شهد سعر الجنيه انخفاضا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة الماضية ، وبات يرتبط تقدير قيمته ارتباطا وثيقا بالدولار، ورغم انهيار قيمة الجنيه أكثر من مرة منذ اصداره عام 1836 ، فإنه شهد تدهورا سريعا حتى صار الدولار الواحد الآن يزيد على التسع جنيهات وهوما انعكس بدوره على القوة الشرائية للجنيه ومن ثم القدرة الشرائية للمواطن من السلع والخدمات ,كما أن نهج الحكومة المصرية تجاه سعر الصرف يولد العديد من المشكلات، ويحمل الفقراء المزيد من الأعباء المعيشية وارتفاع الاسعار واختفاء المواد الغذائيه والادويه. والغريب فى الأمر أن كل دولة من دول العالم لها عملتها الخاصة بها التى يتعامل بها الجميع سواء المواطنين أنفسهم أوالأجانب ما داموا على أراضيها ، إلا مصر التى تتيح التعامل بالعملات الأخرى المختلفة سواء الدولار أواليورو بل تدفع رواتب بعض العاملين من العاملين الأجانب بالدولار وليس بالجنيه، ومن هنا ، تناقش قضية هذا الأسبوع أزمة تراجع قيمة الجنيه للكشف عن أسبابها والحلول المقترحة لاستعادة مكانته اللائقة. لا يتطلب الأمر أن تكون خبيرا اقتصاديا لتعلم عن يقين أن الجنيه المصرى اصبح فى حاله يرثى لها ولا تحتاج أن تفسر المفاهيم الأقتصادية والتعبيرات المالية من نوعية تعويم الجنيه والقوى الشرائية والإصدارات الورقية وغيرها لتتأكد أن الجنيه الأن لا يساوى نفس الجنيه الذى امتلكته العام الماضى اما محاولات الانقاذ فتتطلب مشاركة الجميع فوفقاً لخبراء الاقتصاد يعد الانتاج والتصدير وتقليل الواردات أهم الحلول الناجية لتلك الحالة. وحول كيفية استعادة الجنيه توازنه تقول الدكتورة يمنى الحماقى استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس ازمة الجنيه المشخصة بالفعل موضحه أن تحديد سعر الجنيه المصرى يرتبط بالعرض والطلب على الدولار الذى تتنوع مصادره بين تصدير المنتجات والسياحة ودخل قناة السويس والاسثمار الاجنبى المباشر فى مصر وتحويلات المصريين فى الخارج ويأتى الاستيراد من الخارج كسبب رئيسى لزيادة الطلب على الدولار. والحل كما ترى الحماقى فهو زيادة الانتاج قائلة :» طالبنا من سنوات عديدة ومن قبل ثورة يناير بتعميق التصنيع المحلى ولكن يبدو أن الأجرءات حينها كان حبر على ورق» السعر الحقيقي وتصف الحماقى الصناعة فى مصر «بالعرجاء» حيث تعتمد على الاستيراد من الخارج فى كل مدخلات سلسلة الصناعة بل أن سلاسل القيمة نفسها ليست متصله أومتسقة وتتخذ استاذ الاقتصاد من صناعة الملابس الجاهزة مثلا موضحة أن مكونتها تتمثل فى الغزل والنسيج والقماش ثم تفصيل القماش ثم المكونات المكمله وغيرها فجزء كبير من تلك المكونات يتم استيراده من الخارج بل الأهم هى الأجهزة والماكينات التى يتم استيرادها بالكامل من الخارج ,رغم ان البعض لديه القدره على انتاج تلك الماكينات ولكنهم لم يتلقوا تشجيع من الدولة ,فارتبط الانتاج بالاستيراد يزيد الطلب على الدولار بشكل مستمر وقد تزامن ذلك مع انخفاض فى عرض السياحة وهروب ما يصل لنحو19 مليار دولار من تحويلات المصريين للخارج التى لم تعد تصل بشكل كبير عن طريق البنوك بسبب شراء السماسرة لها. وقد تحول الدولار كما ترى استاذة الاقتصاد إلى سلعة فاصبح الطلب عليه فى السوق السوداء بغرض المضاربة للبيع والربح وبالتالى فإن سعر السوق السوداء ليس السعر الحقيقى للدولار لان العرض والطلب وهميان! اجراءات متكاملة وفى الخارج بعد رفع كافة القيود على الايداع والسحب بالدولار، وقد بدأت بعض الاجراءات بالفعل منها طرح سندات دولارية للمصريين فى الخارج اما الاجراء الثانى فهو زيادة المعروض من السياحة فلا يوجد اجراءات عملية لعودة المنتج السياحى فالدور الأن على وزارة السياحة لتحقق الأقبال بعد أن تحقق تقدم كبير فى الملف الامنى وليست وزارة السياحة وحدها فنحتاج أن تعمل وزارة النقل على تحقيق الامان على الطرق فلن يأتى سائح إلى دولة تكثر فيها حوادث الطرق كذلك لابد من حل مشكلة القمامة لعودة المظهر الحضارى لشوارع مصر. اما الصادرات فهى منجم للعملة الصعبة وبخاصة الصادرات الصناعات الحرفية والسلع الزراعية من فواكة وخضروات مجمدة تستطيع أن تجد سوق رائجا فى دول شرق اوروبا ولكن تلك الصناعات تحتاج لحل المشاكل التى تؤثر على تنافسيتها مثل فرض الكثير من الضرائب والرسوم وتستكمل قائله :» علينا أن نفتح الباب للأولويات لتحريك الاقتصاد ثم نضع الضرائب والرسوم وغيرها» وتتفق معها فى الرأى الدكتورة عالية المهدى استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وترى أن إنقاذ الجنيه يبدأ بإتقان العمل والحرص على الإنتاج بجودة فائقة فالأهمال وعدم الأتقان فى مصر الذى يؤدى بدوره إلى زيادة الاستيراد وقلة التصدير فالدول القوية يكون وضعها الأقتصادى عكس ذلك وبالتالى تنخفض قيمة الدولار امام عملتهم. وتوضح أن قيمة العملة تتحدد بحجم العرض والطلب وذلك الاخير يتراجع بالنسبة للجنية المصرى فكثيرا من المواطنين يفضل حفظ امواله فى شكل ذهب أوقطعة ارض أودولارات حفاظاً على قيمة ممتلكاته وهذا التراجع فى الطلب على العملة يؤدى إلى انخفاض قيمتها وايضاً انخفاض قدرتها الشرائية التى تتضح من خلال السلع التى يستطيع شرائها الجنيه الواحد وهوما يلمسه جميع المواطنين. كما أن هناك بعض الإجراءات التى قد تؤدى إلى زيادة معدل التضخم بشكل كبير جدا ومنها الإصدار النقدى للعملة والذى يعنى طبع عملات من دون ربط هذا الإجراء بمعدل النمو والانتاج وتفسر استاذ الاقتصاد عملية طبع النقود أوما يعرف بالأصدار النقدى وفقاً لمعدل الانتاج فإذا كان الأنتاج 4% يرتفع الاصدار النقدى إلى 6% اصدار جديد» وتشدد علي ضرورة تحرى الدقة فى المفاهيم الأقتصادية فبعض الناس تقول أن معدل الإصدار هو معدل النمو زائد معدل التضخم وهذا غير صحيح لان هذا يخلق دورة تضخمية كبيرة جدا تنتج ضرر رهيب على المواطن وارتفاع كبير فى الاسعار ويتفق الدكتور فرج عبد الفتاح استاذ الاقتصاد على ما سبق مؤكدا أن كلمة السر هى الأنتاج والأتقان فتشجع الانتاج المحلى والتنوع فيه بحيث يفاضل المواطن بين المنتج الوطنى والمنتج الاجنبى وبين مواصفات السلعه وغيرها يدعم قيمة الجنيه المصرى فالاهتمام بنوعية الانتاج ومواصفاتها الفنية هو علامة جودة للمنتج الذى هو مصدر للعملات فالعالم الأن يشهد التنافسية فى اوج نشاطها وبالتالى