مستقبل سياسى غامض فى انتظار البرازيل اليوم - الأحد - بعد أن توافقت غالبية القوى السياسية والشعبية فى البلاد على المضى قدما فى إجراءات تقديم الرئيسة ديلما روسيف للمحاكمة أمام البرلمان تمهيدا لعزلها من منصبها. وسوف تواجه روسيف اختبارا صعبا قد ينهى مسيرتها السياسية الطويلة بإقالة مذلة، حيث يصوت مجلس النواب بالكونجرس البرازيلى خلال ساعات على إحالتها للمساءلة لتواجه اتهامات تتعلق بتلاعبها بميزانية الدولة عام 2014 لأغراض دعائية لحملتها الانتخابية فى ذلك الوقت. وفى حالة موافقة مجلس النواب على إقالة روسيف، يفترض أن يصوت مجلس الشيوخ على توجيه التهمة إلى الرئيسة، وإذا صوت على ذلك بالأغلبية البسيطة يتم استبعادها من السلطة خلال مهلة لا تتجاوز 180 يوما فى انتظار تصويت نهائى على إقالتها يتطلب تأييد ثلثى أعضاء مجلس الشيوخ. وقد واجهت روسيف فى الأشهر الأخيرة ضربات متلاحقة من أقرب حلفائها فى الحكم . ففى مارس الماضي، أعلن حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية خروجه من الائتلاف الحاكم. والأسبوع الماضي، انشق أيضا الحزب التقدمى عن الحكومة معلنا تسليمه جميع المناصب الوزارية التى يشغلها. أما الضربة الكبرى فجاءت من نائب الرئيسة ميشيل تامر الذى تتهمه روسيف بالتآمر للإطاحة بها سعيا لنيل مقعد الرئاسة بعد الكشف عن تسجيل صوتى لتامر يتحدث فيه كما لو أن محاكمة روسيف قد تمت بالفعل ويدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. والحقيقة أن عرش روسيف تعرض لعدة هزات متتالية بدء من المظاهرات العارمة التى اندلعت فى البلاد عام 2013 احتجاجا على التكاليف الضخمة التى انفقتها الحكومة استعدادا لاستضافة البرازيل لمباريات كأس العالم 2014 فى الوقت الذى تراجع فيه مستوى الخدمات العامة، وصولا إلى الكشف عن فضيحة الفساد المدوية فى شركة "بتروبراس" للبترول المملوكة للدولة والتى طالت عدة مسئولين حكوميين من بينهم الرئيس السابق لولا دا سيلفا الذى تسبب هو الآخر فى أزمة جديدة بعد أن عينته روسيف وزيرا فى الحكومة لكى يتفادى محاكمته فى اتهامات تتعلق بالفساد، وهو الأمر الذى انتقدته جماعات المعارضة وزاد من الضغوط على مؤسسة الرئاسة. وأسهمت تلك الهزات السياسية، فضلا عن الركود الاقتصادى الذى تعانيه البلاد، فى تفجر احتجاجات شعبية واسعة فى مختلف أنحاء البرازيل تطالب برحيل روسيف وسط تصاعد الغضب من تردى الأداء الاقتصادى للحكومة والذى تسبب فى دخول البرازيل - سابع اقتصاد فى العالم - عاما ثانيا من الركود، وتراجع الناتج الإجمالى بنسبة 3،8٪ فى عام 2015 بسبب ارتفاع التضخم بنسبة 10٪، مع ارتفاع كبير للعجز العام. وأمام كل ذلك ترفض روسيف الاستقالة ويدافع عنها أستاذها الروحى دا سيلفا بانتقاده لمن وصفهم ب"الانقلابيين" الذين يحاولون الإطاحة برئيسة منتخبة ديمقراطيا. ومن المتوقع أيضا أن يخرج الاف من مؤيدى روسيف اليوم فى مسيرات مجلس النواب لرفض إجراءات الإقالة أمام مظاهرات أخرى معارضة سيتم تنظيمها فى التوقيت نفسه. المعضلة السياسية الكبرى التى من الممكن أن تواجه البرازيل فى حالة إقالة روسيف هى أن نائبها ميشيل تامر والمفترض أن يتولى الرئاسة مكانها لحين إجراء انتخابات رئاسية فى 2018، يواجه هو أيضا خطر العزل من منصبه بعد أن قضت المحكمة العليا الاسبوع الماضى بضرورة مساءلة تامر أيضا أمام البرلمان لمواجهة نفس الاتهامات التى تواجهها روسيف حول التلاعب بميزانية الدولة. أى أن الأسوأ، هو أنه فى حالة إقالة تامر، فمن المقرر دستوريا أن يشغل المنصب الرئاسى رئيس مجلس النواب وهو "إداوردو كونها"، إلا أن "كونها" نفسه يواجه أيضا اتهامات بغسيل الأموال وغيرها من الاتهامات المتعلقة بتورطه فى فضيحة بتروبراس. فمن يتولى إذن الرئاسة وكل المرشحين متهمون بالفساد؟ كل هذا ينبئ باضطرابات سياسية كبرى فى انتظار البرازيل، عملاق أمريكا اللاتينية، خلال الفترة المقبلة، بعد سنوات من المكاسب السياسية والاقتصادية التى لا يمكن إنكارها، وهو ما سيكون له بالتأكيد تداعيات سلبية على اقتصاد البلاد الذى يعانى بالفعل أزمة حقيقية الآن. .. فهل تبكى البرازيل على روسيف؟! وهل تكون إقالتها، لو حدثت، نهاية للأزمة، أم بداية لعهد جديد من الاضطرابات؟