افتتح الفنان «سليمان نجيب» كتابه «مذكرات عربجي» بمناشدة هذا نصها : "إلى الأستاذ فكري بك أباظة سيدي الأستاذ النابغة محسوبُك كاتب هذا الأسطى حنفي أبو محمود من كان له الشرف أن يُقِلَّكَ في عربته مرارًا، إما منفردًا أو مع زمرة من إخوانك ومحبيك، يرجوك ويتوسل إليك أن تكتب له كلمة صغيرة يضعها في مقدمة مذكراته التي ظن بعضهم أنها جديرة بالنشر. وأنا لا أرجو ولا أتوسل إلا لأني من المعجبين بقلمك وأدبك، وأنك باعتراف الكل الكاتب الذي تَقرأ كتاباته كلُّ الأفراد بلهف وشغف، وأستصرخ ديمقراطيتك أن تحنَّ على حوذيِّك بكلمة تجعل لهذه المذكرات قيمة « التوصيلة » إنك كريم يا أستاذ، طالما جُدت عليَّ بضِعف ما أستحقه، لأن نظرك البعيد يرى أن بجانب أكل البهايم أكل العيال، ومن كان من أخلاقه الكرم والبحبحة فلا أظن أن يضن على حوذيِّه القديم بما يطلبه، أبقاك لله وجعلك ظلٍّا لأمثالي المساكين الغلابة، وأنا يا سيدي عبدك المطيع المخلص. حنفي أبو محمود 18 رمضان سنة 1341ه ( 1922 م ) . فرد عليه الكاتب فكري أباظة بهذه المقدمة : « عزيزي الأسطى حنفي أشكرك كل الشكر على حسن ظنك بي، وما كان الأمر يحتاج إلى« الطلب » يا أسطى، كان يكفي أن تأمر فنجيب، لأن لك علينا « أفضالًا» لن ننساها؛ لأنك لست حوذيٍّا فقط، بل أنت« فيلسوف » والفلسفة مبجَّلة في حدِّ ذاتها، برفع النظر عن حيثية المتصفين بها! حقٍّا، إني لأكتب بعواطفي، لا أتكلف ولا أتصنَّع، فدعني أهنئك من صميم فؤادي، ولو كان كرباجك كقلمك لفاخرنا بك أعظم الأسطوات في جميع القارات! تتبعت كلماتك كلها، وكلما قرأت واحدة استفزني الشغف بأسلوبها إلى انتظار الأخرى على أحرِّ من الجمر، فرأيت « خفة الروح » تنساب بين السطور انسيابًا، ورشاقة العبارات تتدفق تدفقًا، فلما أخذتني الغيرة من ذلك الابتكار والتفنن؛ واسيت نفسي قائلًا إن الأسطى حنفي لم يأتِ بشيء من عنده؛ لأن » هذه« نفثات » الأنفاس بلا جدال، وهو مشغول « بالكرِّ » نهارًا وليلًا، « وبالشدِّ » صباحًا ومساء، ومن كانت هذه أدواته وحواشيه فمن يستطيع أن يماشيه؟!”. « يمينًا »يا أسطى، لست أحابيك ولا أداجيك، إنما أقرر الواقع، لقد « لذعت » بكرباجك العظيم ظهور المتهتكين والمتهتكات، المتحذلقين والمتحذلقات، وقديمًا كان الكرباج أداة التهذيب والتأديب، ولكن كرباج العهد الغابر كان يسيل الدم ولا يجرح النفس، أما كرباجك أنت فلا يُسيل الدماء، ولكن يجرح النفوس، ونحن إنما نريد معالجة الأرواح لا الأبدان، فشكرًا لك يا طبيب النفوس. لا تفكر كثيرًا في الأزمة يا أسطى، ولا تطمع، وما دام علفك وعلف أولادك ومواشيك موجودًا فاحمد لله، وما دمت فليسوفًا فليكن جيبك« فاضيًا » كقلبك، ألا تعلم أن من تصدى لتهذيب الجمهور وجب أن « يدوسه الجمهور »؟ انظر « يمينك وشمالك » بسكوت، وطبِّق »النظرية تجدها صحيحة، « فسِرْ »في طريقك هادئًا، ولا تجمد في « موقفك » وأسمعنا « طرقعة كرباجك » فقد اختفى صوته من زمن بعيد، ولكن حذار أن تدفع أو «تجمح » فتكون التوصيلة « للواحات »! أيْ عزيزي الأسطى: إن أمة حوذيَّتها مثلك لجديرة بأن « تركض » ركضًا، و«تربع » إلى مطامعها لا تلوي على شيء في الطريق. إني لفي غاية الشوق إلى كتابك فهيا و« حضِّر »، الملازم بسرعة فينتفع الجمهور، وأنا في انتظارك فلا تتأخر علي. فكري أباظة المحامي حاشية: طيه « اللي فيه القسمة » أرجو قبوله مساعدة في الطبع. فكري وصلني المبلغ، قدها وقدود يا «سي فكري»، مش جايب الكرم من بره، والعرق دساس يا أستاذ. محسوبك حنفي. وأصل الحكاية أن الفنان «سليمان نجيب» ( 1892 1955) اهتدى سنة 1919 إلى فكرة «تدوين يومياته» في شوارع المحروسة، وضواحيها، وكانت تعتبر وقتها فكرة جديدة، وطريفة جدا، ومثيرة لإعجاب وشغف طبقات المجتمع المصري على اختلافها، ونشرها مسلسلة على صفحات «مجلة الكشكول»، وحازت تلك الحلقات تفاعلا كبيرا بين القراء، ومسئولي المجلة، حيث يرد «الاسطى حنفي» على أحد الأدباء مرة، ومرة ثانية يرد على قراء، و ينوب عنه محرر المجلة في الكتابة لإصابته في حادث، وجاء في «الكشكول»: «نحن نأسف كل الأسف لما حلّ ببطل الحوذيين الأسطى حنفي، ونبتهل إلى الله أن يمن عليه بالشفاء العاجل، وأن يعاود كتابة مذكراته، فيخدم القرّاء بقلمه لا بكرباجه». وقد حاول «سليمان نجيب» تلخيص مشاكل عصره بسلاسة وتشويق، وأغلب المشاكل التي تناولها، وسخر منها لا تزال موجودة إلى وقتنا الحالي، مع أنه كتبها في عشرينيات القرن العشرين، أي منذ حوالى قرن تقريبا، وما زلنا نراوح في مكاننا نفسه، ومشاكلنا عينها، وربما تعقدت أكثر من ذلك الوقت. وقد قام الفنان «نجيب» بطبع كتابه عام 1922 بعنوان «مذكرات عربجي». وقدمه الكاتب «فكري بك أباظة»، وفيه ابتدع الفنان شخصية «الاسطى حنفي» صاحب وسائق الحنطور، ليعبر من خلالها عن كل تحولات المجتمع المصري، وتبدلاته الكبرى إبان ثورة 1919، وهي تشبه إلى حد كبير ما جرى بعد «ثورة يناير»، وفي استهلالة مذكراته قال على لسان «المعلم حنفي» : «وقد تمكنت عن طريق مهنتي أن أطلع على أسرار كثيرة منها المضحك ومنها المبكي، بل لقد شاهدت من الروايات التي تمثل كل يوم أمامنا ما هو حقيقي، ليس للوهم أو الخيال أثر فيه، ومحادثات «تزانيق وخلافه» كنت مجبرًا على سماعها. وكثيرًا ما كان يودي بي انتباهي لسماع ما يدور داخل العربة من حديث مسموع، وحديث صامت، وهذا الحديث الأخير ينتهي عادة« بطرقعة » بسيطة هي نتيجة تقابل العيون والأنف وما تحتهما، وأن هذه الحوادث مثَّلها في عربتي أشخاص كثيرون من الجنس الخشن والجنس اللطيف، وآه وألف آه أيها القارئ من هذا العنوان الذي يضم تحته «الملايات اللف والحبر والمناديل الإسطمبولي والمنتوهات والبرانيط» وولله لقد شاهدت عيناي من فصول رواياته الممتعة ما كان ينسيني في بعض الأحايين نفسي، وتكون النتيجة مخالفة «وكُعّ يا حنفي ». وبما أن عربة الواحد منا «كبرج بابل» طالما امتطاها الآلاف، فقد تعودت بنظرة واحدة