لم يؤمم الاتفاق- الذى توصل إليه منذ أيام فى بروكسل دافيد كاميرون مع قادة الاتحاد الأوروبي- احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد، لا بل أرى أن ذلك الإتفاق- بالذات- ربما يكون خطوة على طريق انفصال بريطانيا، وبخاصة إذا وضعنا فى الاعتبار اتساع دائرة «المتشككين» البريطانيين فى الوحدة الأوروبية والذين تعددت تصريحاتهم المناهضة فى مروحة واسعة شملت معظم اتجاهاتهم. الاتفاق أعطى وضعا متميزا لبريطانيا سواء ببقاء عملتها الوطنية (الإسترليني) أو بإعفائها من دفع إعانات اجتماعية لجحافل المهاجرين إليها (جزء كبير منهم ينتمى لأوروبا الوسطى والشرقية)، كما أعطى الاقتصاد البريطانى هامش حرية فيما يتعلق ببعض القواعد السوقية والمصرفية. ومن هنا فإن الاتفاق سيثير حفيظة بعض الدول الأوروبية التى لا يسعدها أن تكون بريطانيا فى وضع مميز وستضغط- مستقبلا- أو لتحصل على مزايا مماثلة، وإما لتعديل ما حصلت عليه لندن من فوائد. أما فى داخل بريطانيا فإن الانقسام شديد هذه المرة، وهو لا ينحصر فى مجموعة سياسية داخل حزب المحافظين- كما حدث فى أواخر عهد جون ميجور- ولكنه يمتد ليشمل كثيرا من الأحزاب، وعلى نحو ينذر بأن الرأى العام البريطانى ربما لن يصوت لصالح البقاء فى الاتحاد الأوروبى فى الاستفتاء المزمع عقده فى 23 يونيو المقبل، لابل وراحت الساحة السياسية الداخلية البريطانية تموج بطروح تتعلق بالأوضاع التى ربما تلى رفض البقاء ضمن الإتحاد مثل طرح صيغة سويسرا (التى هى دولة أوروبية غير عضو فى الإتحاد وصادراتها فى معظمها إلى أوروبا)، أو تهديدات الحزب القومى الإسكتلندي- على لسان زعيمه نيكولا ستيرجون أو السابق أليكس سالموند بأن يعيد الحزب طرح فكرة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا من جديد إذا لم تبق بريطانيا داخل الاتحاد، يعنى بقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى سيؤدى إلى تجاذب بين دوله، وخروجها منه سيفضى إلى تضاغط بين أقاليمها الاربعة، الأمر الذى ربما ينتهى بتفككها الكامل، إذ ان خروج اسكتلندا سيؤدى إلى مطالبات شبيهة فى ويلز وأيرلندا، لابل ربما فى إنجلترا نفسها. كل تلك الاحتمالات ينبغى أن تشغل الخبراء والباحثين فى مصر من زاوية تأثيرها على المصالح المصرية بدلا من الاستغراق فى سخائم الوضع الداخلى وجهالات جهابذة أراجوزات التوك شو. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع