ونحن في عز النوم, تدافع علينا القوم, فأيقظونا علي عجل, قالوا: إلحقوا يا علل, في غابتكم زمر وطبل, إن قردكم الأهبل, في بيته يحتفل, فهلموا إليه دون كسل, ولا تتركوه هكذا يستهبل. فلما سارعنا إليه وجدناه, عن الوجود قد تاه, ووجهه في قفاه, واشتغلت بالصاجات يداه, وليس علي لسانه إلا: الله الله الله. صرخنا فيه صرخة كالرصاص: مالك يا هجاص, يا عديم الإحساس, لماذا هكذا تزعج الناس؟ قل لنا مالك ياعم؟ فتحامق وشتم, وقال في شمم: وفيها إيه يا جزم, أرقص كي أزيح عني الهم. قلنا: هل اعتراك الجنون, هل انجذبت يا مأفون؟ فصفق بكفيه, ولعب لنا حاجبيه, وبرم شاربيه, وهمس في انتشاء: ما لكم يا أغبياء, وهل مثل الغناء, يذهب عنا العناء, وينسينا الشقاء, وهل نحن, بأيدينا خلقنا تعساء؟ هيا حزموا خصوركم, وهزوا بطونكم.. وتعالوا نرقص معا, رقصة العدم, كي ننسي الألم! وقام فقدم لنا الكئوس, فتاقت إليها النفوس, وشربنا فدارت الرءوس, وألقينا علي المتعوس, بما في الجيوب من فلوس. وردد الشجر غناءنا والصخب, ونسي الطير أنينه والتعب, وسمع ضجيجنا الشرق والغرب, وكانت ليلة عجبا في عجب. وفجأة.. قفز الفيل أبو زلومه, فوقف علي خرطومه, وراح يخبط دماغه في الجدار, ويغني بافتخار: نار يا حبيبي نار, أنا أجمل صرصار, والعيشة بقت نار, وأكل العيش صار, يا حبيبي آخر مرار. هات إيدك وازغدني, واوع عنك تبعدني, إمتي الفكاك يا تاعبني, التقل ده ليه يا معذبني, مادمت عاجبك وعاجبني؟ قل لي متي يا روحي, ها تمسح لي جروحي, تعال آخدك ونغادر, ونسيب هنا ويالا نهاجر! .. ثم وقف الحمار, فاقدا اتزانه والوقار, وصرخ: سمع هس, لقد قررت أن أرقص, وبالأماميتين والخلفيتين سأرفس.. فهيا دقوا الدفوف, واخبطوا الكفوف بالكفوف, فسوف أغني لكم:' طوف وشوف'. فلما أن ران علينا الصمت, وتوقفنا عن العجن واللت, إذا بالقرد المهزار, يضحك في انفجار, ويسأل في انبهار: وهل يصلح الحمار.. للغناء يا شطار؟ فقلنا: إخرس أنت يا زفت, فللحمار أحلي صوت, ثم أصخينا السمع, فبدأ الحمار المبدع, يصدح ويلعلع: وسع يا عم وسع.. للجدع المجدع. ثم بدأ يقول, كأنه مخبول: طوف وشوف, يا أيها المهفوف, كيف أن الألوف, قد ذهلت عنها العقول, فصاروا كالعجول, فهات الفول واعلفني, وفوق طاقتي كلفني.. فما أنا إلا فسل وأبوه فسل, وهل يطلب السؤدد بغل, وجده بغل؟ .. ثم أخذ يعيد ويزيد, غناء كالعديد': أنا الكلب ابن الكلب, ولا خير في كلب تناسل من كلب.. فلا تلمني يا بطل, إن تقاعست عن العمل, وكيف أعمل.. وقد ضاع مني الأمل؟ والنبي قل لي يا عسل; ماالحيلة.. وما العمل؟ طوف وشوف.. وناولني لذيذ الشراب.. فما أنا إلا تراب.. تائه في هذا الغاب.. نهاري ملل وليلي سراب.. فإن قالوا لكم: إن هو إلا حمار.. فقولوا لهم: طبعا حمار, لكنه محتار, منقوع في العذاب, وأحاطت به الكلاب. ثم راح يبكي ويشهق, ويبرطع وينهق. وإن هي إلا برهة, حتي تلاشت الفرحة, وراحت عنا السكرة, وجاءت الفكرة.. فأفقنا مذهولين,علي ولاد الشياطين, يقتحمون المكان, دونما استئذان, وهات يا تلطيش, بمنتهي الطيش, فنال كل منا نصيبه, من الشلاليت العجيبة, في مناطقنا المريبة, البعيدة ثم القريبة, وزعقوا في الوجوه: من منكم المعتوه, صاحب هذا الحفل الفاجر, يا كافر يا ابن الكافر؟ ولأن القرد المأفون, كان قد اختفي عن العيون, وتبخر في لمح البصر, فلم يره الغفر, فقد عكشوا الحمار, دونما انتظار, فأوثقوه بالطول والعرض, ومرمطوا بكرامته الأرض. فقلنا: فيه إيه يا جماعة.. أليس من حقنا الفرحة ولو لساعة؟ فصرخوا فينا غاضبين: ألم تعلموا يا ملاعين, أن الغناء ممنوع, لكل جربوع ابن جربوع؟ ألم تسمعوا أن أمير الجماعة أمر, بمنع الفرفشة والسهر؟ فتأوه الحمار ثم نطق: والنعمة عندكم حق, تبنا إلي الله يا سادة.. ووالله لن نعود أبدا لتلك العادة!