قساوسة وقيادات أمنية وتنفيذية.. محافظ المنيا يستقبل المهنئين بعيد الأضحى (صور)    وزير التعليم العالي يزور الجامعة الوطنية للأبحاث النووية في روسيا    التموين: فتح المخابز البلدية أمام أصحاب البطاقات لصرف الخبز المدعم    سعر اليورور اليوم الأحد 16-6-2024 مقابل الجنيه في البنوك    وزير الإسكان: تنفيذ 100 ألف وحدة سكنية بدمياط الجديدة    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    مقتل جندي إسرائيلي من سلاح المهندسين في معارك غزة    بيني جانتس: أمن إسرائيل يتطلب تجنيد مزيد من الجنود    سفير الصين: نعمل مع مصر لجعل طريق بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل مفروشًا بالورود    يورو 2024، أزمة تصريحات سياسية تضرب معسكر فرنسا    ألعاب وعرائس وبالونات.. العيد أحلى فى مراكز شباب أسيوط (صور)    برشلونة يفاضل بين نجم ليفربول ولاعب أتلتيك بيلباو    الأهلي يتفق مع ميتلاند الدنماركي على تسديد مستحقات و"رعاية" إمام عاشور    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    مصدر من اتحاد السلة يكشف ل في الجول حقيقة تغيير نظام الدوري.. وعقوبة سيف سمير    محمد صلاح يتسبب في أزمة بين اتحاد جدة والنصر    بالمراجيح وكرة القدم، الأطفال يحتفلون بعيد الأضحى في حديقة الأزهر (صور)    في أول أيام عيد الأضحى.. توافد المواطنين بجنوب سيناء على الحدائق والميادين والشواطئ    مصرع شخص غرقًا في مياه ترعة الكسارة بالشرقية    «النقل»: انتظام حركة تشغيل قطارات السكة الحديد ومترو الأنفاق في أول أيام العيد    المنيا تسجل حالتي وفاة أثناء أدائهما مناسك الحج    من بينهم ولاد رزق 3 والكهف.. تعرف على أفلام عيد الأضحى المبارك    خالد النبوي يظهر مع العُمال في العيد ويُعلق: «أسيادنا الخادمين» (صورة)    إيرادات Inside Out 2 ترتفع إلى 133 مليون دولار في دور العرض    أدعية وأذكار عيد الأضحى 2024.. تكبير وتهنئة    لتجنب التخمة.. نصائح مهمة للوقاية من المشاكل الصحية بعد تناول «لحوم عيد الأضحى»    طريقة عمل الكبدة بالبصل والفلفل زي المحلات.. «أسهل أكلة في العيد»    طريقة حفظ لحوم الأضاحي أطول فترة ممكنة.. «هتفضل معاكي طول السنة»    إصابة شاب فلسطينى برصاص قوات الاحتلال فى مخيم الفارعة بالضفة الغربية    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    بالصور.. اصطفاف الأطفال والكبار أمام محلات الجزارة لشراء اللحوم ومشاهدة الأضحية    برشلونة يستهدف ضم نجم مانشستر يونايتد    وكيل وزارة الصحة تتفقد القافلة الطبية أمام مسجد الدوحة بالإسماعيلية    ارتفاع تأخيرات القطارات على معظم الخطوط في أول أيام عيد الأضحى    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    التونسيون يحتفلون ب "العيد الكبير" وسط موروثات شعبية تتوارثها الأجيال    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى داخل ساحات الأندية ومراكز الشباب في المنيا    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    درجات الحرارة اليوم 16- 06 - 2024 في مصر أول أيام عيد الأضحى المبارك    البنتاجون: وزير الدفاع الإسرائيلي يقبل دعوة لزيارة واشنطن    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    إعلام فلسطينى: 5 شهداء جراء قصف إسرائيلى استهدف مخيم فى رفح الفلسطينية    الثلاثاء.. حفل حسين الجسمي ورحمة رياض في الكويت    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    الأوقاف الإسلامية بالقدس: 40 ألف فلسطيني أدوا صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى    الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى فى مشعر منى    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد بدر.. صور    توافد المصلين على ساحة مصطفى محمود لتأدية صلاة عيد الأضحى (فيديو وصور)    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء آجل فى رحاب الله

مهما طال العمر فهو قصير.. إحساس راودنى فى حياتى مرتين، الأولي.. عندما رحل المهندس حسن فتحى فى 30 نوفمبر 1989، والذى استلهمت منه الكثير عن التراث المصري، والثانية.. هذه الأيام بفراقى للأستاذ هيكل الذى عوضنى الله به بعد رحيل والدى وهو فى ريعان الشباب. إن هذه المقولة لا تنطبق إلا على الشخصيات الفذة النادرة القادرة على العطاء بلا حدود، المؤثرة فى محيطها وبلدها، والمعبرة عن الثقافة الوطنية بأصالة وعمق، والمتأثرة بالتقدم العلمى والمنفتحة على العالم.
أولا هيكل الإنسان
ومن حسن حظى أن دخل الأستاذ هيكل وحرمه السيدة هدايت تيمور حياتى وأنا بعد فى الثانية عشرة من عمري، وذلك عند زيارتنا الأولى الى يوجوسلافيا فى صيف 1958 على الباخرة «الحرية» «المحروسة سابقا وحاليا» بدعوة من الرئيس تيتو وحرمه جوفانكا بروز.
أثناء الرحلة كان الأستاذ هيكل يلاطفنا ويتحدث معنا، بل ويشاركنا الألعاب التى كانت على «الحرية»، وبالطبع كنا قد رأيناه وقابلناه مرارا من قبل فى بيتنا فى منشية البكري. أما هدايت فكانت أصغر سيدة فى الرحلة، ووجدتنى أنجذب إلى حديثها، وأتعلم من تعليقاتها وخبرتها فى هذه الفترة القصيرة التى دامت فقط أسبوعين. ولاحظت أنها تحمل صورة تنظر إليها كل فترة بقلق ووحشة، وعرفت أنها لابنها علي، وكانت هذه أول مرة تتركه.
وشاء القدر أنه أثناء رحلة العودة البحرية من يوجوسلافيا، أن تقوم ثورة العراق ضد الحكم الملكى الرجعى هناك، ويضطر والدى يرافقه زملاؤه فى الرحلة ومعهم أ. هيكل الى العودة الى يوجوسلافيا على متن إحدى المدمرتين اللتين كانتا ترافقان الباخرة «الحرية»، ثم استقل والدى الطائرة من هناك إلى موسكو فدمشق.
ظللنا وحدنا على الباخرة وانتاب هدايت بالذات الخوف، عندما قيل لنا أن أنوار الباخرة سوف تُطفأ بسبب نشاط غير عادى للأسطول السادس فى البحر المتوسط! بالطبع.. لقد كنا صغارا لا نقدر خطورة مثل هذه الأوضاع، ولكنى لا أنسى قلق هدايت على أ. هيكل! ولم نكن متعودين على ذلك، حيث إن والدتى كانت أعصابها أكثر ثباتا ربما بحكم التعود على المخاطر وكانت تحاول بكل الطرق أن تعمل على تهدئتها.
فى آخر الرحلة رجعنا الى يوجوسلافيا مرة ثانية ووجدنا الرئيس تيتو وحرمه فى انتظارنا، وأمضينا عدة أيام فى فيلا جميلة بحديقة واسعة مليئة بالأزهار والنباتات النادرة، إلى أن قيل لنا: سترجعون إلى القاهرة فى طائرة حربية، ولا أنسى حتى الآن كيف كانت كراسيها الحديد متعبة! حطت الطائرة أخيرا فى مطار بلبيس الحربي.. وكانت رحلة لا تنسي! ولم أقترب من هيكل أكثر إلا فى رحلتنا الثانية على الباخرة «الحرية» إلى اليونان ويوجوسلافيا فى صيف 1960.
ولم يتحدث معى هيكل طويلا فى هذه الرحلة إلا ونحن جالسان على مائدة أول غذاء رسمى أدعى اليه، وكان فى القصر الملكى اليوناني، بحضور الملك بول والملكة فريدريكا والأمير قسطنطين الذى أصبح ملكا على اليونان فيما بعد والأميرتان إيرين وصوفيا، التى أصبحت ملكة أسبانبا بزواجها من الملك خوان كارلوس.
دار أول صنف للأكل فوجدته غريبا فاعتذرت عنه، وهنا نظر الى هيكل وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، وقال لي: لا ترفضى الصنف القادم فلا يوجد شيء بعد ذلك! وضحكنا وعملت بنصيحته وسط إندهاشي، فنحن فى مصر معتادون على تقديم عدة أصناف فما بالك بمائدة ملك اليونان؟!
وكان هيكل دائم الاهتمام بأخبارنا كما كنت أعلم من والدى وكان أول من أخبر والدى بمعلومات عن زوجى حاتم صادق الذى كان زميلى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم استوضح.. ألن تسأله عنه؟ رد والدي.. لا.. إذا سألت فإن المعلومات ستستقى من بواب أو من يماثله! وأتذكر جيدا كيف كان هيكل متحمسا لزواجي. ومنذ ذلك الوقت توثقت علاقتنا به وبهدايت، حيث كانا يدعوانا إلى بيتهما ومزرعتهما دائما بحضور شخصيات مصرية وعربية مازلت أعتز بهم، وبمرور الوقت زاد اقترابنا من هذه العائلة المصرية الأصيلة.
إن رحيل أ. هيكل فى بداية الربيع، تحوطه مشاعر جارفة من المحبة والتقدير من أقربائه وأصدقائه وقرائه ومعجبيه، يحرك فى نفسى عواطف مثيرة تمتد لأكثر من 50 عاما، كما يجدد فى حياتى معانى كثيرة ولحظات لا تنسى مهما طال الزمن. إننى هنا أتكلم عن أ. هيكل الإنسان، الذى كان دائما يعطى لكل حدث معني، ولكل مناسبة فلسفة. وكم من المرات سمعت والدى يقول له.. ياأستاذ ما هذه الفلسفة؟!
علاقة الصداقة بين جمال عبد الناصر وهيكل
لقد ظل منذ قيام ثورة 1952 أو قبلها أثناء حرب فلسطين 1948 على علاقة وثيقة بوالدي. وكنا معتادين أنا وإخوتى عندما ندخل حجرة نومه ونجده يتكلم مع الأستاذ، لا ننتظر بل نخرج لأننا نعلم جيدا أن المكالة ستطول! وكان هيكل هو الوحيد من زوارنا الذى يدخن السيجار، فكانت رائحته فى مدخل البيت تساعدنا على معرفة شخصية ضيف والدي! واعترف أننى حتى الآن إذا تعرضت إلى رائحة السيجار تقفز الى ذهنى فورا صورة أ. هيكل. وكانت زيارات أ. هيكل إلى منزلنا تتزامن فى كثير من الأحيان مع مناسبات إلقاء الخطب الرسمية التى كانا يتناقشان باستمرار فى موضوعاتها.
لقد كان هيكل بالنسبة إلى والدى صديقا أمينا يعبر دائما عما يؤمن به، كما كان محاورا لا يلين، وأفاد والدى كثيرا بحركته الدائمة، وعلاقاته الواسعة بمختلف الاتجاهات السياسية فى مصر والعالم العربي، وبالطبع باتصاله بأهم الصحفيين فى العالم، وتدبير لقاءات معهم جمعتها فى كتاب بلغ أكثر من 900 صفحة.. «عبدالناصر فى مواجهة الصحافة».
وكان هيكل كثيرا ما يُدهش والدي، الذى كان يحكى لنا عن نوادره؛ وذلك حين قال له مثلا إن بيتنا فرشه ليس جميلا، وإن الصورة الزيتية المعلقة فى الصالون الرئيسى لا قيمة لها! وكانت هدية من أحد الشخصيات الايطالية. وكان تعليق والدي.. أنه لا يحب التحف! أما الصورة الذى تمثل شابا يهدى فتاة حفنة من الياسمين، فإنها تعجبه بغض النظر عن قيمتها المادية أو الفنية!
لقد كانت العلاقة بين هيكل وعبد الناصر ديالكتيكية أخذ وعطاء تثمر دائما فائدة للطرفين، وبعبارة أخرى كان الأستاذ هيكل ندا له فى النقاش، وكل منهما له خيال خصب ويستطيع أن يحلم بتحقيق الكثير للبلد وللشعب العربي.
وأذكر أنه أثناء ترتيب أوراق والدى بعد رحيله وجدت بيتين من الشعر بخطه، فانتابنى الفضول! اتصلت بهيكل - لمعرفتى بعشقه للشعر وحفظه الكثير من أبياته وسألته عن مغزى هذين البيتين:
دعمتها بالواهيين وصنتها بالضائعين لكى تطيل بقاءها
إن كان هذا للبقاء فيا ترى ما كنت تفعل لو أردت فناءها؟!
قهقه عاليا.. وأخبرنى أنه بعد أن أجرى والدى تعديلا وزاريا فى الستينات، اتصل به تليفونيا ليٍسأله عن رأيه فى الوزارة الجديدة؛ فتلى هذين البيتين من الشعر! وكان قد كتبهما كامل الشناوى فى عام 1947، وأرسلهما الى حسين سرى رئيس الوزراء بعد إجراء تعديل فى وزارته.
الكفاءة فى مهنته
وأعتقد أن أهم ما كانت تتفرد به علاقة والدى بهيكل، الكفاءة البالغة فى العمل، فقد كان يستطيع أن يعتمد عليه فى أى مهمة إعلامية أو سياسية، حتى ولو فشل فيها المسئولون الأصليون، وهذا ما كان يضعه فى كثير من الأحيان فى مواقف حسد أو عدم قبول من جانب البعض!
وكمثال على ذلك ما رواه لى الفريق فوزى فى حوار مسجل فى مايو يوليو 1996 عن عملية الزعفرانة أثناء حرب الاستنزاف فى 9 سبتمبر 1969، وهى تبعد 100 كم جنوب السويس، ما الذى حدث؟
كان عبدالناصر فى زيارة للجبهة، وأثناء حضوره مناورة اختبار للفرقة 21 المدرعة الجديدة لأول مرة، حضر اللواء عبدالغنى الجمسي، وأبلغ أن قوة صغيرة من العدو الاسرائيلى نزلت شاطئ الزعفرانه، وقطعت الطريق، وهاجمت موقع رادار موجود على الساحل صباح هذا اليوم.
سأل الرئيس.. أتوجد معلومات؟
رد اللواء الجمسي.. لا توجد.
فطلب الرئيس من اللواء أحمد اسماعيل رئيس أركان حرب القوات المسلحة أن يذهب ليرى ما حدث ويزوده بالأخبار، وقال: ويمكنك أن تتصرف على قدر ما تستطيع.
بعد فترة قصيرة انتبه الفريق فوزى الى أن الرئيس يشعر بالقلق، ثم بادر بقوله: لا أطيق البقاء! ولم يرجع أحد بمعلومات، فيستحسن أن نذهب لنرى ما الموقف.
رجع الرئيس الى البيت، وذهب الفريق فوزى الى قيادة الجيش، فوجد اللواء أحمد إسماعيل هناك، فدار الحوار التالي:
الفريق فوزي: لماذا لم تذهب الى الزعفرانة؟!
اللواء اسماعيل: لقد وجدت أنى أقدر أن أحصل على معلومات أكثر من هنا.
الفريق فوزي: إنه لا توجد مواصلات، من أين ستحصل عليها؟
اللواء اسماعيل: كنا نقدر عن طريق مواصلات الحدود.
أعطى الفريق فوزى فكرة للرئيس عبد الناصر عما حدث، فسأل.. وهل حصل على معلومات؟ فعرف أنه لا يوجد شئ، فقال له: هذا لا ينفع! وعلم الفريق فوزى بعد ذلك أنه اتصل بهيكل الذى أعطى له التفصيلات من وكالات الأنباء!
وكانت القوة الاسرائيلية المهاجمة عبارة عن سرية ميكانيكية، ومعهم طاقم إعلامى قام بتسجيل العملية على فيديو لاستغلالها فى الدعاية ضدنا!
واستطرد الفريق فوزي.. بلغت الرئيس فقال لي: ابحث كيف يتم تعزيز الموقف، ولكن أحمد إسماعيل لا يستمر! وصدر قرار بإحالته للتقاعد، وثانى يوم هذا الحادث فى 10 سبتمبر 1969 أصيب والدى بأزمة قلبية!
وأثناء حرب الاستنزاف أيضا، وفى خضم المعركة العسكرية والسياسية والإعلامية التى استمرت أكثر من ثلاث سنوات، ساهم الأستاذ هيكل بالكثير من أجل مصر، حتى أن والدى قرر فى 1970 أن يعينه وزيرا للإعلام.
وكان رد فعل الأستاذ غريبا أدهش جمال عبد الناصر.. فقد أرسل له خطابا وجدته ضمن أوراق والدى - يرفض فيه الوزارة، لاعتقاده بأنها تتعارض مع الصحافة.. وفيما يلى نصه..
سيادة الرئيس:
إن المفاجأة التى تلقيتها ظهر اليوم بترشحى وزيرا للإرشاد القومى كانت مفاجأة كبيرة، كما أنها كانت شرفا أكبر، ذلك أنها كانت شاهد ثقة أعتز بها وأفخر لأن مصدرها هو ذلك الزعيم والقائد الذى تتجسد فيه الوطنية المصرية فى مرحلة من أهم مراحل التاريخ وأحفلها، فضلا عن أنه الزعيم والقائد الذى تتمثل فيه كل أمانى التقدم الاجتماعى وآمال الوحدة العربية.
وإذا أذنتم لى سيادة الرئيس فإنى أرجو أن أضع تحت نظركم بعضا من الظروف الخاصة التى تدعونى الى أن التمس منكم معاودة بحث الأمر فيما يتعلق بي، وهذه الظروف كما يلي:
إن الصحافة هى مهنتى منذ ثمانية وعشرين عاما، ولم أعرف لنفسى فى حياتى عملا غيرها، لدرجة أستطيع أن أقول معها باخلاص إن هذه المهنة هى حياتى ذاتها.
إننى عن طريق هذه المهنة خدمت وطنى بقدر ما وسعنى الجهد، ومن خلال خدمتى لوطنى فقد جاءت خدمتى للثورة التى كان لكم فضل قيادتها، والتى سوف يذكر التاريخ لها - مهما كان أو يكون - أنها نقلت مصر الى القرن العشرين بآماله وأفكاره وآفاقه الواسعة.
لقد استقرت أفكارى وأهدافى منذ وقت طويل على أن مستقبلى هو العمل الصحفى وحده، وقد بلغ ذلك فى يقينى مبلغ المبدأ، وذلك إحساس أنتم أكثر من يقدره بحسكم الصافى وإيمانكم العميق.
أنكم تعرفون ما يعنيه الأهرام بالنسبة لي، كما أنكم تعرفون ما يؤديه الأهرام فى مجال الخدمة العامة، ولقد فعل الأهرام ما فعل وحقق ما حقق بفضل رعايتكم له، وأصبح فى النهاية مركزا من مراكز التقدم فى وطننا وفى العالم العربي. وأنا أشعر وقد يكون فى ذلك غرور التمس منكم اغتفاره لى أن وجودى فى الأهرام فى هذه المرحلة ضرورى لاستمرار دوره، وحتى لو لم يكن ذلك صحيحا فإنى أحب أن أتصوره. كما أنى بصدق لا أستطيع أن أجد لنفسى عملا أحبه خارج الأهرام، ولقد أحسست فى الساعات الأخيرة أن كل من فى الأهرام يشاركنى هذا الشعور، وصدقنى - ياسيدى الرئيس أنه كان هناك من جاءوا لتهنئتى والدموع فى عيونهم!
