فى تطور خطير ينذر بأزمة سياسية عنيفة تضاف الى الازمة الاقتصادية شهدت العديد من المدن البرازيلية تظاهرات مستمرة من الأحزاب والحركات المعارضة للسياسات التى تتبعها حكومة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف . تأتى هذه التظاهرات ضمن احتجاجات مستمرة امتدت منذ 2013 احتجاجا على تنظيم بطولة كأس العالم وزيادة أسعار وسائل النقل . انتهاء باحتجاجات الأحد الماضى المنددة بالفساد الكبير فى شركة البترول الكبرى بتروبراس والمتورط فيها عدد من أفراد النخبة الحاكمة فى البرازيل، حيث يعتقد أن مبلغ المليارى دولار الذى سحب على شكل عقود بناء ضخمة تم تمريره للسياسيين على شكل رشى. وكان نصيب الأسد منها لأعضاء كبار فى حزب العمال والأحزاب الشريكة فى الحكم . ثم تبعتها العديد من الفضائح ، ففى تصويت بالاجماع قضت المحكمة الاتحادية لمراجعة الحسابات عام 2015 بأن حكومة الرئيسة ديلما روسيف تلاعبت فى حساباتها فى عام 2014 لاخفاء عجز مالى كبير اثناء حملتها الانتخابية بغرض إعادة انتخابها لولاية ثانية . وان كان هذا القرار ليس ملزما قانونا الا أن نواب المعارضة بالبرلمان استخدموه للمطالبة باتخاذ اجراءات فى البرلمان لعزل روسيف. ونفت حكومة روسيف آنذاك أى أساس قانونى للقرار وأوضحت أن محكمة الحسابات عاقبت حكومة حزب العمال بزعامة روسيف على اجراءات اتخذتها للحفاظ على البرامج الاجتماعية لفقراء البرازيل، منها برامج الدعم الاجتماعى «بولسا فاميليا» والجوع صفر ومنزلى هو حياتي. مؤكدة أن هناك خلطا كبيرا فى هذا الأمر وأن هذا القرار غير ملائم مطلقاً. أضف إلى ذلك تعرض ديلما روسيف لتهمة قبول أموال بشكل غير شرعى من شركة النفط التابعة للدولة وضخت فى تمويل حملتها الانتخابية. حيث أشارت الاتهامات إلى أن زعيمة حزب العمال، وميشيل تامر نائب الرئيس، متورطان فى إساءة استخدام السلطة، والاحتيال، وتمويل نفقات الحملة الانتخابية بتبرعات من شركة بتروبراس مما يعد رشى واضح وصريح . كما واجهت أول رئيسة فى تاريخ البرازيل تهمة توزيع حزبها أموال الدولة بشكل غير قانونى ، لجعل الاقتصاد يبدو أكثر تعافياً مما كان عليه قبل الانتخابات. وكانت المحكمة العليا للانتخابات فى البرازيل قد أشارت فى حكمها إلى وجود أدلة تستوجب التحقيق فى حملة إعادة انتخاب روسيف، بما يؤكد وجود شكوك حول التمويل غير القانونى من جهات تعد إحداها وأهمها شركة بتروبراس، حيث شغلت ديلما روسيف منصب عضو مجلس إدارة الشركة من العام 2003 حتى 2010، فترة حصول التزوير،وهو الأمر الذى نفت روسيف أكثر من مرة معرفتها به. ولكن جاء حكم المحكمة الفيدرالية العليا أكتوبر الماضى بأن إجراءات المساءلة والعزل من اختصاصات مجلس الشيوخ وليس مجلس النواب،- بعد أن كان مجلس النواب قد اتخذ خطوات فعلية فى هذا الأمر - بالإضافة الى ان الكشف عن حسابات مصرفية ضخمة لخصم روسيف اللدود رئيس مجلس النواب إدواردو كونيه خلافاً لما قاله سابقاً وأصبح هناك اتهام بالفساد موجه إليه أيضاً ، كل ذلك أجل إلى حد كبير إتخاذ إجراءات فى الوقت الراهن، فبالإضافة إلى ذلك يشكل حزب العمال والأحزاب المتحالفة معه أغلبية فى مجلس النواب