرائيل.وحاول قادة إيرانيون كبار، بالتعاون مع «حزب الله» شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية فى الجولان، وتتوقع المخابرات الإسرائيلية ارتفاع عدد القوات الإيرانية في سوريا بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة، بالإضافة إلى تلقي «حزب الله» المسلح حاليا ب150 ألف صاروخ، عدة ملايين من الدولارات لدعمه بعد رفع العقوبات عن رعاته فى طهران. ويضيف السفير الإسرائيلى أنه على النقيض من الضفة الغربية بعددها الكبير من السكان الفلسطينيين، الذين هم غالبا عدائيون، الجولان هى موطن لعدد قليل من الدروز الذين يرتبطون ارتباطا وثيقا بأقاربهم الفخورين بهويتهم الإسرائيلية، وعلى إسرائيل أن تستمر فى ملء الجولان بأولئك المتعهدين بالدفاع عنها وتنميتها، والولاياتالمتحدة لديها كل المصلحة فى تشجيع هذه الجهود. ثم يشدد على أن الجولان لم يعد من الممكن مقايضتها بالسلام مع سوريا لأن سوريا لم تعد موجودة، ومن خلال دعم ادعاءات إسرائيل التاريخية، يمكن للولايات المتحدة أن ترسل رسالة قوية إلى الشرق الأوسط برمته، وهي أن هضبة الجولان لن تعود أبدا إلى ساحة معركة. وبعيدا عن هذا المقال فهُناك أيضًا البعد المائى الذي تنظر إليه إسرائيل باهتمام بالغ، فقد سعت خلال العقود الماضية عبر سيطرتها المباشرة على الجولان، إلى تأمين أكثر من ثلث الاحتياجات المائية الإسرائيلية، إذ كانت الجولان وجنوبلبنان، وروافد نهر الأردن، في إطار الهاجس المائى الإسرائيلى على الدوام. ومن بين الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها إسرائيل ضمن خطتها القومية للسيطرة على الجولان، أن تكون الهضبة منطقة زراعية استثمارية، كونها تحمل في طياتها فوائد اقتصادية كبيرة جدًا، حيث أنها منطقة زراعية، مرتفعة جغرافيا. ولم يكن إعلان الحكومة الإسرائيلية عن خطتها لإقامة 18 حيًا استيطانيًا جديدًا فى الجولان، عبر وضع بيوت متنقلة فى المستوطنات المختلفة، أمرا جديدًا، لأن ذلك خرج للعلن عام 2004 حينما تمت الإشارة لطبيعة المخططات ومضاعفة أعداد المستوطنين آنذاك، وما تلاها من توسع خلال عامى 2008 و2009، وقد استطاعت إسرائيل منذ سنوات الصراع والتفاوض، تشييد 33 مستوطنة في الجولان. وماتقوم به إيران فى سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان، ومحاولات استغلال قوى محلية لفرض تقسيمات على أسس مذهبية فى تلك الدول، ما هو إلا جزء من عملية إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية فى المنطقة، والحصول على النصيب الأكبر من الكعكة. ورغم محاولات ايران فرض هيمنتها على أسس مذهبية إلا أن عددا كبيرا من المحللين يرون ان ايران لا يعنيها في شيء امر المسلمين، ولا حتى الشيعة، وعلى سبيل المثال فى جنوب القوقاز تحالفت ايران مع ارمينيا المسيحية ضد الأغلبية الشيعية في اذربيجان لأنها تعتبرهم موالين للأمريكان، فالذى يحرك ايران ليس الدين وانما الأطماع الامبريالية. والخلاصة أن عملية إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة قائمة على قدم وساق، من المحيط إلى الخليج. كلمات: إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء مصطفى كامل لمزيد من مقالات فتحي محمود