موعد صلاة الجمعة بالتوقيت الشتوى الجديد 2025    محافظ المنيا يفتتح ميدان النيل بعد تطويره| صور    بيان مشترك بين البرلمان العربي وبرلمان أمريكا اللاتينية يطالب بمحاسبة قادة الاحتلال    كريستيانو جونيور يبدأ مشواره الدولي مع منتخب البرتغال تحت 16 عامًا    مقتل شخص بطلق ناري في الرأس بظروف غامضة بأسوان    مواعيد تشغيل المترو والقطار الكهربائي مع بدء تطبيق التوقيت الشتوي    تطورات الحالة الصحية لنجل ريم سامي بعد دخوله الرعاية المركزة    عادل المصري: المتحف المصري الكبير مشروع قومي يعكس إبداع التصميم المرتبط بالتراث    إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مهيبة.. تجسد روح مصر الخالدة في افتتاح المتحف المصري الكبير    نصائح لتجهيز الجسم للحمل بعد سن الخامسة والثلاثين    إسرائيل تدرس تكثيف هجماتها فى لبنان بعد تقارير عن تهريب مئات الصواريخ    إدارة ترامب تخفض عدد اللاجئين الذين يُسمح لهم بالدخول سنويا للولايات المتحدة    هنا الزاهد عن افتتاح المتحف الكبير: «مصرية وفخورة»    بتوجيهات شيخ الأزهر..انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة «الإمام الطيب» للقرآن الكريم للطلاب الوافدين    على طريقة نفرتيتي.. طلاب القليوبية يحتفلون ب المتحف المصري الكبير    من الطين بنبى أبرج للسماء.. صانع أبراج الحمام: مهنة متوارثة وهذه اسرارها    أشرف الشرقاوي: نتنياهو قضى على أي فرصة لظهور قيادات بديلة في إسرائيل    روبيو: مستعدون لتقديم مساعدات للشعب الكوبي بعد الدمار الذي أحدثه إعصار ميليسا    حصاد الرياضة المصرية اليوم الخميس 30-10-2025    من قلب التاريخ يبدأ المستقبل.. فودافون مصر الشريك التكنولوجي للمتحف المصري الكبير    أمين الفتوى يوضح حكم وثواب قيام الليل    تجهيزات شاملة للطرق والمطارات لاستقبال وفود المتحف الكبير.. فيديو    الأوقاف تُطلق (1010) قوافل دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    موظف بالمعاش يتهم خادمته بسرقة مشغولات ذهبية من فيلته ب6 أكتوبر    تفاصيل تصميم الدعوات الخاصة باحتفالية المتحف المصرى الكبير.. صور    جيش الاحتلال يتسلم جثمانى أسيرين عبر الصليب الأحمر فى غزة    شاهد|«المجلس الصحي المصري»: إطلاق الدلائل الإرشادية خطوة تاريخية لحماية المريض والطبيب    تناولها بانتظام، أطعمة تغنيك عن المكملات الغذائية الكيميائية    رئيس جامعة سوهاج يلتقي طلابه ذوي الإعاقة ويشاركهم وجبة الغذاء    زاخاروفا: روسيا تدعم فنزويلا في الدفاع عن سيادتها    مصر تحقق نجاحا إفريقيا في اتفاقية التجارة الحرة القارية بعد أربع سنوات    إصابة 4 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بالطريق الزراعى فى البحيرة    لا فرق بين «الطلاق المبكر» والاستقالات السريعة داخل الأحزاب    ياسر عبد العزيز يكتب: مصر الكروية كاملة الأوصاف ولكن!    منتخب التايكوندو يحقق المركز الخامس في بطولة العالم بالصين    جماهير الزمالك تنفجر غضبًا بسبب مجلة الأهلي.. ما القصة؟    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    بعد بيان الأهلي.. موقف إمام عاشور من السوبر المصري (خاص)    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.. الأوقاف تطلق (1010) قافلة دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    «يوم الوفاء» محافظ أسيوط يكرم أسر الشهداء وقدامى المحاربين    ضبط 100533 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    والد أطفال ضحايا جريمة فيصل: سأحاسب كل من أساء لسمعتنا    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات العقل العام
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 04 - 2016

ليس غريبا على واقع مثقل بالمشكلات والتشوهات، أن يظل في احتياج دائم للتأمل، والتفكيك، والنظر الواسع للعالم والأشياء. فالعقل العام الذي يُفترض بمقتضاه، وبحسب جون رولز الفيلسوف الشهير وأحد منظري ومؤسسي الليبرالية الاجتماعية، في كتابه ( قانون الشعوب وعود إلى فكرة العقل العام)، " أن يقوم المواطنون بإجراء مباحثاتهم حول القضايا الجوهرية ضمن الإطار الذي يشكل في نظر كل منهم تصورا سياسيا للعدالة قائما على قيم يمكن للآخرين أن يؤيدوها "، فالمشتركات العامة تخلق وسطا بيئيا حاضنا لكافة التنويعات السياسية والثقافية والفكرية والدينية، وتشكل السياق الجامع لكافة الرؤى والتصورات التي تكرس لقيم التسامح وقبول الآخر، والتعددية الحقيقية لا المصطنعة أو الزائفة، وهذا التمثيل الموضوعي للجماعة البشرية داخل أمة من الأمم، على اختلافها وتنوعها، هو ما يدعم وباختصار فكرة بقاء الأمم وتطورها وقدرتها على تحقيق قيم التقدم والعدل والمساواة.
ويضع رولز شرطا جوهريا للوصول إلى بغيته الأساسية في رفد العقل العام بجملة من القيم الإنسانية والوجدانية المشتركة، بما " يمكن للآخرين أن يؤيدوها "، حيث يظل للتفكير النقدي وإعمال العقل دوران مركزيان في توسيع الصيغة المشتركة بين مكونات الجماعة البشرية الواحدة.