يزداد الطلب على الدولار الذى يطلب لاغراض سداد قيمة المنتجات الاجنبية. دور المواطن وللحفاظ على قيمة الجنيه وإنتعاشه ليس دور الحكومة وحدها وليس بالأجراءات الاقتصادية فقط فعلى المواطن دورا اساسيا كما قال الدكتور عبد الرحمن عليان عميد معهد الاقتصاد الاسبق قائلا:» اى مواطن له دور فى تحسين الاقتصاد القومى وتحسين العمله إما من خلال زيادة حجم الأنتاج وزيادة حجم الاستثمار عن طريق زيادة الادخار» فالمواطن له دور هاما فى الادخار الذى لا يعنى فقط ادخار الأموال أو استثمارها ولكنه يعنى ايضا عدم انفاقها فى سلع غير نافعه ولا تمثل انتاج ويقول :»يدخن الشعب المصرى سجائر ب30 مليار جنيه تنفق فى الهواء ومثلهم ينفق على الموبايلات والمخدرات بل أن كثرة الانجاب تكلف الدولة اعباء يمكن توفيرها بتنظيم الاسرة !!» وهذه الأموال يمكن توفيرها عن طريق رفع وعى المواطن فالحفاظ على العملة عمل متصل بين عدة دوائر اقتصادية واجتماعية وسياسية واعلامية علاقة الإنتاج بالسوق ويقول الدكتور إيهاب الدسوقى رئيس قسم الاقتصاد بجامعة السادس من أكتوبر: لاشك أن الحكومة فى حقيقة الأمر تقوم بتقليل الطلب على الدولار وفى الوقت نفسه تأتى العملة الصعبة من الإستثمار الأجنبى والسياحة والصادرات والتحويلات للمصريين بالخارج وقناة السويس وبالتالى على الحكومة أن تقوم بجهود كبيرة لزيادة هذه المصادر لأن تحجيم الطلب لم يوقف زيادة العرض من الدولار وأى ارتفاع فى سعر الدولار يؤدى إلى ارتفاع الواردات مما يؤدى إلى رفع الأسعار فى السوق المصرى .لذا فلابد من إصلاح اقتصادى حقيقى وجذرى لجذب العملات الأجنبية والوصول إلى حل دائم، وليس حل مؤقت للمشكلة، وهو الإنتاج . فى حين يرجع الدكتور تامر ممتاز الخبير الاقتصادى المشكلة إلى عدم قدرة المشروعات العملاقة على استيعاب كل أفراد الشعب، والتى تتطلب تمويلا كبيرا، وتعمل فى مجالات أخرى مربحة، ولا تقوم بتغطية مجالات أخرى أقل ربحا، ولا توجد قنوات اتصال بين الدولة، وبين القطاع الخاص لتوفير المعلومات المطلوبة للجميع لتكامل الاستثمارات وعزوف البنوك عن تمويل الأفراد ما لم يوجد حد أدنى من جدوى المشروع ووجود الضمانات المطلوبة، وإهمال الطاقات العاطلة فى قطاع عريض من المجتمع،فلابد من الاهتمام بالاقتصاد الكلى المتمثل فى الإجراءات والسياسات المالية ودراسة الدخل القومى والناتج المحلى والإدخار والضرائب دون الاهتمام بقضايا الاقتصاد الجزئى للشركات والأفراد ودراسة الموارد وندرتها والسلع المكملة والبديلة لبعضها والميل الحدى للاستهلاك، وتأثير ذلك على العرض والطلب وتغير الأسعار، كما أن هناك قطاع كبير اهتم بالبحث عن المشروعات العملاقة، على الرغم من أنها تتسم بالحجم الكبير، ولا تستوعب إلا أعداد قليلة ومهارات متخصصة، وتنخفض هذه الأعداد بتحديث هذه المشروعات للتكنولوجيا،فتنخفض العمالة، وتستبدل بالكمبيوتر. فهناك أربع عناصر لابدمن توافرها فى مراحل الإنتاج لكى يستمر، وهى الأرض ورأس المال والعمالة والتنظيم، وإذا توافرت هذه العناصر معا تنجح عملية الإنتاج التى من خلالها تقوم الحكومة بتصدير منتجاتنا للخارج وزيادة جلب العملة الصعبة .