عشر سنوات فقط كان عمره عندما حمل مع عائلته ما استطاعوا حمله من أثاث البيت الكبير ومن ذكريات آلاف السنين التي عاشوها علي ضفاف النيل في قريتهم التي كانت تحتضن وسط بيوتها أعظم المعابد المصرية معبد أبو سمبل الذي حملت القرية اسمه بفخر ما زال يشع من كلمات فكري الكاشف وهو يحكي عن سنوات ما قبل التهجير ...................................................................... سافر فكري ثم عاد ليبني حلمه في اقرب مكان يمكن الحصول عليه من المعبد والنهر اختار أن يقترب من البحيرة التي ابتلعت يوما بيته وأحلامه, صارت البحيرة بمائها الحلو الذي جاء من النهر الصديق تصالح فكري مع بحيرته وبدأ في بناء حلمه بصناعة بيته التراثي الأكثر تميزا. 44 قرية ابتلعتها بحيرة ناصر يوما والاف البشر رحلوا بتاريخهم وقصصهم وجمالهم كانت وراء الحلم..( سكاليه)أو البيت النوبي احد أجمل معالم أبو سمبل قصة حلم لم يكتمل يستحق أن نسمعها وأن نري تفاصيلها المدهشة لرجل يحلم فقط بأن يبني نموذجا لحضارة بشر ضحوا ببيوتهم وذكرياتهم وتاريخهم من اجل الوطن.. هناك علي بعد أكثر من ألف كيلو متر استقر فكري الكاشف في بيته النوبي شديد التميز الذي ظل أكثر من عشر سنوات يبني فيه ويجمع تفاصيله الجميلة, ليصنع منه نموذجا لبيته القديم الذي ابتلعته بحيرة ناصر يوما,, صنع فكري في النهاية متحفا حيا جمع فيه كل تفاصيل ما ضاع يوما اسماه سكاليه وهي كلمة نوبية تعني الساقية.. و في قلب مدينة أبو سمبل لابد أن ينصحك الجميع بزيارة البيت الذي يبدو كبقعة ضوء وسط البيوت الأسمنتية للمدينة الصغيرة في الساحة الواسعة أمام البيت الكبير جلست استمع لفكري الكاشف المثقف والفنان النوبي وهو يحكي قصة( سكاليه) فيقول..: عشر سنوات هي العمر الذي عشته في قريتنا القديمة أبو سمبل قبل أن تغرقها مياه بحيرة ناصر بعد إنشاء السد العالي, كانت قرية أبو سمبل واحدة من44 قرية نوبية ابتلعتها مياه البحيرة وتم تهجير سكانها, وقتها نقلونا إلي مكان لا يمت لحياتنا بصلة قرية صحراوية في الجبل بعيدة عن النهر وبيوت خانقة ليست كبيوتنا الفسيحة لم أتحملها كثيرا, وبمجرد أن تخطيت العشرين عاما سافرت بعيدا كما فعل كثيرون رفضوا تلك البيوت الغريبة والحياة التي لا تشبه حياتنا, قريتي كانت بمحاذاة النهر علي امتداد36 كيلو وكنا فقط6 آلاف إنسان نعيش في براح جميل, وسافرت للخارج منذ منتصف السبعينيات واستقررت في سويسرا وكان والدي قد اسس هناك مطعما صغيرا, ودرست أنا السياحة والآثار وفعلا كانت مشكلة الحفاظ علي الهوية تشغلني تماما وأنا أري أن الثقافة النوبية واللغة تندثر مع الشتات الذي عانينا منه بعد التهجير وكنت أري نفسي آخر جيل ولد علي ارض النوبة القديمة وأن من واجبي أن أحافظ علي ما تبقي من تراث وفي عام1984 عدت لمصر وذهبت لزيارة( نصر النوبة) أو النوبة الجديدة كما كانوا يسمونها لزيارة بعض الأقارب ودعاني صديق قديم يعمل موظفا في المجلس المحلي لزيارة مدينة أبو سمبل الجديدة وكانت في بداية نشأتها مجرد بيوت متناثرة والبحيرة والصحراء, تذكرت فورا قريتي القديمة وقررت أن ابدأ أول خطوة في هذا الحلم وقتها اشتريت ارض البيت ثم تزوجت ولم أتمكن من البناء سريعا فقد اشتريت مساحة كبيرة من الأرض حوالي ألف متر عشر سنوات من الانتظار وثماني سنوات من البناء ظل فيها فكري الكاشف يتردد علي مدينة أبو سمبل أصر فيها أن يكون بيته الجديد نموذجا يوثق فيه لبيتهم القديم ولكل مفردات البيوت النوبية في قريتهم الغارقة, يقول فكري الكاشف: عندما اشتريت ارض البيت عام5891 لم تكن هناك طرق صالحة تربط بين أسوان وأبو سمبل وبعد أن اشتريت الأرض بقليل فتحوا الطريق البري والطائرات كانت تأتي مرة أسبوعيا وتنتظر من يأتون لزيارة المعبد تم تأخذهم ليعودوا مرة أخري إلي أسوان أو القاهرة. لم يكن هناك ما يشجع علي إكمال البناء سوي رغبتي في حفظ تراث أجدادي وكنت وقتها اجمع ما يمكن جمعه من مقتنيات وكتب وشرائط للموسيقي وفي عام6991 قررت أن ابدأ البناء خاصة بعد أن زادت اعداد