الجميع يتحدث عن أزمة الدولار فى مصر ، والكل يدلى بدلوه، بحثاً عن حل لتلك المشكلة، الأكثر خطورة، والتى تهدد بتوقف إنتاج، وتخارج شركات وبنوك، وهروب استثمارات. وقد يرى البعض أن الطلب المتزايد على الدولار والذى ظل فترة يحاصر الجنيهات العشرة، ليس له ما يبرره، خاصة فى ظل الإجراءات التى تم اتخاذها للحد من الاستيراد، وقد يرون كذلك أن هناك مضاربات تخريبية ، تقود أسعار الصرف بسوق العملة لمستويات غير طبيعية أو منطقية. هذه المضاربات ترسخ لتواصل ارتفاع أسعار صرف الدولار وباقى العملات العربية والأجنبية، دون أي فرص للنزول. وقد امتد نشاطهم للعاملين بالخارج، خاصة منطقة الخليج، حيث ظهرت خدمة شراء الدولار بأعلى سعر ، وبنظام توصيل الحوالات الدولارية للمنازل. والخوف كل الخوف أن يؤثر هذا الارتفاع (أيا كانت أسبابه) سلبا على غير القادرين ، الذين يدفعون في النهاية فاتورة هذه الأزمة ، بالارتفاعات المستمرة فى الأسعار. وكنت سعيدا بالتصريحات الأخيرة، لرئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، أن مشكلة سعر صرف الدولار فى طريقها للحل، وفق إجراءات محددة لمعالجة هذا الأمر، من خلال برنامج استثنائى لدعم الصادرات، وترشيد فاتورة الاستيراد، وجهود لإعادة حركة السياحة الوافدة لمصر، إلى معدلاتها الطبيعية، وخطوات لزيادة تحويلات المصريين في الخارج، وطرح أوعية ادخارية لهم، لتشجيعهم على الادخار فى الداخل. وبشكل عام، فإننا لا شك أمام أزمة كبيرة، تتطلب بداية الاعتراف بوجودها، فإنكار المرض أكبر أعداء المريض. كما تتطلب ثانياً البحث فى أصل المشكلة، أساس المرض، دور التركيز فقط على العَرض، وضياع الجهد فى أزمات فرعية، هى فى الأساس نتاج لمشكلة رئيسية. فالاقتصاد الناجح لا يعتمد سياسة المسكنات، بل العلاج الناجز ، القائم علي العلم والمعرفة. إننا الآن نواجه تحديات فُرضت علينا، يأتى فى مقدمتها، تزايد العجز فى الموازنة العامة للدولة، وهو التحدى الأول. أما التحدى الثانى فيتمثل فى مواجهة عجز ميزان المدفوعات، بسبب انخفاض حجم الصادرات، وزيادة الواردات، وما يترتب على هذا من آثار، يأتى فى مقدمتها عدم توافر النقد الأجنبى، وقد طالبنا بوقف استيراد السلع الكمالية لثلاث سنوات على الأقل، للمساهمة فى معالجة هذا الخلل. ونقطة البداية، أن نحافظ على صناعتنا الوطنية، ورجالها، من المستثمرين المصريين الوطنين، الذين يدركون دورهم تماماً، في هذه المرحلة الاستثنائية، التى يمر بها الوطن، وسيؤدون واجبهم الوطني، بإيجاد المزيد من فرص العمل، وإقامة المزيد من المصانع والتوسعات، وضخ المزيد من الاستثمارات، وتحسين دخول العاملين، بما يسهم فى زيادة الإنتاج، ورفع معدلات التصدير، وأن نؤكد كذلك الدور الكبير الذى يقوم به القطاع الخاص، فى الإنتاج والتنمية، إذ يوفر فرص عمل ل60% من العمالة المصرية، ويصدر 80% من صادرات مصر، وهو ما يتطلب المعاملة العادلة للصناع المصريين بوضعهم على قدم المساواة مع منافسيهم، لتحقيق القدرة التنافسية، حيث تكلفة إقامة المشروع، وتكلفة تشغيل المصنع، ويتطلب كذلك تصحيح الفهم الخاطئ والمتعمد لسياسات السوق، لأن حرية السوق لا تعنى بحال من الأحوال عدم رعاية الصناعة الوطنية، وفتح الأسواق للمنتجات الواردة، دون أى ضوابط. وحرية السوق لا تعنى بحال من الأحوال، السماح بحالات الإغراق، الأمر الذى ترتب عليه تعثر وتوقف صناعات أساسية، يأتى فى مقدمتها الغزل والنسيج والبتروكيماويات. كل هذه الأطروحات، تقدم بها الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، فى دراسة بعنوان: (برنامج لإصلاح وتنمية الاقتصاد المصرى) والتى جاءت ثقة فى شخص الرئيس القائد، وإيمانه العميق بأن مصر تستطيع أن تحقق ما تتمناه، فى ظل توافر عناصر متعددة للنجاح أهمها الاستقرار المتحقق، وتوافر فرص الاستثمار، وحجم السوق، واستكمال خريطة المستقبل ببرلمان منتخب. واعتمدت الدراسة على البحث فى أصل المشكلات، ومواجهتها بحلول قوية، كما اعتمدت على ثلاثة محاور: الدراسات المتخصصة للاتحاد، والإحصاءات الرسمية، وتجارب الدول التى مرت بمثل ظروفنا الاقتصادية، وتمكنت من الخروج من أزمتها. كلنا أمل أن تتكاتف الجهود، ونعلى المصلحة الوطنية، وندقق فى المشكلات، ونبحث عن الحلول القابلة للتنفيذ، بالطرق العلمية. هذا هو السبيل لحل مشكلاتنا، ومنها مشكلة الدولار. لمزيد من مقالات محمد فريد خميس