إن قراركم الكريم الذى يسمح لى استثناء بأن أجمع بين الوزارة وبين العمل فى الأهرام يلقى على مالا أستطيع تحمله، وأعرف مقدما أن جهدى كله سوف يميل إلى جانب الأهرام، وليس ذلك انصافا لمسئولية أخري، وفضلا عن ذلك فإن الجمع له محاذير لعدة أسباب:
لأن هناك تعارضا بالطبيعة بين العملين.. الصحافة والوزارة، ثم لأن الجمع بين رئاسة تحرير الأهرام ووزارة الإرشاد القومى سوف يجعل فى يد فرد واحد من أسباب القوة السياسية؛ ما يمكن أن يحوله بحق الى مركز قوة، وتلك إساءة الى النظام إذا وقعت. وأخيرا، فإن الجمع سوف يثير حساسيات لا داعى لها بين زملاء المهنة، خصوصا إذا ظهر انحيازى للأهرام، وسوف يحدث ذلك يقينا بحكم صلتى به وانتمائى اليه وشعورى بالاتفاق مع كل شخص فيه حتى أحجاره الصماء.
إن هناك مشكلة سوف توجد لى على الفور؛ وهى مشكلة مقالى الأسبوعى بصراحة، وقد أصبح هذا المقال جزءا لا يتجزأ من كياني، كما أنه ارتباط وثيق بصلة القلم مع مئات ألوف من قراء الأهرام فى مصر، وسوف يزداد اللبس بين آرائى وآراء الحكومة، وهو لبس يقع بالفعل بغير وزارة، فكيف إذا أضيفت له الوزارة؟!
إننى - ياسيادة الرئيس لا أستطيع أن أكف عن الكتابة لأنها حركة التنفس بالنسبة للكاتب. ولنفرض أنى واصلت الكتابة فإنى أترك لسيادتكم مدى التعقيدات التى يصنعها ذلك.
أن الوزارة تتطلب استعدادا آخر لا أظنه يتوفر لي، كما أن مهامها محاطة بظروف لا أظنى أهل لها، وليكن ذلك تهيبا، لكن لكل إنسان حدوده وطاقاته ومن الخير أن يعلم كل إنسان بأن له حدودا وطاقات لا يستطيع تجاوزها.
سيادة الرئيس:
إننى أجد نفسى أمام خيار صعب والتمس منكم أن تجنبونى مشاقه، إنه ليس خيارا بين عملين وإنما هو أبعد من ذلك بكثير.
سيادة الرئيس:
إننى أعرف مشاعركم نحوي، وسوف أبقى طول العمر مطوقا بفضلكم وبرعايتكم لى ولعملي، ويكفينى للتاريخ أن يقال عنى أننى أديت دورى فى الخدمة العامة للوطن تحت رايتك المنتصرة بإذن الله.
وتقبلوا - ياسيدى الرئيس - تحية من أعماق القلب، وسلمت وعشت لوطن منحته من حبك وإخلاصك وجهادك ما هو كثير كثير.
وسلمت وعشت ياسيدى الرئيس لكل الذين يؤمنون بقيادتك وبدورك التاريخى وبقدرك الذى هو قدر مصر.
وأتذكر أن والدى علق قائلا: إن للوزارة رونقا ومن الصعب رفضها، ثم إننى اخترته لأنى أحتاجه فى هذا المنصب ليساعدنى أكثر! وفى النهاية، خضع الأستاذ هيكل لرغبة صديقه على أن يرجع «جورنالجي» مرة أخرى بعد إزالة آثار العدوان.
هيكل وأسرة عبد الناصر بعد الرحيل
وحتى الآن فإنى أكتب عن هيكل الإنسان القريب من جمال عبدالناصر، ولكن ما أثر فى أكثر هو علاقته بنا بعد رحيل والدي.
أولا.. من الطبيعى أن يكون أول الحاضرين الى منزلنا يوم 28 سبتمبر 1970، وقد اجتمع المقربون من المسئولين فى الصالون فى الدور الأسفل. وكان هيكل هو الذى اقترح المكان الذى دفن فيه والدي، وهو جامع ظل تحت الإنشاء لمدة طويلة، ولاحظه عبدالناصر لأنه فى الطريق إلى قصر القبة، وعرف بأنه مملوك لجمعية خيرية فأمر بإنهاء بنائه. وبالطبع لم يكن أحد يعرف هذه القصة إلا هيكل.
