عشرات الجهات الرقابية .. وعشرات القوانين المنظمة .. وخبراء بالمئات، وبالرغم من ذلك يظل وضع سلامة الغذاء فى مصر فى منطقة حرجة فغالبا ما مر واحد منا بتجربة الإصابة بآلام فى المعدة أو حاله من القئ والإسهال بعد تناول وجبة من مطعم مشهور أو متواضع، وعادة ما تمر التجربة بسلام بعد تناول أى مطهر معوى وهكذا ينتهى الأمر، ولكنه ليس بتلك البساطة، ففى ظل وجود عدة وزارات وجهات من المفترض أنها تشرف على كافة مراحل تصنيع الغذاء بدءا من الشهادة الصحية للعاملين فى مجال التغذية و ختاما بالمنتج النهائى للأسواق ، لابد وأن يكون الوضع شبه أمن فى مسألة سلامة الغذاء. منذ عدة سنوات، تم طرح مشروع قانون لإنشاء هيئة قومية لسلامة الغذاء بهدف تحقيق متطلبات سلامة الغذاء، والرقابة والإشراف عليه فى جميع مراحل تداوله سواء كان منتجا محلياً أم مستوردًا، ومنع الغش والتدليس فيه وإجراء التفتيش اللازم على الجهات ذات الصلة وذلك لضمان أن تكون عمليات الإنتاج والتصنيع والتغليف والحفظ والتخزين والنقل والتسويق لجميع السلع الغذائية وفق الأسس الصحية السليمة بما يكفل الحفاظ على صحة وسلامة الفرد. ونص مشروع القانون الذى لم يبت فى أمره منذ عدة سنوات على إنشاء هيئة تسمى " الهيئة القومية لسلامة الغذاء " تكون لها شخصية اعتبارية عامة، وموازنة مستقلة، وتتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقرها القاهرة أو إحدى المحافظات المجاورة لها، كما يتم إنشاء فروع أخرى لهذه الهيئة فى محافظات مختلفة. كما نص مشروع القانون أيضاً على منح العاملين بالهيئة القائمين بتنفيذ أحكام هذا القانون والقوانين ذات الصلة بسلامة الغذاء دون غيرهم، صفة مأمورى الضبط القضائى فى إثبات الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام تلك القوانين والقرارات الصادرة تنفيًذا لها، ويصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص. استراتيجية موحدة وقد حرصت مواد مشروع القانون على جمع كافة الجهات الرقابية تحت مظلة واحدة لتوحيد تلك الجهود والتى يرى الدكتور نبيه عبد الحميد مدير المركز المصرى لمعلومات سلامة الغذاء أن مواد المشروع مشتتة ومتفرقة بين جهات عدة ومع ذلك فى النهاية لا تتم الرقابة على المنتج بشكل علمى سليم يضمن سلامة الغذاء ويعتبر نبيه أن هذا التعدد يمثل إهداراً لأموال ومجهود يمكن توجيهه بشكل أفضل من خلال وضع استراتيجية موحدة لكافة الجهات الرقابية، فهناك آلاف العينات التى تجمع من جهات متعددة ويتم تحليلها وكذلك يمكن أن يتلقى المصنع الواحد زيارات من عدة جهات رقابية فى اليوم الواحد دون تنسيق فيما بينهم . ويستطرد الدكتور نبيه قائلا:" للأسف فى مسألة إنشاء هيئة موحدة للرقابة على سلامة الغذاء نحن متأخرون عن دول حولنا مثل السعودية والأردن 15 سنة على الأقل" . رقابة ذاتية والرقابة لا تتوقف على سحب العينات وتحليل المنتج النهائى فقط ولكن هناك أساليب لضمان سلامة المنتج من خلال تحليل عينات من كافة مراحل الإنتاج ، فيؤكد مدير المركز المصرى لمعلومات سلامة الغذاء قائلا:" نحن لا نستفيد من كل تلك التحليلات إلا عند تحرير محضر أو قضية للمنتج ولكن لا يتم تقصى السبب الحقيقى وراء التلوث أو المخالفة المثبتة" . ويرى أن تشكيل هيئة موحدة للرقابة على سلامة