صدر ضمن كتب الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب "مذكرات عربجي "ضمن سلسلة ذاكرة الوطن ، والمذكرات تأليف الأسطي حنفي أبو محمود- حسبما حمل الغلاف - وهذا الكتاب قديم يعود الى عام 1922، لكن قارئه المعاصر سيكتشف كم تتشابه أحداث التاريخ، بين ما جرى في ثورة ماضية، وبين ثورة قريبة. يبدأ الكتاب برسالة إلي الأستاذ فكري أباظة يطالبه فيها المؤلف بتقديمه إلي جمهور القراء بأسلوب خفيف الظل فيقول المؤلف: " سيدي الأستاذ النابغة فكري أباظة : محسوبك كاتب هذا الأسطي حنفي أبو محمود، من كان له شرف أن يقلك في عربته مرارا منفردا أو مع زمرة من إخوانك ومحبيك ، يرجوك ويتوسل إليك أن تكتب له كلمة صغيرة يضعها في مقدمة مذاكراته التي ظن بعضهم أنها جديرة بالنشر ، وأنك كريم طالما جدت عليَ بأكثر مما استحق في التوصيلة لأن نظرك البعيد يري بجانب أكل البهايم أكل العيال ومن كان من أخلاقه الكرم والبحبحة ظل لأمثالي المساكين الغلابة سندا. حنفي أبو محمود . ويأتي رد فكري بك أباظة عليه فيقول " عزيزي الأسطي حنفي أشكرك علي حسن ظنك بي ، وأنت تأمر ونحن نجيب لأن لك أفضالا علينا وأنت لست حوذيا فقط بل أنت فيلسوف والفلسفة مبجلة بحد ذاتها بغض النظر عن حيثية المتصفين بها ، ويهنأ أباظة المؤلف علي صدور المذكرات قائلا: لو كان كرباجك كقلمك لفاخرنا بك أعظم الأسطوات. يحمل كتاب "مذكرات عربجي"، سخرية من انتهازيي الثورات الشعبية- تحديدا ثورة 1919، ويستعرض حال المجتمع المصري، عقب هذه الثورة، راصدا جملة مفارقات . ومن أمثلة الانتهازيين السياسيين الذي يتناولهم الكتاب، مسؤول دخل عالم السياسة مع المنادين باستقلال مصر عن الاحتلال البريطاني، وبدأ حياته رافعا شعار:".. لا رئيس إلا سعد.. ."، في إشارة إلى الزعيم سعد زغلول، وكذلك تحوله إلى شعار اخر، وهو: " .. عدلي فوق الجميع .. "، وهو يعني عدلي يكن، رئيس وزراء مصر الأسبق. ثم انتقل إلى مرحلة ثالثة شعارها "لا حياة إلا لثروت "، في إشارة إلى عبد الخالق ثروت رئيس وزراء مصر الأسبق، ويرجح المؤلف أن نهاية هذا المسؤول ستكون بشعار:" لا رئيس إلا ما تقتضيه الأحوال". ويشبه الأسطى، انتهازيي السياسة والثورات بالذين "يتشعبطون" في "الترام"، ويتشدقون بشعارات عدة، منها:" .. تحيا الحرية"،".. يحيا الاستقلال التام .. "، بانها شخصيات تستحق الموت الزؤام ، فأغراضها أخرى لا علاقة لها بالقضية الوطنية. "ويقول المؤلف في أسلوب لاذع : لو أتيح لي أن أستعمل بدلا من القلم كرباجي (السوط)، اذا لقدر الله لوجوه كثيرة، أن ينزل عليها مفرقعا في الهواء، تاركا أثرا أسود على خدود ليس للدم فيها أثر".أما اسم الكتاب فيأتي من مهنة مؤلفه، ومن عربته الخشبية، التي كثيرا ما حملت أحد المنادين بالاستقلال التام، أو عاشقين يتناجيان فيطلبان منه الذهاب بعيدا عن الشوارع المزدحمة. يقول أسامة عفيفي في مقدمته، أن محتوى الكتاب يربط بين الماضي والحاضر بشكل مذهل، فلقد صدرت هذه المذكرات مسلسلة في مجلة "الكشكول"، صدر هذا الكتاب بعد ثورة 1919، وبالتحديد عام 1922، ليرصد بسخرية لاذعة ووعي ناضج، متغيرات مجتمع ما بعد الثورة، كما يعري مواقف المتلونين واللاعبين علي الحبال، والمتسلقين والمنافقين والانتهازيين، الذين ظهروا في أعقاب ثوره 1919 لينقضوا عليها، وذلك بادعائهم الثورية. ولعل ما أشيع من أقاويل حول الشخصية الحقيقية للكاتب تستحق التوقف، إذ حمل الكتاب اسم " الأسطى حنفي أبو محمود"، لكن مضمونه يشي بأن الكاتب مطلع على كثير من الدهاليز السياسية، كما أن لغته في الكتابة محنكة، وخفيفة الظل في سخريتها. لذا قيل أن حنفي أبو محمود هو شخصية وهمية، وأن المؤلف الحقيقي هو الممثل سليمان بك نجيب، وقد كان مدير دار الأوبرا المصرية، ويحمل لقب "بك". لكن ليس هناك ما يؤكد هذه الأقاويل، كما ليس هناك ما ينفيها تماما.