الأهلي يُكرم عماد النحاس    عبد الواحد: ربما نضم السعيد لقائمة أمم إفريقيا.. والاستحواذ هويتنا    وزير الكهرباء: مشروع الربط المصري-السعودي خطوة مهمة نحو سوق عربية للكهرباء    "بحوث الصحراء" يُعزز جهود استكشاف الموارد المائية والتوسع الزراعي بتقنية جيوفيزيائية فرنسية    هيثم الهواري: قمة شرم الشيخ بداية عهد جديد للسلام الإقليمي والنمو الاقتصادي للمنطقة    رئيس جامعة جنوب الوادي يتابع المشروعات التطويرية بالمدن الجامعية    إيمان كريم: بروتوكول التعاون مع "قضايا الدولة" يعزز دعم ذوي الإعاقة    سليمان: هذا هو الفارق بين مصطفى محمد وأسامة فيصل.. وهذه سياستنا مع الحراس    تعرف على طقس الكويت اليوم الثلاثاء    "الثقافة" تُحيي التراث الموسيقي العربي في أمسية أحمد نافع ببيت الغناء    تعرف على موعد حفل محمد فؤاد وصابر الرباعي وسوما    باستثمارات 20 مليون دولار.. وزير قطاع الأعمال يتفقد التشغيل التجريبي لمصنع بلوكات الأنود    اليوم.. أولى جلسات اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب    بعد استبعاده من «مستقبل وطن».. «الحسيني» يخوض انتخابات مجلس النواب 2026 «مستقلًا»    هل يجب على أعضاء مجلس النواب المعينين في "الشيوخ" تقديم استقالاتهم؟    بورش فنية ومواهب، انطلاق مهرجان النباتات الطبية والعطرية ببني سويف    «ازرع شتلتك».. مواصلة فعاليات النسخة ال4 من مهرجان النباتات الطبية والعطرية ببني سويف    رسميا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر أكتوبر 2025 (استعلم الآن)    التصديري للملابس الجاهزة: هدفنا التوسع في الأسواق الأوروبية    أبطال وصناع «هيموفيليا»: العرض يتناول فكرة الصراع الإنساني وتجربة بصرية بين الرمزية والواقعية    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    دار الإفتاء توضح حكم ارتداء الأساور للرجال.. متى يكون جائزًا ومتى يُمنع؟    استشاري تغذية يحذر: الشوفان في الأصل طعام للخيول وسعراته الحرارية أعلى من القمح    تضم 15 سريرًا جديدًا.. محافظ الجيزة يفتتح وحدة الرعاية المتوسطة والداخلي بمستشفى أكتوبر المركزي    الداخلية توقع بروتوكول تعاون مع الاتحاد المصري للكيك بوكسينج لرفع كفاءة طلاب معاهد معاوني الأمن    المتحدث باسم بلدية "غزة" يطالب بفتح جسر بري وبحري وجوي لدعم القطاع    سحب 981 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    27 مليون دولار وحَملة إعادة إعمار.. بريطانيا تعلن دعمًا لإنقاذ غزة بعد قمة شرم الشيخ    فرانكو دوناتو وأحمد شبراوي ضمن أفضل 10 رماة في العالم    «الصحة» تنظم يوما علميًا للتعريف بالأدلة الاسترشادية بمستشفى المطرية التعليمي    ماكرون: الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد هجمات إرهابية وزعزعة للاستقرار    ارتفاع عدد الوفيات بين تلاميذ تروسيكل منفلوط ل3 أطفال    مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكشف عن لجنة تحكيم دورته الثانية    سفير فلسطين بالقاهرة: دور مصر محورى فى وقف الحرب ومنع تهجير سكان غزة    من يريد الوطن يجب أن يصبر.. الفلسطيني المحرر أحمد التلباني: التعذيب بسجون إسرائيل أنساني ملامح أطفالي    وفد رفيع المستوى من مقاطعة جيانجشي الصينية يزور مجمع الأقصر الطبي الدولي    ثلاثية أبطال أكتوبر في قصر العيني.. بطولات تتجدد بين ميادين الحرب والطب والسلام    قمة شرم الشيخ.. الإعلام الأمريكي يبرز كلمة الرئيس السيسي وإشادة ترامب بدور مصر في السلام    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة وفرص ضعيفة لأمطار خفيفة    عاجل|الصحة تغلق مركزًا غير مرخص للتجميل في مدينة نصر تديره منتحلة صفة طبيب    وزير الصحة يبحث مع وزيرة الصحة الألمانية تعزيز التعاون