الغذاء ستحقق الرقابة الذاتية داخل المصانع وعلى منتجات المصانع الأخرى ، فعلى سبيل المثال سيكون من حق "المخبز" أن يتحقق من سلامة الدقيق الذى يحصل عليه من المطحن وسيكون من حقه أيضا أن يضع شرطا فى العقد بذلك. ووفقاً لمدير مركز معلومات سلامة الغذاء ، فإنشاء هيئة سلامة الغذاء سيلزم المصانع نفسها بالتطوير والتدريب وهو ما يعرف "بالتزامات الإدارة" التى عليها أن تدخل مفاهيم مثل "مجاميع تحليل المخاطر" و"النقاط الحرجة" . ويوضح أنه ،على سبيل المثال ، يحصل العامل على الشهادة الصحية من مكتب الصحة والمطلوب تجديدها كل عامين والعالم كله يعتمد على هذا النظام ولكن فى المقابل يعتمد أيضاً على تدريب هذا العامل على مفاهيم التلوث والنظافة ومعنى الفطر والبكتريا .ففى انجلترا يحصل العامل على دورات تدريبيه للتعرف على كيفية حماية المنتج وضمان سلامة الغذاء من التلوث وهذا يختلف من مصنع إلى آخر فالمعايير تختلف من مصنع ألبان عن مصنع ينتج لحوما أو أسماكا. مصانع بير السلام وحول إمكانية مساهمة إنشاء هيئة الرقابة على الغذاء فى القضاء على ظاهرة مصانع بير السلام ، أعرب الدكتور نبيه عبد الحميد عن وجهة نظر مختلفة وهى ضرورة دراسة وضع كل مصنع من تلك المصانع والتعرف على أسباب إنشائه بشكل غير قانونى ، فبعضها يمكن تقنين وضعه وتدريب العاملين به لأنه فى النهاية جزء من الاقتصاد ويعتمد عليه المواطنون فالعالم كله يأكل من الشارع ولكن توضع نظم لحماية المستهلك من المخاطر الصحية. وعن اسباب عدم إنشاء الهيئة حتى الآن يقول الدكتور نبيه:" كل وزارة تريد أن تكون هى المسئولة عن الهيئة ونحن نطالب بتباعيتها لرئاسة الوزراء حتى يكون لها سلطة أدبية على كافة الجهات التنفيذية" . حماية المستهلك الرقابة لا تقتصر على أجهزة الدولة لكن للمجتمع المدنى أيضاً دوره ووفقاً لأمير الكومى رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك فقد بدأت المطالبة بإنشاء هيئة عليا لسلامة الغذاء والدواء وتوحيد القوانين منذ ست سنوات ولكن دون استجابة من الدولة ، فهناك العشرات من التشريعات بعضها منذ عام 1941بل أن بعضها متضارب و كذلك العقوبات المفروضة فى القوانين الحالية ضعيفة للغاية ولذلك تم إضافة 88 مادة على قانون حماية المستهلك المعروض حاليا على البرلمان. ولا يقتصر الأمر على تعديل القوانين وتوحيد جهات الرقابة من وجهة نظر الكومى فتطوير إمكانيات الجهات التنفيذية من أولويات تحقيق سلامة الغذاء، ووجود هيئة عليا للرقابة على الغذاء والدواء سيحتم وضع استراتيجية موحدة تنفذها الوزارات والجهات المعنية التى تعانى بالفعل من ضعف إمكاناتها وعدم مواكبة التطور التكنولوجى ومنها على سبيل المثال الوحدات البيطرية . ويرى الكومى أن هناك سياسات خاطئة للحكومة تشكل عائق أمام تحقيق سلامة الغذاء من بينها سياسات الزراعة التى أدت إلى تصدر مصر قائمة أعلى دول مستوردة للقمح بل أن ما يتم استيرادها يكون فيه مشاكل ضخمة . غياب المعلومات وحول عدد البلاغات التى تتلقاها جمعية حماية المستهلك، قال الكومي:" المشكلة لا تتمثل فى معدل البلاغات التى نتلقاها ،لكن فى تلك التى لا نعرف عنها شيئا والتى يظهر آثارها فى ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس سى والسرطان وغيرها من الأمراض" مشكله