لازال العديد من الناس يعتنقون فكرة أن الرئيس يجب أن يكون قوياً ، ملهماً، يضرب بيد من حديد ولا يستطيع أحد أن يتحرك في وجوده من تلقاء نفسه، وهو أمر طبيعي لشعب قضى ما يقرب من ستين عاماً تحت حكم يوصف رئيسه دوماً بالقائد أن يتصور أن الحل لمشكلات البلد وخاصة الانفلات الأمني هو هذا الرئيس الذي تقترب مواصفاته من مواصفات الديكتاتور.. وبعيداً عن قبول الفكرة أو رفضها، فإننا لو دققنا النظر في نتيجة هذا النوع من أنظمة الحكم والذى يوصف عادة بالديكتاتوري المستبد، سنجد أنه حتى ولو تغاضينا عن انتشار الفساد والرشوة وقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان في سبيل التمتع بقدر من الأمن والاستقرار أو هكذا يتوهم الناس، إلا أن المشكلة الأكبر التي تنتج عن ذلك النمط من الحكم، هي اهتراء أجهزة الدولة وتحولها إلى كيانات لا تأثير إيجابي لها في التنمية ولا يمكن الارتكان إليها لو كنا نرغب حقيقة في الإصلاح، ذلك أن مسئوليها بالتتابع يظلون دائماً في حالة من "اللانشاط" في انتظار توجيهات السيد الرئيس... لم تطل حيرتي طويلاً عن كيف تسعى الدول إلى الازدهار والتطور والخروج من دائرة الفقر إلى مجتمع الدول المتقدمة حين تلقيت دعوة لحضور مائدة مستديرة حول "الاستدامة في أفق الربيع العربي" التي تنعقد بمناسبة مؤتمر الأممالمتحدة للتنمية المستدامة (قمة ريو +20) والتي من المنتظر أن تنعقد منتصف هذا العام بعد مرور 20 سنة على قمة ريو دي جانيرو بالبرازيل و قبل 3 سنوات من الموعد المحدد لاستكمال إنجاز أهداف التنمية للألفية الحالية. توقفت قليلاً أمام مصطلح التنمية المستدامة وما يعنيه هذا المصطلح بأنها تلك التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة وينظر إليها على أنها المبدأ للتنمية على المدى الطويل على مستوى العالم، وكيف أنها تتألف من ثلاثة ركائز هي التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة بالاتجاه إلى الاقتصاد "الأخضر" الذي يحمى البيئة ويمنع الدول الصناعية الكبرى من الإفراط في استخدام تكنولوجيا عدوة للبيئة. المدهش أيضاً أننا لو تأملنا قليلاً آليات هذه التنمية سنجد أنه يمكن التعامل معها من منطلق شامل بحيث يمكن أيضاً تطبيقها على التنمية السياسية للدول من حيث إعادة هيكلة تلك النظم بما يضمن تطورها وتنميتها تنمية مستدامة و يخدم مصالح الشعب سواء الأجيال الحالية أو الأجيال المقبلة، خاصة وأن ثورة 25 يناير بإسقاطها للرئيس كشفت لنا حقيقة هامة جداً، هي أننا الآن أصبحنا في حاجة إلى نظام سياسي يتعامل مع توجيهات وسيادة الشعب وليس رئيسه خاصة إذا كان هذا الرئيس لا يستمع لشعبه ولا يهتم كثيراً بتنميته وتحقيق احتياجاته ويكتفي بتطور مظهري يقنعه به عدد من رجال الأعمال قد يهمهم في المقام الأول تنمية خاطفة تحقق بالأساس منفعتهم هم لنجاح مشروعاتهم ولتعظيم أرباحهم.. ولو علمنا أنه خلال قمة ريو القادمة سوف يجتمع قادة العالم جنبا إلى جنب مع الآلاف من المشاركين من الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والإعلام لتشكيل رؤية شاملة حول كيف يمكننا الحد من الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية وضمان حماية البيئة على كوكب الأرض المزدحم أكثر من أي وقت مضى والوصول إلى المستقبل الذي نريده جميعاً لحياة أفضل سنكتشف ببساطة أن كوكب الأرض بأكمله والذى أصبح قرية صغيرة لم يعد أيضاً يتحمل توجيهات من أحد بل إن الحوار المستمر وتبادل الآراء والخبرات بانفتاح تام وتحمل المسئوليات فيما أفسدته وتفسده النظم الصناعية الكبرى بجورها على البيئة هو الحل لضمان استمرار الحياة وتطورها وتنميتها بشكل مستدام على هذا الكوكب أيضاً. ولأن مصر ومنطقة الربيع العربي كلها تحتاج إلى إعادة النظر في خارطة التنمية بها والاستفادة من تجارب الدول الكبرى والتوجه إلى نظام "الاقتصاد الأخضر" بل وبالضرورة النظر أيضاً في أنظمة الحكم السائدة لديها وضرورة العمل الجاد على تحويل هذه الأنظمة إلى نظم حكم ديمقراطية بالمعنى الحقيقي والجاد، فقد تكون هذه القمة بمثابة فرصة لإعادة النظر في هذا الملف وطرح رؤية جديدة للتنمية المستدامة بالتشاور فيما بين الحكومات العربية والاستعداد لتبادل الخبرات والتنسيق فيما بينها فى قضاياها السياسية والتنموية بشكل أكثر فاعلية ومرونة من أجل تحقيق تلك التنمية الشاملة المستدامة في كل القطاعات لعل الفرصة لازالت سانحة للخروج من أزمات تحيق بالمنطقة والنجاة من أزمات قادمة لا محالة إن لم نلتفت لذلك... [email protected] المزيد من مقالات أحمد محمود