المشترك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    اليوم.. الحكم على 4 متهمين ب"خلية الحدائق"    مصرع شاب إثر سقوطه من الطابق الرابع في الغردقة    أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 في أسواق الأقصر    "قمة شرم الشيخ للسلام" تتصدر اهتمامات الصحف الكويتية    الكنيسة الأسقفية تؤيد اتفاق شرم الشيخ وتثمن جهود القيادة المصرية من أجل السلام    بحضور وزير الزراعة السوري.. «سويلم» يفتتح الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    النادي المصري يُثمن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني    رئيس المجلس الأوروبي: تخصيص 1.6 مليار يورو لدعم السلطة الفلسطينية خلال العامين المقبلين    وفاة شقيق عبد المنعم إبراهيم .. تعرف على موعد ومكان العزاء    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    توتر داخلي وعدم رضا.. حظ برج الدلو اليوم 14 أكتوبر    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    ألمانيا تفوز أمام ايرلندا الشمالية بهدف نظيف في تصفيات أوروبا لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نقرأ الثقافات الأفريقية ؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 03 - 2016

ما زالت الثقافة العربية تقترب ببطء من واقع الثقافات الأفريقية، حيث تحل أنماط من الدراسات الأكاديمية المهنية، محل الاهتمام الثقافى المجتمعى، وتحل «الفُرجة» محل المعايشة.
ولابد أن نعترف أن ثمَّة تقدما ملحوظا فى الاقترابات المطروحة والتى آمل ألا تكون موسمية، وهى اقترابات تتجاوز إلى حد ما، ما ألفناه من القول عن انتشار أو» نشر» الثقافة العربية والإسلامية فى القارة «! أو «مهمة التنوير والتحضر التى قامت بها «أجيالنا التاريخية» بما يشبه أحيانا مارددته الدوائر الاستعمارية عن «العبء الحضارى» فى القارة السوداء! لكنا بتنا الآن نقرأ ترجمات للأدب الأفريقى، ونشاهد بعض الإنتاج السينمائي، ولو موسميا، ونسعد مع كثيرين لحصول هذا أى أفريقى على جائزة نوبل العالمية! لكنا مازلنا لانتوقف عند كون عالمية المنتج الثقافى «الأفريقي» سبقت كثيرا منتجنا العربى إلى العالم، لمن يرصد حركة الترجمة، أو أن «ماريام ماكيبا» سبقت «أم كلثوم» إلى العوالم الثقافية المختلفة.
من أين إذن هذا القصور فى اقترابنا من الثقافات الأفريقية؟.
قد يرجع لغلبة «السياسى» على «الاجتماعى» و»الثقافى» لفترة مع ازدهار العلاقة نفسها مع «الدول» الأفريقية وحركات التحرير، لكن هذا وحده لا يكفى لتفسير وضع الثقافى فى العلاقات مع أفريقيا.
فى ظنى أنه بدأ بمفهومنا نفسه عن هذه الثقافات. فهو دائما أكثر ارتباكا من معالجة أبعاد «الثقافة العربية» نفسها، من حيث التصور المثالى لوحدة الثقافة بكافة جوانبها، وفى جميع مواقعها، دون تصور أن مبدأ التنوع والوحدة، يسرى على الثقافات مثله على الآراء، والعادات. وهذا ما نعانيه فى الثقافة العربية نفسها فما بالك بالثقافات الأخري؟.
أول مشكلاتنا إذن هو المفهوم «المطلق» أو المثالى للثقافة كمنتج موحد بين الشعوب العربية أوالأفريقية. ولن نعرض هنا لمشاكل فهم الثقافة «العربية» بين القديم والجديد، أو بين الآسيوى والمصرى والشمالى الأفريقي، ولكنا نجد أن نفس القضايا تحوم بأسلوب آخر حول «المطلق الأفريقي».. وهنا نواجه بداية التعسف فى فصل العربى عن الإفريقى بالجملة، ومع ذلك قد يشمل هذا التعسف أيضا القول بتقسيمات «الزنوجى» فى غرب إفريقيا و»البانتو» فى جنوبها و»النيلى الحامي» فى شرقها، لنصعد إلى السامى والقوقازى فى شمالها! فاذا قدمت من العرقى والجغرافى، فسوف تدخل فى حداثه الفرنكفونية والإنجلوفونية والليزوفونية. وإن كان كل هذا يستدعى مبدئيا الاعتراف بثراء غير محدود، كفيل بتنوير عن شعوب القارة.. غير محدود أيضا.