الذى يرأسه هنرنان كاليروس. هذه الفوضى والاحتجاجات المستمرة والاتهامات المتبادلة والركود الكبير فى القطاع الإقتصادى فتراجع العملة البرازيلية إلى أدنى معدلاتها على الإطلاق فى مقابل الدولار بالإضافة إلى زيادة نسبة العجز والتضخم والبطالة . هناك عدة سيناريوهات لمستقبل النظام الحاكم حسب رأى الخبراء هنا فى البرازيل . الأول استمرار المعارضة فى الضغط المتواصل من خلال إستمرار الاحتجاجات، وشن حملات موجهة تتهم حزب العمال بالفساد وتشويه سمعة قياداته على أمل وصول حزب العمال إلى أدنى شعبية له وعدم قدرته على خوض الانتخابات الرئاسية القادمة فى 2018، وبالتالى احداث التغيير بشكل ديمقراطى عبر صناديق الاقتراع ،وهنا تكون الرئيسة قد أنهت ولايتها الثانية بشكل طبيعى. السيناريو الثانى هو تخلى حزب العمال عن ديلما روسيف باعتبارها ليست من مؤسسى الحزب ولكنها التحقت به بالإضافة إلى سخط أعضاء حزب العمال انفسهم عليها لاختيارها حكومة ضعيفة وعدم الاهتمام بآراء أعضاء الحزب فى تشكيل الحكومة، وأيضا بدأت الأحزاب الحليفة فى الحكم انتقاد الأوضاع بشكل علنى مما يعنى وجود عزلة كبيرة حول الرئيسة أهمها ابتعاد نائب رئيس الجمهورية وزعيم حزب الحركة الوطنية ميشيل تامر عن الظهور كثيراً مع الرئيسة مثلما كان يحدث من قبل ناهيك عن الموقف غير المتحمس لها من قبل الأحزاب والحركات اليسارية والعمالية وحركة بلا أرض وهى الحركات التى ساندتها طوال الفترة الماضية مما قد يدفعها للاستقالة رغم نفيها الدائم لهذا الأمر. هناك احتمال ثالث وهو الإقالة ولكن إجراءاتها ستأخذ وقت طويلا ربما تقارب مع تبقى من مدتها التى تنتهى بعد عامين وما يزيد من صعوبة هذا الإحتمال هو سيطرة الأغلبية الحاكمة على مجلس النواب بالإضافة إلى عدم رغبة ميشيل تامر نائب رئيس الجمهورية - حسب مقربون منه - من إنهاء تاريخه السياسى الطويل بتحمل مسئولية الأوضاع الحالية التى تحتاج وقتا طويلا للإصلاح. الشاهد أن الحل الوحيد أمام ديلما روسيف للبقاء فى منصبها بشكل هادىء هو قدرتها على إقناع الرئيس السابق لولا دا سيلفا للإنضمام لحكومتها - حيث التقت ديلما أكثر من مرة بلولا دا سيلفا خلال الأسبوع الجارى - لما يتمتع به من شعبيه جارفة وكاريزما قوية يستطيع امتصاص الغضب تجاه حكومة ديلما روسيف، والوقوف بقوة أمام المعارضة اليمينية المدعومة بقوة من الإعلام الذى يسيطر عليه رجال الأعمال. وبالفعل وافق لولا دا سيلفا على تولى وزارة شئون الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تحت ضغوط شديدة مارستها عليه الرئيسة ديلما روسيف، بما يعنى أنه أصبح الرجل الثانى فى الدولة والرجل التنفيذى الأول على أرض الواقع. اضف الى ذلك فإن قبول الزعيم التاريخي للبرازيل لمنصب وزارى يحصنه أيضا من أيه ملاحقات قانونية من قبل قاضى التحقيقات فى فضيحة بتروبراس "سيرجيو مورو "حيث يمتلك الوزراء حصانة تجعلهم خاضعين للمحكمة الفيدرالية العليا فقط فى أية مخالفات وليس لأى جهات أخرى. وينتظر البرازيليون أن يكون لولا دا سيلفا هو حصان طروادة، الذى ينقذ البلاد، والرئيسة من الأزمة السياسية والاقتصادية التى تمر بها البرازيل.