جاءت مبادرة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب, شيخ الأزهر, خلال استقباله الدكتورة مرفت التلاوي وأعضاء المجلس القومي للمرأة, بإعداد وثيقة أزهرية جديدة حول حقوق المرأة, لتفتح الباب نحو مزيد من التساؤلات عن بنود تلك الوثيقة. وكيف تكون معبرة عن آمال وطموحات وتطلعات المرأة المصرية, وحلا لمشكلات عديدة تعاني منها؟ وتبقي التساؤلات الأبرز منذ الإعلان عن تلك المبادرة في كيفية إعادة بلورة الثقافة المجتمعية ومواجهة الفتاوي التي تمس صورة الدين الحنيف, وتنال في كثير من الأحيان من صورة المرأة التي كرمها الإسلام ومنحها حقوقا كثيرة لم ترد في شرائع أو ديانات أو معتقدات أخري, علي عكس ما يشاع في الغرب عن إهدار المجتمعات الإسلامية لحقوق المرأة. هنا نستمع إلي شهادات وتطلعات المرأة المصرية, والفقيهات وعالمات الأزهر حول ما يجب أن تتضمنه تلك الوثيقة الاسترشادية وسبل تفعيل ما يرد بها من حقوق وواجبات كحق التعليم, والعمل, وقضايا الأحوال الشخصية والطلاق والخلع, وما تعانيه من مشكلات يومية في الشارع والعمل حتي بين جدران المنزل بما يحفظ لها مكانتها التي نصت عليها الشريعة الإسلامية ؟! لم يعرف في تاريخ المسلمين, مشكلة تتعلق بالمرأة سواء أكان ذلك في أوج عزتهم وتمكنهم, أم في أزمنة ضعفهم, فقد كرم الإسلام المرأة وحفظ لها حقوقها وأعطاها من المكانة والقيمة مثل ما أعطاه للرجل, وعندما نقل الغرب أمراضهم ومعاناتهم علي العالم أجمع بمن فيهم المسلمون, ظهر ما يسمي بقضية المرأة, هذا ما تؤكده لنا الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر, وتقول: إن كل ما استمتعت به المرأة الصحابية في العهد النبوي يجب تفعيله في هذه الوثيقة, فالمرأة الصحابية شاركت في البيع وهو عمل سياسي من الدرجة الأولي, حتي أن بيعة العقبة الثانية والتي مهدت لبناء دولة المدينة سميت ببيعة النساء,كما شاركت في الغزوات شأنها شأن الرجل وأخذت من الغنائم مثل الرجل تماما, كما تمتعت المرأة في العهد النبوي بالرغم من قربه زمنيا بعهد الجاهلية بكل حقوق الشريعة الإسلامية والعدل الإلهي, يقول الله تعالي: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف, وفي آية أخري: فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي, ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم: النساء شقائق الرجال.
والمرأة في الإسلام ليست مظلومة أو مسلوبة الحرية والحقوق, فقد أعطاها الدين الحنيف حقوقها كاملة, كما تؤكد الدكتورة ملكة زرار الداعية الإسلامية, وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أنه بالرغم من أن حقوق المرأة ثابتة منذ أكثر من 14 قرنا, فإن هناك من يحاول أن يزيف هذه المفاهيم الشرعية الثابتة, والمطلوب الآن هو قوة تعترف بحقوقها وتحميها, ومن المشكلات التي تعانيها المرأة علي سبيل المثال رفع دعوي النفقة والتي تمثل أكبر دليل علي عدم توافر الحماية لها, لأن النفقة من الهلاك, فإذا منعت عنها هلكت, وهي حكم شرعي لا يقابل بشيء بمعني أن هناك من أوهموا الناس خطأ أن النفقة مقابل الطاعة وهذا بالطبع كذب وبهتان.