يضاف الى ما سبق، أن هذا الجامع يقع على حد سور مبنى قيادة الجيش، وهو المكان الذى بدأت منه ثورة 23 يوليو 1952؛ حيث تم القبض فيه على قادة الجيش عندما كانوا مجتمعين فى هذه الليلة. وقد خط هيكل بقلمه الكلمة التى كتبت على ضريح عبدالناصر.. «رجل عاش لأمته واستشهد فى سبيلها».
وأيضا كان لهيكل الأسبقية فى اقتراح إجراءات الجنازة ومسارها، من مجلس قيادة الثورة على النيل فى القاهرة إلى الجامع الذى ضمه فى حدائق القبة.
وكانت والدتي قد طلبت منه عند بناء المقبرة أن يخصص لها مكانا بجواره، وتمت الاستجابة إلي رغبتها، وبعد عشرين عاما لحقت به هي الأخري.
وكنت دائما أشعر بأن هيكل يخصني بمشاعر خاصة كابنته، ولن أنسي أنه يوم مناقشة رسالتي للدكتوراة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1985، عندما دخلت المدرج فوجئت بحضوره، ففرحت جدا، إلا أنني في نفس الوقت شعرت بعبء أكبر، فقد أصبحت تحت «الميكروسكوب» ليس فقط من أساتذتي الممتحنين وإنما أيضا من هيكل الذي عاش الفترة التي تناولتها الأطروحة عن: «الحركة الوطنية المصرية 1936 1952»، ولا يعجبه العجب! وكنت أخشي تعليقاته اللاذعة، ولكن بحمد الله اجتزت الامتحانين بجدارة.
ولعب هيكل كصديق لوالدي دورا في حياتنا بعد رحيله، فقد كنت دائما ما أطلب منه المشورة في الفترات الصعبة التي مررنا بها كأسرة جمال عبدالناصر. لقد كان مجرد الحديث اليه والاستماع الي آرائه في جو عائلي، مريحا ومطمئنا لنا الي أبعد الحدود. وكانت تفسيراته الفريدة لكثيرا، مما كان يحدث علي المسرح السياسي المناوئ، تثير خيالي، وتزيد من ثقتي في الحياة.
وفضله علي شخصيا لم يكن في هذا المجال فقط، وإنما لقد أثر في ميولي الي الفن التشكيلي المصري، وكنت قد بدأت في هذا المجال بالتعرف الي سيف وانلي حيث كنا نقضي الصيف كل عام بالإسكندرية.
وبعد رحيل والدي أحاطنا الجميع بالعطف والرعاية، فمثلا.. فوجئت في يوم أن نظر الي الرئيس السادات وقال لي: يا ابنتي.. يسعدني أن تكوني معي وكان يعرف أنني كنت أعمل مع والدي وشكرته علي هذا العرض الكريم، ثم تلاه اقتراب آخر من جانب السيد حافظ اسماعيل رئيس المخابرات العامة، فأجبته بالمثل. وبعد ذكري الأربعين لوالدي، ذهبت إلي هيكل، وطلبت منه أن أعمل بالأهرام. فوجئ، ولكنه رحب بي وأنشأ وحدة في مركز دراسات الأهرام خاصة بالثورة المصرية.
وفي الأهرام دخلت عالما جديدا علي انفتاح بلا قيود الرئاسة، حرية بلا حدود في كل شئ، اتصالات بحجم كبير لم أعهده، ولم أكن قبل ذلك أختلط كثيرا، فعملي في رئاسة الجمهورية كان نطاقه الإعلامي محدودا.
وضعني هيكل في البرج بالدور السادس، ووجدت نفسي أجاور مكاتب الأدباء وكبار الكتاب الذين كان يفخر بضمهم للأهرام.. توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، لويس عوض، د. عائشة عبد الرحمن، حسين فوزي، أحمد بهجت، اسماعيل صبري عبد الله، محمد سيد أحمد.. إلخ. هؤلاء الذين كنت أقرأ لهم ولكني لم أكن أعرفهم شخصيا، وفي الحقيقة كلهم أظهروا لي مشاعر المحبة وقدموا لي واجب العزاء. وكانت مكاتبهم دائما تزخر بالمناقشات التي كان يعلو الصوت فيها في كثير من الأحيان، وتصحبها غالبا ضحكات من القلب كانت تضفي علي المكان الجميل انشراحا وسعادة.
ظللت لعدة أيام وحيدة في مكتبي، إلا عندما ينادي علي الأستاذ توفيق الحكيم الذي كان يشع مرحا ويوجه الكثير من الدعابات، أو عندما يطلبني الأستاذ هيكل ليطمئن علي. وفي يوم فٌتح باب مكتبي وتقدمت مني صحفية شابة لم أكن أعرفها من قبل، وقالت: إنها تريد أن تقدم لي العزاء بنفسها. شكرتها، ثم بَدَأت حديثا جعلني أفغر فاهي من غرابته! قالت لي: ألا تعرفين أنكم تتمتعون بميزات كبيرة لم يحصل عليها أحد من قبل؟! وتقصد بذلك قرار مجلس الشعب بتخصيص مرتب رئيس الجمهورية لوالدتي، وكذلك منزل منشية البكري وفيلا المعمورة إلي آخر عمرنا.
