في ظل الانتصارات الميدانية التي يحققها الجيش السوري، وحسمه العديد من المعارك، والسيطرة على كثير من المدن والمحافظات السورية من التنظيمات الإرهابية، بات قربه من الجولان المحتل يزعج الاحتلال الصهيوني، ويثير مخاوفه من أن تطال العمليات السورية قواته هناك، كما أن دخول المفاوضات السورية مرحلة حاسمة جعل الاحتلال يسعى إلى اقتناص الفرصة؛ للحصول على قطعة كبيرة من الكعكة السورية. فقد عقدت الحكومة الإسرائيلية جلستها الأسبوعية أمس في الجولان المحتل، وذلك للمرة الأولى منذ احتلال الكيان الصهيوني للهضبة السورية، ودعا نتنياهو المجتمع الدولي إلى الاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان. وتابع أن إسرائيل ليست المشكلة بل الحل، وأن دولًا كثيرة في المنطقة تعترف بذلك، مضيفًا أن التعاون والتفاهم مع هذه الدول يتزايدان باستمرار. وحاول رئيس وزراء الاحتلال، من خلال التصريحات التي أطلقها ورفع نبرة التهديدات، أن يوصل رسالة سياسية هامة لكل من يعنيه الأمر، سواء المجتمع الدولي أو الأممالمتحدة أو الدول المعنية بالأزمة السورية، وعلى رأسها أمريكا وروسيا، أو حتى الشعب السوري والرئيس بشار الأسد، مفادها أن الانسحاب من الهضبة السورية المحتلة ليس ورادًا على الإطلاق، لا في الحاضر ولا في المستقبل. وهو ما أكده خلال حديثه في الجلسة الحكومية. الحديث الصهيوني عن الأوضاع في الجولان المحتل ارتفعت وتيرته خلال الفترة الأخيرة، فخلال زيارة نتنياهو الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية، اجتمع في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقالت صحيفة هآرتس إنه خلال الاجتماع طلب نتنياهو من أوباما أن يعمل على اعتراف المجتمع الدولي بهضبة الجولان العربية السورية المحتلة كمنطقة إسرائيلية، ضمن أي حل سياسي للأزمة السورية. وبحسب المصادر في تل أبيب، لم يُجب أوباما على المطلب. الاجتماع الحكومي في الجولان والتصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الصهيوني لم تكونا المؤشر الأول على رعب الاحتلال من فكرة الانسحاب من الجولان، بل سبقها إجراء نتنياهو زيارة تفقدية للقوات الإسرائيلية في الشطر المحتل من الجولان، الاثنين الماضي، وفي خطوة غير مسبوقة أيضًا، أقر رئيس الوزراء علنًا حينها بأن إسرائيل قصفت عشرات المرات قوافل سلاح في سوريا كانت مرسلة لحزب الله، الأمر الذي يكشف حجم التدخل الصهيوني في الأزمة السورية. يخشى رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يتعرض الكيان العبري لضغوط من المجتمع الدولي؛ لحمله على الانسحاب من الهضبة المحتلة، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل سوريا خلال المفاوضات التي تجري في جنيف، حيث كانت آخر الحملات المطالبة بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي السورية المحتلة في نوفمبر الماضي، حينما قادت مصر حملة في الأممالمتحدة؛ بهدف الانسحاب الإسرائيلي من الجولان ووقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحينها قدم مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة، السفير عمرو أبو العطا، مشروع قرار حول الجولان السوري، والذي يطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان حتى حدود 4 يونيو 1967، ويؤكد عدم مشروعية فرض القوانين الإسرائيلية عليها والاستيطان الإٍسرائيلي فيها. وحينها تم اعتماده بالأغلبية، حيث طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرة جديدة إسرائيل بالانسحاب من كامل الجولان السوري المحتل إلى خط الرابع من حزيران لعام 1967؛ تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما أدانت عدم امتثال إسرائيل حتى الآن لقرار مجلس الأمن رقم 497 لسنة 1981، مؤكدة أن قرار إسرائيل الصادر بتاريخ 14 ديسمبر لعام 1981 بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على الجولان السوري المحتل مُلغىً وباطلًا، وليست له أي شرعية على الإطلاق، وطالبت إسرائيل بإلغاء قرارها. وعلى صعيد متصل يحاول الكيان الصهيوني طبع الجولان بطابع الاحتلال؛ لتكريس وجوده فيها. فمنذ فترة حاول الاحتلال نسخ تجربة المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية إلى الجولان المحتل، وترسيخ أمر واقع؛ لضم الهضبة بشكل نهائي للاحتلال، ففي ديسمبر الماضي اتجهت حكومة الاحتلال إلى السعي للتصديق على خطط بناء وتسويق لآلاف الوحدات السكنية في الجولان، وكشف حينها تقرير لموقع واللا الإسرائيلي عن توقعات إسرائيلية تتحدث عن مضاعفة عدد المستوطنين الإسرائيليين في الجولان المحتل خلال خمس سنوات؛ وذلك اعتمادًا على خطط البناء التي أقرتها، وتعمل على تنفيذها سلطات التخطيط التابعة لمستوطنات الجولان. وأشار التقرير إلى أن الاحتلال يسعى من جهة أخرى إلى حشر أهالي الجولان السوري في بضعة قرى، فيما تسيطر إسرائيل على بقية الجولان، مع إخضاع أراضيه بعد فرض القانون الإسرائيلي عليها لمؤسسات التخطيط والبناء التابعة لمجالس المستوطنات الإسرائيلية في الجولان من جهة، ولسلطات جيش الاحتلال في تحديد وترسيم مناطق للاستخدام العسكري أو التدريبات العسكرية، أو حتى الإعلان عنها مناطق عسكرية مغلقة لا يسمح لأحد بدخولها أو الاقتراب منها من جهة أخرى. وتحاول الحكومة الإسرائيلية فتح مجالات أخرى في الهضبة بعيدًا عن المستوطنات، تمكنها من فرض الحقائق على الأرض. ففي أكتوبر الماضي بدأت شركات إسرائيلية وأمريكية التنقيب عن النفط، وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية اكتشاف مكامن نفط في مرتفعات الجولان المحتلة تحتوي على احتياطيات كبيرة من الخام تكفي لعقود، وادعت شركة "آفك للنفط والغاز"، وهي شركة تابعة لشركة طاقة أمريكية، أنها اكتشفت كميات كبيرة من النفط في هضبة الجولان تقدر بمليارات من براميل النفط، تكفي لتلبية احتياجات السوق الإسرائيلية لفترة طويلة جدًّا.