ظلت الأدبيات التى تناولت تقييم أداء جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية، تركز على أربعة محاور رئيسية، تتعلق بتحدى البقاء والاستقلال والإنجاز والتطوير، ورغم نجاح الجامعة فى مواجهة التحدى الأول، لكنها تعثرت وفشلت فى تحقيق الثانى، والاقتراب من الثالث وبلوغ الرابع.. فقد استطاعت الجامعة البقاء فى ظل أزمات داخلية عربية وأوضاع إقليمية سائلة. غير أن الجامعة العربية لم تساعد الدول فى الحصول على الاستقلال عن الاستعمار، ويعود الفضل فى ذلك لأدوار حركات التحرر الوطني، ولم تنجح الجامعة فى حماية الأمن القومى العربى أو تحقيق التكامل الاقتصادى البيني، إذ أن تسوية النزاعات أو الصراعات العربية - العربية، وفقا لشيخ الدراسات العربية د.أحمد يوسف أحمد، تمت بجهود ثنائية أو من خلال آليات دولية ممثلة فى منظمة الوحدة الإفريقية أو الأممالمتحدة. كما يحدث التبادل التجارى العربى عبر وسيط «أوروبي». لذا، سادت بعض التحليلات التى ترى أن ضعف فاعلية الجامعة العربية يبرر عدم جدوى بقائها إلا فى حال التفكير فى آليات جديدة تقوى من مناعتها وتجعل الجامعة «سيدة قرارها». بعبارة أخرى، إن محدودية إنجازاتها لا يعود إلى الجامعة ذاتها أو شخص الأمين العام بل إلى تواضع التزام اعضائها بالعمل العربى المشترك ومتطلباته. من هذا المنطلق، تخصص صفحة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلين مكملين لبعضها، إذ يرجح د.محمد عزالعرب الخبير بوحدة الدراسات العربية والإقليمية ومدير تحرير التقرير الاستراتيجى العربى بالمركز خيار التوافق بين مصر والدول العربية على منصب أمين عام جديد للجامعة العربية، وهو يعود إلى جملة من الاعتبارات، التى تتمثل فى الارتباط العرفى بين شخصية الأمين العام ودولة المقر، والاستعداد المبكر للدولة المصرية لحسم هذا الملف، وعدم وجود رؤية جماعية خليجية لترشيح منافس للمرشح المصري، وعدم رغبة السعودية فى الدخول فى قضايا خلافية مع مصر، واحتمال كبير لوجود تفاهم بين القاهرة والدوحة بشأن ترتيبات شغل المناصب فى المنظمات الإقليمية والدولية، وخفوت الدعوات العربية الرامية إلى تطبيق نظام المداورة بين الدول الأعضاء.. فالدول لا تختار الأمين العام بناء على اعتبارات الكفاءة الشخصية للمرشح وإنما طبقا لعلاقات الصداقة والتحالف أو الخلاف والمواجهة مع الدولة التى ينتمى إليها، وهو ما برز جليا فى خلافة السيد عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، لكنه نمط لا يرجح حدوثه فى خلافة د.نبيل العربى الأمين العام الحالى للجامعة، لأسباب تتعلق بالدولة المصرية ومرشحها والدول الأعضاء معا. ويرى أ.محمد عباس ناجى الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية ورئيس تحرير دورية «مختارات إيرانية» بالمركز أن مستقبل جامعة الدول العربية يتمثل فى خيارين إما التطوير الذاتى المؤسسى أو البقاء الهش، لاسيما مع بروز عدة متغيرات تدفع فى اتجاه مراجعة الدور المؤسسى للجامعة منها تزايد النمط الصراعى فى التفاعلات العربية البينية، سواء للخلافات الحدودية أو انعكاسات الثورات الشعبية أو توازنات القوى الاستراتيجية واتساع نطاق التعامل مع الأزمات الإقليمية، وتنامى التهديدات التقليدية وغير التقليدية و"فوق التقليدية" على غرار انتشار وتمدد التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، بعد تراجع دور الدولة الوطنية والحكومات المركزية وانتشار ظاهرة «الحدود السائلة» فى مرحلة ما بعد اندلاع الثورات العربية، وتزايد تأثير الفاعلين من غير الدول، الذين تحول بعضهم إلى أرقام مهمة لا يمكن تجاهلها فى خريطة التفاعلات العربية، لاسيما فى ظل ارتباطهم بقوى إقليمية تسعى إلى التحول لطرف رئيسى فى الملفات الإقليمية المختلفة. فضلا عن تصاعد نمط التدخل الدولى فى الأزمات الإقليمية، وخاصة السورية والليبية، بحيث تحولت القوى الدولية إلى أطراف شرق أوسطية، وهو ما يطرح تحديات كبرى على أداء جامعة الدول العربية فى المرحلة المقبلة.