للزبون أن أعرف قيمته الأخلاقية، وبما أن حكمي هذا أصدرته عن تجربة واختبار، فاقرأه — أيها القارئ — بعين العظة واسمعه بأذن الاعتبار: فكم راكب في المركبات تَجرُّه ولو تنصف الأيام كان يُجرَّها وإليك أيها القارئ العزيز أصناف الزبائن المختلفة، فقد يحدث في بعض الأحايين أن ألتفت فأرى زبوني جالسًا مستقيمًا، كأنه ينتظر حكم القاضي عليه مصوبًا نظره إلى آخر سترتي، فأحكم عليه أنه ركب عربة للمرة الأولى أو الثانية على الأكثر، وإذا رأيت سعادته جالسًا على يمين العربة فهو متكبر متعجرف، أما أسيادنا الذين إذا ركبوا معنا أرسلوا رجلًا في ظهورنا وعكفوا الأخرى عليها واستلقوا على ظهورهم، فهؤلاء مخنثون ينسى الواحد منهم أنه في طريق عمومي له آداب يجب أن يراعيها. وكثيرًا ما تصادف عربة تسير وراكبها سارح يشخص بعينه إلى السماء، فهو أحد اثنين: إما حبيب «واقع طاظة» أو بخيل يحسب المسافة بالمتر والياردة ليحاسبني بالبارة والمليم، أما إذا رأيتنا نحن العربجية نتسابق إلى واحد من أسيادنا وقد أشرف علينا في الموقف، فاعلم أنه وارث يبعثر ماله ذات اليمين وذات اليسار. هذا ما أمكنني نشره كمقدمة بسيطة لمذكرات، إذا وسعها صدر الكشكول، فستصدر كل أسبوع بإذن لله بدون انقطاع «سواقة جد»، أمُْهِرُها بإمضائي واسمي الصحيح «الأسطى حنفي». وهكذا أصبحت في بعض الأوقات أجمع في عربتي بين زبائني وقرائي، وأكتب لهم بكل حرية بدون قيود المخالفات وأوامر « ولع فانوس ورا » و « إوعى الملف». فإلى الملتقى، إلى الأسبوع المقبل يا حضرة الزبون الفاضل، ولا تنسَ أنك تقرأ حقيقة كتبها لك في ساعة فراغه العربجي الأديب. الأسطى حنفي أبو محمود. ولمن لا يعرف. فقد اشتهر الفنان «سليمان نجيب» بأدوار الأرستقراطي في السينما المصرية، خاصة دور الباشا، وأشهرها كان «الباشا الظريف» في فيلم «غزل البنات» 1949، الذي ناقش «الأستاذ حمام» (نجيب الريحاني) في قواعد اللغة العربية، وحاول مرات تنويع أدواره، وتقديم شخصيات مختلفة منها «المعلم ابن البلد» بالجلباب الشعبي، لكن صورته كفنان انطبعت في الوجدان العام بصيغة الباشا، ويبدو أن ذلك كان بسبب نتيجة ملامح وجهه غير المحلية، وسلوكه البرجوازي لا إراديا، النابع من حياته الحقيقية، ونشأته في طبقة راقية، وقد تخرج من «كلية الحقوق»، شأن جيله وقتها، وعمل مباشرة قنصلاً لمصر في استانبول، لكنه تفرغ لاحقا للفن، وكان أول مصري فيما بعد يشغل منصب رئيس «دار الأوبرا الملكية»، بعد طابور من الأجانب تولوا رئاستها. ومنحه «الملك فاروق» البكوية، ولم يشغله شيئ عن الفن طوال حياته إلى أن توفي في يناير 1955 لأنه لم يتزوج. و قد أفادته موهبته في تمثل شخصية «الاسطى حنفي»، وصياغة «مذكرات العربجي» بلغة بسيطة، حاول قدر مستطاعه أن تكون قريبة لأسلوب العامة، والعربجية خاصة، ومحببة لكافة الأفهام، بالرغم من اختلاف الذائقة بين طبقات المجتمع المتباينة. ورصد بنظرته هو، لكن متخفيا خلف «الاسطى حنفي»، مواجع