قد يندهش كثيرون إذا عرفوا أن زهاء 60% من حالات التسمم الغذائى للإنسان ، تحدث من تناول أغذية يتم إعدادها داخل المنزل وليس خارجه، وهذا الوضع غير مقصور على الدول النامية، لكنه ينسحب أيضا إلى الدول المتقدمة، ويرجع ذلك إلى إغفال كثير من ربات البيوت أمورا تبدو لديهن بسيطة، لكنها فى واقع الأمر جد خطيرة، ونذكر منها على سبيل المثال أن الاحتفاظ بالأغذية بعد الطهو خارج الثلاجة يؤدى إلى نمو وتكاثر الميكروبات بمعدل كبير، وكذلك استخدام لوح التقطيع نفسه أو السكين فى تقطيع الدجاج (ويكون ملوثا غالبا ببكتيريا السالمونيلا)، وأيضا تقطيع الخضراوات الطازجة التى تستخدم فى السلاطات، ولأن الدجاج يعرض للحرارة فإنها كفيلة بقتل السالمونيلا الملوثة له، فى حين أن السالمونيلا التى انتقلت من لوح التقطيع أو السكين إلى الخضراوات تظل بها، وتسمى هذه الحالة «التلوث الانتقالي»، لذا فلابد من غسل لوح التقطيع والسكين جيدا بالماء والصابون بعد استخدامهما فى تقطيع الدجاج.أيضا وجود حيوانات أليفة بالمنزل يعد مصدرا للتلوث بالميكروبات والطفيليات، ووجود جروح أو دمامل بأيدى من يقومون بالطهو، وعدم غسل الأيدى جيدا بالماء والصابون قبل إعداد وطهو الطعام، وملامسة النقود أو الأنف أو الفم أو المصافحة باليد فى أثناء إعداد الغذاء دون غسل اليدين.. كل ذلك يؤدى إلى التلوث. وتتعدد ملوثات الأغذية، فمنها الميكروبية (البكتيريا الفطريات أو الأعفان الفيروسات)، ومنها الملوثات الكيماوية (بقايا المبيدات العناصر المعدنية السامة كالزئبق والرصاص والكاديو والزرنيخ)، كما أن هناك الملوثات البيولوجية من بقايا ومخلفات الحشرات والحيوانات، بالإضافة إلى الملوثات الإشعاعية، وثمة حقيقة مؤكدة، ألا وهى أن التسمم الغذائى يحدث فى كل مكان وزمان، إلا أن الدول المتقدمة تعلن بمنتهى الشفافية عن كل حالات التسمم الغذائى التى تحدث بها، وما إذا كانت حالات فردية أو أنها تمثل انتشارا، مع تصنيف حالات التسمم تبعا للمسببات، وتحديد عدد الحالات التى تم إسعافها بالمستشفيات دون حجزها، وعدد الحالات التى تم حجزها للعلاج، وتستخدم هذه الإحصاءات فى عمليات رصد وتحليل وتكرارية حالات التسمم وترجمتها إلى خسائر بالأرقام، وذلك للعمل على الوقاية منها مستقبلا، وهناك مركز لرصد حالات التسمم فى الولاياتالمتحدةالأمريكية لحظة حدوثها، وهو مركز CDC، ويعنى رصد الأمراض والوقاية منها. وعلى النقيض منها فإن الدول النامية من بينها مصر تتعامل مع حالات التسمم الغذائى باعتبارها أمرا يمس الأمن القومي، فتحاول الجهات المسئولة قدر استطاعتها التعتيم، بل وتدليل أمراض التسمم الغذائى بإطلاق اسم «أمراض الصيف» عليها، وكأن حالات التسمم الغذائى لا تحدث إلا فى الصيف، وبالطبع فإن معدل التسمم الغذائى فيه أعلى نظرا لارتفاع كل من درجة الحرارة، ونسبة الرطوبة، مما يوفر فرصة أفضل لنمو وتكاثر الميكروبات، ولاشك أن سياسة التعتيم هذه تزيد الأمور سوءا، وتؤدى إلى تفاقم الوضع، لأن الناس لا يأخذون حذرهم بشكل كاف لأنهم لا يعرفون أن هناك مشكلة. وتعتبر الكائنات الحية الدقيقة «الميكروبات» من بين الأسباب الرئيسية لفساد الأغذية، حيث إنها تؤدى إلى تغيير بعض الصفات الحسية للغذاء (اللون الطعم الرائحة القوام)، وتعتبر مثل هذه التغييرات بمثابة جرس إنذار للمستهلك ينبهه إلى أن هذا الغذاء قد لا يكون آمنا للاستهلاك الآدمي، كما توجد أحياء دقيقة تسبب أمراضا للإنسان والحيوان، وأخرى تسبب التسمم الغذائي، أما بعض الفطريات الملوثة لأغذية الإنسان وعلائق الحيوانات فقد تكون مصدرا لسموم خطيرة جدا تعرف بالسموم الفطرية (الميكوتوكسينات)، مثل الأفلاتوكسينات والأوكراتوكسينات، وهى تصيب الإنسان بأمراض خطيرة حتى ولو وجدت بتركيزات متناهية الضآلة تقدر بالأجزاء فى المليون (الجزء من المليون = 1 ملليجرام، أى واحد من الألف من الجرام لكل كيلوجرام). ويمكن السيطرة والحد من الأحياء الدقيقة المسببة للتسمم الغذائي، وتلك الممرضة للإنسان، أو التى تؤدى إلى فساد الغذاء بأربع وسائل هي: 1 تقليل أو منع وصول هذه الأحياء الدقيقة للغذاء، وذلك عن طريق تحسين الظروف الصحية لإنتاج وتسويق وإعداد وتخزين الغذاء. 2 إزالة هذه الأحياء الدقيقة من الغذاء طبقا لنوعيته (مثل غسيل الخضراوات والفواكه الطازجة بالماء، أو مع وجود الصابون، أو بواسطة محاليل مطهرة منخفضة التركيز كالبرمنجانت). 3 تأخير وإعاقة نمو الأحياء الدقيقة الضارة بالإنسان والغذاء عن طريق استخدام طرق حفظ الغذاء، مثل التبريد، والتجميد، والتمليح، والتخليل، والتسكير، وإضافة المواد الحافظة. 4 قتل أو تحطيم الأحياء الدقيقة الضارة، وذلك بالتسخين أو البسترة أو التعقيم التجارى (التعليب). د. محمد محمود يوسف سكرتير عام الجمعية العلمية للصناعات الغذائية