إذن، أمام هذا التنوع، لا يفيدنا كثيرا أن نأخذ النمط «الثقافى الأفريقي» من هذه المنطقة أو تلك كمفهوم مطلق أيضا، لنقول بتميز «الثقافة الزنجية» بهذه الصفة أو تلك، مما فعله فلاسفة أفارقة بأنفسهم، مثل فلسفه»سنغور» الشهيرة عن «الزنوجة» (النجريتيد)، أو فلسفة» «جمال حمدان «عن «شخصية مصر» أو مقولات «نكروما» عن «الوجدانية»،» وسيكو توري» عن «الشخصية الأفريقية» أو «مفاليلي» عن «صورة الافريقى».. أو عن «العقل العربي» عند «عابد الجابري» فهؤلاء مفكرون «أفارقة». انتقلوا من مدارس الأنثروبولوجيا الكولونيالية إلى مدارس الرومانسية أو المثالية الأفريقية، ليتطور التحليل نسبيا على أيديهم. لكننا نظل أسرى المسافة القائمة للفهم المتنوع عن الثقافات الأفريقية.
ثمه إذن ضرورة للاقتراب بما يتجاوز ذلك بعد كل عقود الرومانسية، إلى مفهوم الثقافة الشامل لأنماط الحياة، ومناهج التفكير والتعليم والفنون، وكوزمولوجيا الإنسان المتنوعة فى القارة، فضلا عن أساليب ومراحل التطور وصلته بتطور الأشكال الاجتماعية أو جمودها، وانماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعارف السائدة.
إن دراسات عن أشكال «الحضور والتحقق» فى الحياة لدى الشعوب الأفريقية المختلفة بل وفئاتها المختلفة، والتى تقدم معنى الثقافة الحقيقى، كفيله بأن توفر لنا الكثير عن الحياة الاجتماعية، وأين يلتقى الشمالى مع الجنوبى أو يفترقا.. إننا قد نعتنى أحيانا عناية خاصة بمنتج «الدياسبورا» الأفريقية فى الأمريكتين، مع أن منتجا آخر ينتشر فى أوروبا، بين من تلاحقهم لعنه «المهاجرين الأشرار»...
وقد ننسى أن ثمَّة ثقافات أفريقية أخرى وصلت البلدان العربية مع الملايين التى استجلبت من أنحاء القارة وبرز من بين أبنائها» عنترة»، «والجاحظ»، وغيرهما، وإذ بنا نتجاهل استمرار الدراسة لتشمل متابعة مظاهر مثل «الزار» الحبشى أو السلم الخماسى والرباعى وآثاره فى الموسيقي، ولابد أن أنوه هنا بدراسات للراحل «عبده بدوي» عن الشعراء السود وحضارة السود.
«الثقافات» الأفريقية بمفهوم التنوع والوحدة، لا تستحضر فقط بعض الفنون الشائعة فى الرقص أو الغناء أو حتى التشكيل، ولا هى أعمال السحر والشعوذة، وقصص الأطفال الساذجة، وانما تستحضر الملاحم الكبرى عن «سونجانا» من مالى و»واجادو» من «السنغال» والفوتا جالون، «والشاكا» من الزولو..إلخ.
وكما نستحضر بالتقدير الدينى التقليدى «عثمان دان فوديو»، «والكانمى» كمجاهدين وإصلاحين دينيين، فإننا لابد وأن نستحضر فى الثقافات والفكر الأفريقى «شيخ انتاديوب»، «وعيسى شيفجى»، «وياش تاندون» مع «سمير أمين» و«مالك بن نبى» و«أميناتا تراوري» و«فاطمة المرنيسى»، وغيرهم، وقد يكون كل من هؤلاء معروفا لذاته، ولكنا للأسف لا نستحضره كنموذج لإسهام الثقافات الإفريقية فى عصر الحداثة والتنوير.