رددت عليها قائلة: إن ذلك كله هو شئ لم نطلبه وليس لنا يد في تحقيقه! وعلي الفور جاء في ذهني بيت الشعر.. «حتي علي الموت لا أخلو من الحسد»!
ومن جانب آخر، اكتسبت في الأهرام صداقات كثيرة اعتززت بها.. محمد سيد أحمد، أمينة شفيق، عبد الوهاب المسيري، اسماعيل صبري عبد الله، د. عائشة عبد الرحمن التي أصرت علي زيارة والدتي عدة مرات.. إلخ.
وأتاح لي جو العمل في الأهرام الفرصة للانطلاق، وكان الأستاذ هيكل يشجعني في ذلك، فقد كانت طبيعتي تميل الي التحفظ. إن الجو الثقافي في أهرام ذلك الوقت كان مليئا بالندوات والمحاضرات من مصريين وأجانب.. كله حياة وفكر متجدد باستمرار؛ يعتمد علي تواصل الأجيال وحرية الرأي والتعبير.
يضاف إلي ما سبق أن تحققت معرفتي بالأقسام المختلفة بهذه المؤسسة العريقة التي جعلها الأستاذ هيكل تضاهي أهم المؤسسات الصحفية العالمية في الكفاءة والتأثير. وقد كان هو أول من صحبني في جولة في المبني في شارع الجلاء الذي لم يكن قد مضت علي افتتاحه سنتان. وبالطبع كل ذلك أضاف الي خبراتي الأكاديمية الكثير واعتبرته مكسبا عمليا لا يعوض.
ثانيا هيكل «الجورنالجي»
هذا هو اللقب الذي كان يفضله، وهناك العديد من رسائل الدكتوراة التي تناولت هذا الجانب من شخصية هيكل بالبحث والتحليل، وأعني الصحفي والسياسي المثقف الواسع الاطلاع المتعدد الاتصالات، ولكني سأشير هنا فقط الي تجربتي مع مقالات «بصراحة».
فمنذ ستة عشر عاما بدأت مشروع توثيق تراث والدي، ولم يكن متاحا لي سوي أوراقه الخاصة التي كانت في مكتبه في منزلنا في منشية البكري، فلم تفرج الدولة حتي الآن عن أي وثائق تتعلق بثورة 23 يوليو 1952.
وبدأت أضع خطة العمل، وقررت الاستهلال بمقالات الأستاذ هيكل في الأهرام تحت عنوان «بصراحة»، والتي بدأها في 9 يناير 1957، لماذا؟
أولا: هذه المقالات كانت مصدرا مهما للمعلومات بالنسبة للقارئ، فقد كان الأستاذ هيكل قريبا من عبد الناصر، يتصل به يوميا.. يعطي ويأخذ ويناقش ويحلل.
ثانيا: الانسجام الفكري بين الصديقين، مع حرية أكبر في الحركة والاتصالات بالنسبة لهيكل، كل ذلك انعكس علي هذه المقالات. وإن كان ذلك لم يمنع نقده لبعض مؤسسات الدولة وبعض المسئولين وبعض السياسات، مما جعل من هيكل عدوا لهم يتربصون به.
ثالثا: كان هيكل يرافق والدي في رحلاته ثم يكتب عنها، وعندما أردت أن أجد مثلا وصفا لرحلاته الي الجزائر بعد تحريرها في 1963، والي اليمن بعد الثورة في 1964، لم أجد إلا مقالات «بصراحة» في الأهرام التي تصور كل هذا بأسلوب جميل دقيق ومشاعر فياضة. بل لقد دهشت عندما عرفت أنه ذهب الي موسكو قبل زيارة خروشوف الي مصر في 1964، واستقل معه باخرته، ثم كتب عنه كإنسان وكسياسي عدة مقالات رائعة.
رابعا: كثيرا ما كان هيكل ينقل آراء عبد الناصر أو يكتب علي لسانه كلاما، وتلك معلومات نقيمها في الأبحاث أنها مصادر «درجة أولي».
خامسا: لقد كان والدي أيضا محظوظا لأن هيكل كانت له قدرة علي الشرح والتحليل لا يجاريه فيها أحد، فقد كان يقرأ أكثر مما يكتب وأرشيفه منظم جدا، ولا تخلو مكتبته من كتاب عربي أو أجنبي يضم اليها فور صدوره.