غير أن العقل العام يتحرك لدينا الآن في فضاءات معتمة، تمتد لأكثر من أربعين عاما على المسار السياسي/ الثقافي، وتتجاوز قرونا من الزمان في أصل البنية المعرفية القائمة، فالتحولات التي أصابت العقل العام على المستوى المباشر، حيث الصدى القريب لتداعي الحلم الناصري عقب نكسة الصيف السابع والستين، وما تلاه من سقوط جملة من المقولات الكبرى عن حتمية الإيمان بمشروع عربي قومي اشتراكي الملامح، ثم تعمقت أزمة العقل العام بتبني منظور استهلاكي في رؤية العالم، تجلى ذلك في قرارات الانفتاح الاقتصادي عام 1974م، وما تلاها من إحداث هزة قيمية ومجتمعية عاصفة، وبدأت الخطابات الرجعية تسود، والمد الديني يأخذ شكلا من شكول الاستقطاب الحاد، غذته أموال خارجية وتكريس داخلي للجهل والتخلف وتغييب العقل لصالح الميتافيزيقا، وبدأ العقل العام محاصرا بجملة من شيوخ التطرف الديني الذين يرفدونه بقيم رعوية بالأساس، مغايرة عن الوجدان الحضاري المصري، وبدأت تشيع خطابات متطرفة على المسار الديني، وخطابات يمينية رأسمالية على المستوى الاقتصادي، واستهلاكية على المستوى الثقافي، وبدأنا ندور في فلك التبعية السياسية التي أفضت إلى تبعية ذهنية، فضلا عن استلاب العقل المصري ذاته لصالح العقل النقلي الماضوي بتصوراته الأحادية المتشددة عن الحياة والعالم.
وشاعت حالة من الهوس بالتدين الشكلي، وكانت النهاية دراماتيكية وحزينة ومؤسفة بمقتل الرئيس السادات على يد الجماعات الإسلامية التي أخرجها من السجون، وفتح لها المجال العام، ضربا للتيارات اليسارية، وبدت مصر في مفترق طرق جديد، لكن للأسف الشديد ظلت حالة المزاوجة بين الرجعية والفساد هي المهيمنة، فتراجع كل شيء، في الأعوام الثلاثين من حكم مبارك، حتى قفزت جماعة الإخوان الإرهابية التي صدرت التطرف إلى العالم جميعه، إلى سدة الحكم في البلاد في لحظة مأسوية تدعو إلى مزيد من التأمل والقراءة العلمية.
وفي أصل الأزمة المعرفية، يبدو العقل العام أسيرا لماضيه، غير قادر على مجاوزته، محاصرا بتراث يرفعه الكثيرون إلى مرتبة التقديس، ويضعونه موضع التنزيه، وبما يعني أن مجرد مناقشته في عرفهم خروج عن الملة وأصل الاعتقاد، فما بالنا بمحاولة مساءلته، وتخليص جيده من رديئه؟!!.
من هنا كانت المحن الكبرى التي تعرض لها علماء وفلاسفة ومفكرون، وربما كانت الحادثة الأكثر دلالة متمثلة في إحراق كتب الفيلسوف النابه ابن رشد، الذي علم البشرية جميعها، واحتفت به الحضارة الغربية وقامت كثير من طروحاتها الفلسفية مستندة على صنيعه الفكري النافذ، وقد تبدلت بابن رشد الأحوال لمجرد أن أحد الخلفاء من كارهي التفكير والفلسفة اتهمه بالكفر والضلال، فأبعده إلى بلدة صغيرة إلى جوار قرطبة التي كان قاضي قضاتها في ذلك الزمان، ثم حرق الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور كتب ابن رشد ومؤلفاته، وحظر الاشتغال بالفلسفة، والعلوم، ما عدا الطب والفلك والرياضيات. إن السياق العام الذي أحاط بابن رشد كان سلفيا بامتياز، تعاطى معه باعتباره كافرا، وكان كثير من شيوخ زمانه ينظرون إلى العلوم بوصفها تتصل بالكفر، وتستقي المعرفة من أرسطو وغيره، وقد كان ابن رشد الشارح الأكبر للمعلم العظيم أرسطو، ومن ثم فهو في عرفهم كافر مثله!، لقد مات ابن رشد حين أحرقت كتبه، ولم يمكث فعليا سوى شهور قليلة حتى رحل واصفا مأزقه التاريخي/ الوجودي في عبارة دالة" " تموت روحي بموت الفلسفة".
وبعد.. لا بد من إعادة الاعتبار إلى العقل العام، بدءا من تهيئة المناخات الداعمة لحرية الفكر والتعبير، والتأسيس لواقع لا تكبله القيود أو الميتافيزيقا، ورفد الوجدان الجمعي بقيم إنسانية نبيلة ومتحضرة، وتفعيل دور المؤسسات التعليمية والثقافية التي أكلها الصدأ، وابتعدت عن أداء أدوارها الطليعية، والمشاركة الفاعلة في تجديد أدوات العقل العام، وبما يعني تفعيل قيم المساءلة والنزاهة والشفافية، فضلا عن الوعي بمخاطر اللحظة وتحدياتها، أما التعاطي البليد مع الراهن، والاعتقاد بأن كل شيء جيد طالما ظل كل شيء ساكنا!، وأن الثبات الفارغ فضيلة، فالمحصلة النهائية لهذه التصورات المغلوطة والكوميدية أيضا ستكون مزيدا من الانهيارات والوقوع النهائي في فخ انحطاط تاريخي سندفع جميعا ثمنه، لكن مسئوليته الحقيقية تقع في الحقيقة على عاتق كل صناعه والمباركين له.
لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.