ما أراه من عدم معالجة قضايا «الثقافات الإفريقية»، حتى بمنهج اقتراباتنا الأحدث فى الثقافة العربية، لا أجد له مبررا، مع موجة الاهتمام القائمة «بأفريقيا» كما يصورها الإعلام فى مصر. فثمة قضايا الثقافة الشعبية والرسمية، والموروث والوافد، ومفهوم الغزو الثقافى أو التكامل أو الاندماج أو الانفتاح، مما عانت منه المناطق المسماة بالفرنكفونية مثلا مع الفرنسيين أو الارتباك أمام السواحيلية أو الهوسا إزاء الثقافة العربية، وهى تثير فى مناطقها جدلا مثل ما بين الأمازيغية والعربية فى الشمال الإفريقي. وقد نبدو مع مواقف تحليل هذه القضايا إيجابيين فى شرق أفريقيا، وسلبيين فى شمالها، لعدم القدرة على تأكيد مناهج تفاعل الثقافات والخروج من المركزية العربية الرثَّة فى أحيان كثيرة!
تبقى بعض المشاكل المهمة التى تحتاج لمعالجات مستفيضة مثل التأثير والتأثر بين الثقافات العربية والأفريقية، والتى توضع عادة للأسف فى أطر تسييس البحث فى العلاقات العربية الإفريقية بعد انتقالها من التحرر الوطني، إلى الاقتصاد البترولى والتضامن فى مواجهة الإفقار، إلى العلاقة بالثقافة فيما يسمى «بالقوة الناعمة»!.
كم أود أن توقف البحث العربى عن الثقافات الأفريقية بهذا المنهج مع أننا جميعا نقع بين براثنه لنفسد عمليا أجواء الالتقاء والتفاعل.
وكم فاجأنى وأنا أقلب فى التراث «الثقافى الأفريقى» ما كتبه مفكر راحل مثل «والتر رودنى» عن دهشة الرحالة البرتغاليين والهولنديين فى القرنين السابع والثامن عشر أمام مستوى «التحضر» فى عمران مدينة «بنين» عاصمة مملكتها، وذلك الفرنسى الذى دُهش أمام طلعة «الشاكا» الإمبراطورية، وبالمقابل اندهشت من معالجة «ابن بطوطة» لوجوده فى أرض «مللي» أو مالى القديمة، وعدم فهمه الدقيق لشكل المجتمع ولا السلطة هناك.
وبالمثل يدهش من يقرأ ملحمة «سيف بن يزن» عن تكليف البطل لابنه بإحضار «كتاب النيل» من الحبشة، كمطلع لملحمة شهيرة فى العالم العربي، كتبت حوالى القرن الرابع عشر وفى جو تحارب بالمنطقة، بينما تلفتنا تلك الوثائق من ممالك «كانم برنو» عن صله أصولهم القديمة بسيف بن يزن نفسه القادم من بلاد اليمن فى جو آخر من المودة! أو كيف ترد ملحمة «واجادو» على التفكير الشائع عن إسقاط مملكة «مالى» الإسلامية لمملكة غانا الأفريقية، بينما التطور التفاعلى المعروف أيضا يرد وفق مبدأ «تفاعل الثقافات» لا غزوها المتبادل، مع وعينا بالحالة الاستعمارية الحديثة التى تتطلب مناهج دراسية ومتطلبات أخرى كاشفة بالتأكيد.
وقد واجهت ذلك بنفسى، فى بحث لى موسع عن مخطوطات اللغات الأفريقية بالحرف العربى أو ما يسمى «بالعجمى».. وإذ بى أفاجأ بأنى جمعت عشرات المخطوطات من ست عشرة لغة إفريقية، تعبر عن أحوال معيشية خاصة، مدونة فى لغتها بالحرف العربي، وباستقلالية واضحة عن الاندماج الكامل بالحالة العربية، وإن استفادت منها هذه الثقافة أو تلك كثقافة جديدة قد تكون أوفر تعبيرا عن مشاكل كالتجارة أو الاتصال بالعالم العربى الذى كان صاعدا!.
ها نحن فى صعود جديد للعلاقات، آمل فيه مزيدا من الانتباه لتنوع الثقافات الآفريقية التى نتابع تفاعلها ومن أجل تفاهم إفريقى عربى أفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.