سادسا: هذه المقالات التي وصلت في دراستي الأخيرة لها حتي مايو 1967 - حيث وصلت في أبحاثي - مازالت تدهشني، وكثيرا ما دونت مراجع عربية وأجنبية ذُكرت فيها، بل إن بعضها كان مثارا لنقاش بين ناصر ورؤساء دول عربية، مثل مقال «إني أعترض» الذي اشتكي منه البعثيون أثناء محادثات الوحدة الثلاثية في عام 1963. لقد تركوا موضوع الوحدة بأكمله، وأخذوا يدافعون عن أنفسهم ويهاجمون هذا المقال وكاتبه! ولم يكونوا صادقين، فقد واجههم عبدالناصر قائلا: وماذا عن مقال «ملكيون أكثر من الملك» الذي هاجمتم فيه «الاستبداد المصري»، واقترحتم وحدة بلا عبدالناصر»! وجري الحوار التالي..
عبدالناصر: «مقالة هيكل يوم الأحد التي كان عنوانها «إني أعترض» رأيتها، ولكن لم أكن أتصور أبدا أنها مقالة تهدف الي إسقاط حكومة! هيكل كان كاتب ثلاث مقالات رد علي كل المواضيع التي طلعت في جريدة البعث، وبعد أثر المقال الأول طلبت منه أن ينتظر ويصبر.
صلاح البيطار: أذيع له مقال.. سيادة الرئيس.
عبدالناصر: مثل ما أذيعت مقالات جريدة البعث من دمشق!... وتذاع أيضا من بغداد، مقالة «ملكيين أكثر من الملك» أذيعت من دمشق ومن بغداد!...
أنا أقول وثيقة الانفصال الغرض منها كان إسقاط الحكم في مصر، وليست مقالة حسنين هيكل التي غرضها إسقاط البيطار. ولكن.. لم يسقط الحكم في مصر!
أنتم معتقدون أن الحكم في مصر ديكتاتوري! الحكم في مصر فردي!... الكلام الذي تقولونه ونشرتموه في جريدة البعث وفي التعميمات»!
والأكثر من كل ذلك شكوي الملك فيصل شخصيا من هيكل والأهرام، ففي مباحثات عبدالناصر معه في القاهرة، في 18 ديسمبر 1969، قال عبدالناصر: «إننا نعتبر تعاوننا عام 1967 في الخرطوم هو تاريخ فاصل في العلاقات بيننا»، وذلك بعد الاتفاق علي إنهاء حرب اليمن. فأثار الملك فيصل موضوع الأهرام مؤكدا.. «يُقال عنه إنه الناطق الرسمي للرئيس عبدالناصر شخصيا»! رد عبدالناصر: «الأهرام لا يمثل رأيي... إن الجريدة الرسمية هي الجمهورية... إن الأهرام جريدة مطلعة، وهيكل أنشط صحفي، ويبقي 12 ساعة في الجريدة»!
ونجحت في 2004 من الانتهاء من جمع مقالات الأستاذ هيكل في الأهرام، والأخبار، وآخر ساعة، والأنوار اللبنانية، ووضعها علي موقع جمال عبد الناصر بمكتبة الإسكندرية www.Nasser.org، وأصبحت متاحة للباحثين في بيوتهم.
سابعا: كان هيكل يحرص دائما علي أن يوثق كلامه، وكان معروفا عنه ولعه بجمع الوثائق، وخاصة عن مصر والعالم العربي، لذلك قدرت مدي حزنه عندما اقتحمت مجموعة من الإخوان المسلمين حُرمة بيته في برقاش وأشعلوا النار فيه، وهناك كان يحتفظ بكل الوثائق التي جمعها طيلة حياته!
في 23 سبتمبر 2014، كعادتي كل عام في يوم ميلاده، أجتمع مع عائلة هيكل علي الغداء، وفكرت ماذا أهديه؟ وطرأ لي خاطر أن أقدم له كل ما لدي من وثائق لم تنشر بعد علي «هارد ديسك»، ولكن طبعت قائمتها علي ورق. وعندما قدمتها له قلت: لا تحزن.. لقد استخدمت كل ما عندك من وثائق في مقالاتك وكتبك، أما هديتي فكلها جديد لم يطلع عليها أحد! وكنت سعيدة عندما لم ينتظر الي نهاية المناسبة، وإنما تنحي جانبا وبدأ في قراءة عناوين المادة التاريخية.
لقد كان هذا باختصار جزءا مما جال في خاطري مع هذه اللحظات الحزينة، وإذا كنت قد تركت العنان لقلمي لكتبت صفحات وصفحات.. ولكن بالنسبة لي إنسانيا، فإنني أحمد الله أن أعطاه العمر ليشاركنا الحياة، فيكفي أنه كان موجودا سندا معنويا داعما لنا عائلة جمال عبدالناصر في تجربة الحياة بما فيها من خير وشر.
والآن يلتقي الصديقان - هيكل وعبد الناصر بعد غياب 45 عاما مرت كلمح البصر، ولكنه ظل خلالها الثابت علي المبدأ، الوطني الشريف، الذي أعلي بمجهوده وكفاءته وفهمه العميق للحضارة، وتطوره المستمر مع الحديث من العلم كلمة بلاده، ليس فقط في الدول العربية ولكن في العالم كله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.