المجتمع المصري، وانكساراته، وطموحاته التي أججتها «ثورة 1919». وتشبعت كل المذكرات بالسخرية اللاذعة التي تثير ابتسامات القراء، خاصة أن «الأسطى حنفي» لعب على مفارقات اجتماعية عديدة . ويرصد «الأسطى حنفي» في «مذكرته الثانية» أصناف الزبائن من ركاب الحنطور على النحو التالي : «ابتدأت حياة المهنة بالعمل نهارًا؛ لأن تعرضي وأنا جديد للخدمة الليلية لا يمكن احتماله بالنسبة لما كنت أسمعه من زملائي عما يصادفونه من الحوادث التي تضيق منها الصدور، وتحتاج إلى «نفس طويل» وبال هادئ، وتمرين على البهدلة من كل لون. فكم يخفي الليل تحت ستاره، سكران «ألسطة» يركب مع الواحد منا ويأمره بالسير، ، وبعد ذلك« يتلوق » فلا يمكن حتى الإسعاف أن تعرف منطق لسانه ولا أين يسكن، بل إلى أي جهة يقصد، والواحد منا حيران بين الالتجاء إلى البوليس وتفويق صاحبنا على حساب الحكمدارية، وفي « دلق هذا الزبون الفاضل على أقرب رصيف، » أو كلا الحالتين لا يعلم إلا الله كيف يمكن أن نتحصل على الأجرة. وأما إذا كان « نصف لبة» فانتظر منه أن يتداخل معك أو مع من هو في صحبته في كل شيء في السياسة والأخلاق والآداب والغراميات وصلاحية الفول عن البرسيم بالنسبة للبهائم. وإذا توقفت إلى خدمة شاب من شباب العصر الأغنياء، فيجب أن أحتمل ممن يسيرون وراءه من سكرتارية وهوَّاشين وأونطجية أنواع النكت الباردة والتعرض لما لا يعنيهم، وأما إذا كنت ممن غضب لله عليهم، وحنن عليك بنفر من جنود جلالة الملك «أيام الحرب طبعًا » وهم « مشقعين» « وأمروك بتوصيلهم إلى ضاحية من الضواحي» « العباسية أو الجيزة مثلًا »، فثق أنك ستتعلم منهم في فن الزوغان أحدث الطرق، وإذا خطر لك أن تتعرض لأحدهم طالبًا حقك أعطاك إياه لكمًا ورفصًا، وجعلك تتعلم آداب المطالبة بطريقة إنكليزية، بعد هذا كله يا حضرة القارئ الكريم كنت أفضل عمل النهار، وكم في النهار يا سيدنا من حوادث وروايات! ففي الصباح تشتغل على أسيادنا الموظفين«السُقع طبعًا» وهؤلاء فيهم الجواد الذي يعطيك فوق ما تستحق، وفيهم المدقق الذي يدفع لك بالمليم، وإن تكلمت كانت الداهية السوداء، وبتداخل عسكري البوليس تنتهي المسألة على أخذ الأجرة من عسكري النقطة أقل من الأول؛ لأن الفرق أخذه جنابه قيمة أتعاب. وفيهم من يناديك بكل كبرياء وعجرفة، وهو لا يملك في جيبه الأجرة، فكم حصل كثيرًا أن يركب معي بعض هؤلاء ويأمرني بالسير إلى المالية أو الحقانية، وفي الطريق يصطاد هذا الوجيه « الذي أحس بأطراف حذائه في نصف ظهري » موظفًا آخر يكون سائرًا على قدميه وفي حاله، فيدعوه للركوب معه، وبطريقة غريبة ينتقل معه من حديث إلى حديث إلى أن يداهمه بطلب جنيه «سلف لله» وإن اعتذر فنصف ريال هو أجرتي طبعًا. وأنا في هذه الآونة متردد بين السير إلى وزارة البيك أو إلى القسم، وفي الوقت نفسه أدعو بالخير لمن دفع، والله يعلم إلى أي نتيجة كانت المسألة تصل لو لم نصادف «المجني عليه» في طريقنا. وبعد الظهر وفي العصاري