القادمين لزيارة أبو سمبل في الاحتفال السنوي بتعامد الشمس, وكنت وقتها قد استقررت تماما في مصر وجاءتني فكرة إلا يكون المكان مجرد نموذج للبيت النوبي بل ايضا يقدم هذا النموذج حيا لمن يأتون من مصريين وأجانب, واستغرق بناء المكان حوالي8 سنوات كاملة بيد عمال نوبيين ومن أبناء الجنوب ممن يجيدون بناء البيوت بطريقة القباب التي كنا نبني بها بيوتنا واستخدمت خامات طبيعية تماما من البيئة, لدرجة أن الألوان المستخدمة في تلوين المكان جلبتها من الجبال المحيطة كما كان يفعل أجدادنا تماما ويتم خلطها بالصمغ العربي وتستخدم في تلوين ودهان البيوت وتظل لسنوات بحالة ممتازة نتيجة لجفاف المناخ, في البداية كان تفكيري أن يكون البيت لسكننا أنا وأسرتي زوجتي وأبنائي الثلاثة ثم بدأت أفكر في المطعم خاصة أني درست الفندقة في جنيف وحصلت علي دبلومة بها وزوجتي تجيد تماما كل الأكلات التراثية وطاهية ماهرة بشكل عام فلماذا لا نقدم الطعام لزوار المكان واعددنا فعلا قاعة لتكون مطعما بجانب الساحة الخارجية أمام البيت. ويضيف: لن انسي محافظ أسوان اللواء سمير يوسف الذي دعمني تماما عندما أدرك أهمية ما افعله وفي عام4002 بدأت بالفعل في استقبال الضيوف من الأجانب وكنت قد انتهيت من بناء البيت بشكله شبه النهائي, كنا نتيح للزوار قضاء اليوم في البيت وتناول الطعام والاستماع للموسيقي والأغاني التراثية النوبية, كما قمت بتأسيس مكتبة صغيره بها كل ما يتعلق بالحضارة والثقافة والتاريخ النوبي, حتي العاملون في المكان هم من أبناء النوبة ويرتدون الأزياء النوبية, ولكن ما حدث أن الأجانب الذين كانوا يأتون لتناول الطعام والاستمتاع بالمكان أصبحوا يطلبون قضاء ليلة في البيت وهو ما اضطرني لتحويل غرفه القليلة لغرف فندقية تسمح لهم بالمبيت لدرجة أني تركت البيت أنا وأولادي وانتقلنا لبيت صغير مجاور وأصبح لدينا خمس غرف مجهزة لاستقبال الزائرين, وقتها أدركت أني يجب أن أحقق حلمي الأكبر وهو بناء قرية نوبية كاملة تكون نموذجا مصغرا للقري القديمة وبالفعل تقدمت عام6002 بطلب شراء الأرض المحيطة بالبيت لتكون امتدادا له, ولكن ما حدث أن جهاز المدينة رفض بيع الأرض ولم يقبل سوي بإيجار سنوي لأنهم كما قالوا لي غير مسموح بالبناء لأقل من281 مترا ارتفاعا عن مستوي سطح البحر حتي لا يكون اقل من ارتفاع السد. ورغم اني قمت بتسوية الأرض ورفعها لتكون بالمستوي المطلوب رفضوا أن أتعامل معها بالبناء فقلت أني سأزرعها لتكون جزءا من البيت وبنفس الطريقة حرصت أن تكون بها أشجار النخيل والتوت والبرتقال والحناء التي اعتدنا زراعتها قديما بالإضافة لجزء خاص بزراعة خضراوات البيت التي يتم استخدامها في إعداد الطعام وكذلك حظائر الماشية والطيور وتحولت الأرض التي كانت صحراء لمساحة خضراء شديدة الجمال. وماذا عن حلم القرية ؟ ما زال الحلم قائما وأحارب من اجل تحقيقه فلم يكن هدفي فقط عندما بنيت سكاليه أن يكون فندقا صغيرا ومطعما كما هو الآن رغم سمعته العالمية, فقد كان حلمي أن أحوله لمتحف مفتوح وحي للثقافة والحضارة النوبية كما حلمت بأن يكون مكانا يتجمع فيه أبناء النوبة ليقدموا تراثهم الفني من مشغولات وحلي وملابس وصناعة الفخار وغيرها من الصناعات التقليدية التي أخشي أن تندثر يوما, والمدهش حقا أن مدينة أبو سمبل والتي تمتلئ بأهالي النوبة لم يسع احد لاستثمار هذا اقتصاديا. وما زالت احلم أن يكون المكان يوما مركزا للفن والإبداع وليس مجرد قرية فندقية كما أن المساحة الممتدة علي عشرة أفدنة ستتيح لنا بناء المزيد من الحجرات والأماكن المفتوحة للزوار الذين أصبحوا يأتون لأبو سمبل لزيارة المعبد وزيارة البيت فنحن لنا سمعتنا العالمية لكل عشاق السياحة البيئية رغم صغر مساحة المكان لكنه الأكثر تميزا وهو ما حرصت عليه تماما في كل ركن في المكان, حلمي الآن أن يسمح لنا باستكمال بناء القرية لتستوعب عددا اكبر ولتفتح أبوابها لأبناء أبو سمبل للعمل وللحفاظ علي التراث وتدريب الصغار علي فنوننا وأعمالنا الحرفية حتي لا تندثر يوما.