ومن أكثر ما تعانيه المرأة الآن أنها تحرم من ميراثها الشرعي وتضطر للدخول إلي دهاليز المحاكم لعشر سنوات وأكثر لإثبات حقها, الذي أقره الإسلام لها من 1400 سنة ولكن لا تجد من يحمي لها هذا الحق, وتضيف أنه من الغريب أيضا التعدي علي حقوق المرأة السياسية,فلا تستطيع أن تختار من يمثلها في المجلس القومي للمرأة, وإنما يتم تعيينهم, فكيف تنتخب أعضاء مجلس الشعب والشوري وتحرم من انتخاب واختيار من يمثلها. وتري الدكتورة ملكة زرار أن من الظلم الذي تتعرض له المرأة أيضا اضطرارها إلي رفع دعوي خلع والتنازل عن جميع حقوقها, لأن طلبها الطلاق الذي هو حق شرعي لها يأخذ سنوات عديدة في المحاكم حتي تستطيع الحصول عليه, كما تؤكد أن قانون الرؤية مطابق للشريعة الإسلامية ولا يجوز الاستضافة بأي حال من الأحوال إلا برضاء الحاضن, ومن يدعون بأن هذا قانون سوزان مبارك أرد عليهم قائلة: إن هذا هو قانون الله, فلا داعي من المظاهرات والاعتصامات لإرهاب القضاء فكريا لتغيير هذا القانون. وتطالب الدكتورة آمال يس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن تشتمل وثيقة الأزهر علي قانون يحمي المرأة من التجارة بها والحفاظ عليها من التحرش في أماكن العمل والمواصلات العامة, فلقد كرم الإسلام المرأة في جميع مراحل حياتها, بالإضافة إلي ضرورة أن يكون حق العمل مكفولا للمرأة لأنه لا مانع منه في الإسلام, يقول الله عز وجل: وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون, وقد ساوي الدين بين الرجل والمرأة في جل أحكامه, في الثواب والعقاب سواء أكان العمل تعبديا محضا, أم تعبديا دنيويا, والعمل حق للمرأة كما هو حق للرجل, واكتساب الرزق لها فريضة, تدرأ بها عن نفسها ذل الحاجة, وما قد يؤدي إلي زوال كرامتها, أو يدفعها إلي أن تذل نفسها, لأنها لا تجد ما تنفق به علي نفسها وأولادها, أما فتاوي ودعاوي حصر عمل المرأة في أعمال محددة كالطب والتعليم, إنما هو رأي لا حكم دين, والمرأة في بلادنا كانت محرومة من التعليم زمنا ليس بالقليل, وكان الاعتراض علي تعليمها بحجة أنه صون للمرأة, وحفاظ علي دينها, ولو لم نواجه تلك الأفكار, ولو لم تفرض الدولة تعليم المرأة لبقيت النساء في بلادنا أميات, فالذين يعلنون الرفض لعمل المرأة في أي مجال, يسيرون علي خطي أولئك الذين عارضوا تعليمها وناصبوه العداء. وتجد حقوق المرأة مناصرين لها أيضا من علماء الدين, الذين يطالبون أن تتضمن وثيقة الأزهر الجديدة قائمة بالحقوق الأساسية للمرأة والتي يوضحها الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر قائلا: يجب أن تفتح كل الحقوق للمرأة, فهي نصف المجتمع,وأفضل ما يكتب في وثيقة الأزهر أن ما يتمتع به المواطن المصري لا تفرقة فيه بين الذكر والأنثي, كما يجب أن تنص الوثيقة علي مطالبة نواب مجلس الشعب بالنظر مرة أخري في قوانين المرأة وخاصة النفقة لتأمين نفقة الزوجة في حياتها الزوجية أو بعد طلاقها وخاصة إذا لم تكن تعمل. أما الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, وعضو مجمع البحوث الإسلامية, فيطالب بأن تنص علي حق التعليم كمحور رئيسي للارتفاع بشأن المرأة والمجتمع لأن النهوض بوضعها هو استثمار وتنمية للمجتمع, فالإسلام أقام دولته علي الرجل والمرأة كل بحسب الدور الذي يمكن أن يقوم به والاستعداد المؤهل له, فدور المرأة ينبغي أن لا يقتصر علي الأعمال الحكومية فقط وإنما يمتد إلي جميع الأعمال المؤسسية, فمن المهم للغاية ألا يكون هناك حجب لدورها في الأنشطة المجتمعية والاقتصادية والسياسية,فرأي المرأة ونشاطها مهم وضروري لجميع المجالات, وعندما يقال الآن أننا نريد نهضة تعليمية أو ثقافية أو اقتصادية فينبغي تفعيل دور المرأة بحسب استعدادها ومؤهلاتها, الأمر الذي لا يجوز معه تنحية المرأة أو التفرقة بينها وبين الرجل بحجة أن هذا المجال مقصور فقط علي الرجل لأن العبرة بالقدرة علي العطاء وليس باعتبار أن هذا الشخص رجلا أو امرأة.