إذا كان الواحد منا سعيد الحظ وصادفته توصيلة «مجوز »إلى الجزيرة أو الجيزة أو حدائق القبة يسمع فيها لمبدع مطرب، ويتعلم من الحديث فن السبك كيف يكون، بل كيف يضطر الواحد منا بحكم الصنعة والوظيفة« ورقبته تحت رجليه » أن يترك لهما حرية الحديث والتنهد والتقبيل والبكاء والهمس والعتاب. واسمع ما شئت من أقسام الحب «الطاهر» وأنه يقاسي الموت في البعد عنها، ويسهر ليله وينام نهاره، أما هي فإنها أصبحت مريضة بسببه « بالرغم من 95 كيلو وزن » وانسأمت وربما ماتت ضحية لهذا الغرام الشريف. وفي أثناء الحديث يا حضرة القارئ تمر على ألفاظ جديدة في اللغة، فأسمعها تقول« حبوب» و « توتو » وهو يقول «قطقوطة »ولا أفهم لها معنى، ولكني علمت أن لكل مقام مقال، بل قد تعودت إذا سمعت أحدهما يتنهد أن أقلده، وهكذا يصبح الجو كله غرام وحب، وينطبق علينا قول القائل «كلنا في الهوى سوى» ولكن المصيبة أنني أجهل من أحب. ولا أراك لله أيها القارئ الكريم الحوادث التى تنتهي «بغم»، وربنا ما يوقعك في يد البوليس إلا طارف، فكثيرًا ما تتفق قلة الحوادث مع قلة الأدب، فيضطر إما أن يأخذ إجراءاته أو تنتهي الحادثة على خير وسلامة. وكما أن للاجتماع آداب وللحديث آداب، فلنا معشر العربجية آداب أيضًا نتبعها في أمثال هذه التوصيلات، فيجب أولًا السير بهدوء في الشوارع الخالية ليظهر الفرق الكبير بين الفسحة في عربة ومثيلتها في أتوموبيل أجرة، بل يجب أيضًا الانتباه إلى أوامر الزبون، فربما كانت غلطة صغيرة كافية لعكننة مزاجه فينتقم جنابه من الأجرة في شخصي، وتنتهي الرواية على حسب الظروف إما بمأساة أو بفصل مضحك يتداخل فيه الجمهور، وتحلو وقتئذ النكت الرائقة، « وعينك ما تشوف إلا النور ». هذا ما عنَّ لي أن أدونه هذا الأسبوع، فإلى الملتقى يا حضرة الزبون الفاضل، فسأوافيك في القريب العاجل بأخبارنا أيام إضرابات الترام «رحم لله تلك الأيام» وتقبل احترامات عمك الأسطى. وينتقل « الاسطى حنفي” إلى «رجال السياسة» الذين يأكلون على «كل الموائد» بلا حياء، ولا تردد، وكأنه يتحدث عن وجوه من واقعنا الحالي بعد «ثورة يناير» لا «ثورة 19»، حيث يتقلبون بسهولة مذهلة بين الأحوال ونقيضها دونما وازع من ضمير، ويتصدرون المشهد بإصرار ودأب، لكن «المعلم حنفي» العربجي يقف لهم بالمرصاد: «ناداني في ميدان الأوبرا وقد كان ساهمًا مفكرًا، وقال لي بصوته الرخيم: سوق على بيت سعد باشا، لا يا أسطى بيت عدلي باشا، أيوة أنا قلت لك سعد باشا. فظننت، ولست من أولياء الله، أنه يريد بيت الأمة، ولم أعلم أنه يستفهم مني بسؤاله الأخير، فما وقفت أمام بيت سعد باشا إلا وأحمد بك قد رفع الكبوت، وهو يقول بصوت واطي ولكن بحدة: يا ابني أنا قلت لك بيت «عدلي باشا» مش «سعد باشا»، سوق بلاش فضيحة، الله يفضحك يا غبي». ولا ينسى «حنفي» أن يذكر، أن «بيت الأمة» سدّد له الأجرة أكثر من مرة، لأن السياسيين تسللوا من أبواب بيت الأمة الخلفية ليتهربوا من سداد أجرتهم.