أخرى لتعدد الجهات الرقابية فى مصر يوضحها الكومى وهى غياب المعلومة الموحدة فكل جهة تجمع بيانات ومعلومات عن الغذاء ولا نستطيع الحصول على رقم دقيق وواضح فى النهاية. ويطالب الكومى بضرورة معالجة مشكلة مصانع بير السلم التى بلغ عدد ما تم حصره منها 620 الف مصنع 42٪ منها صناعات غذائية ويرى أن تطوير تلك المصانع ودمجها فى الاقتصاد الرسمى للدولة هو الحل المناسب بدلا من غلقها على أن يكون التطوير بالتعاون بين هيئة المواصفات المصرية و الصندوق الاجتماعى للتنمية. أرقام عالمية لا تمثل قضية سلامة الغذاء حالة محلية لكنها قضية عالمية تشغل بال كافة الدول حتى أن منظمة الصحة العالمية اختارت فى أبريل العام الماضى مسألة سلامة الغذاء ليكون محل الاهتمام فى الاحتفال باليوم العالمى للصحة، وتبنَّت له شعار "من المزرعة إلى المائدة، حافظوا على سلامة الأغذية"، لما لهذا الموضوع من أهمية كبيرة لا تقتصر على الصحة بل تمتد إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقطاعى التجارة والسياحة. وأوضح مسئولو المنظمة أن الأغذية غير المأمونة ترتبط بأكثر من 200 مرض مختلف، تتراوح ما بين أمراض سارية مثل الكوليرا وغيرها من أمراضِ الإسهال، وبين مجموعة من الأمراضِ غير السارية، ومن بينها الأنماط المختلفة للسرطان. وتتعدد الأمثلة من الأغذية غير المأمونة وتشمل الأطعمة المطبوخة ذات الأصل الحيواني، والفواكه والخضراوات الملوَّثة بالبراز، والمحار المحتوى على السموم البيولوجية البحرية. وأشارت التقديرات إلى أن الأمراض المنقولة بالغذاء والمياه تودى بحياة مليونى شخص سنوياً، وعددٌ كبيرٌ منهم من الأطفال وبخاصة فى البلدان النامية . وترتبط بعض النتائج الهامة بالعدوى المعوية التى تسبِّبها الفيروسات والبكتيريا والطفيليات التى تدخل الجسم عن طريق تناول الطعام الملوث وتُظهر نتائج دراسات أنه فى عام 2010 أصيب 582 مليون فرد تقريباً بحوالى 22 مرضاً من الأمراض المعوية المختلفة المنقولة عن طريق الأغذية، ووقعت 351 الف حالة وفاة مرتبطة بهذه الأمراض و سجل الإقليم الأفريقى أعلى عبء للأمراض المعوية المنقولة عن طريق الأغذية، يليه إقليم جنوب شرق آسيا، بينما أشارت الأرقام إلى أن أكثر من 40% من المصابين بالأمراض المعوية التى تسببها الأغذية الملوثة، هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات. وفى إقليم شرق المتوسط وعلى الرغم من أن عددا من الدول قد قطعت على نفسِها التزاماً بإنشاء نُظم لسلامة الأغذية ، فإن خمس دول فقط من بين الدول الأعضاء بالإقليم البالغ عددها 22 بلداً، أفادت بتلبيتها الكاملة لاشتراطات القدرات الأساسية الخاصة باللوائح الصحية الدولية فيما يتعلق بسلامة الأغذية الوعى الجماهيري ولا تتوقف سلامة الغذاء على رقابة الدولة لكنها تحتاج إلى اتباع المواطنين أنفسهم لعادات صحية ورفع وعيهم بالقضايا الصحية، ففى دراسة عن قياس الوعى الجماهيرى عن سلامة الغذاء نٌشرت على موقع الهيئة القومية لسلامة الغذاء (تحت التأسيس) تم اختيار ثمانى محافظات طبقا لتوزيع السكان وشملت الدارسة العديد من الأسئلة عن بعض الممارسات الصحية الخاصة بسلامة الغذاء مثل غسل الأيدي، وأكل الطعام بدون تسخين، وقياس المعلومات عن التسمم الغذائى وكيفية الإصابة به، كشفت الدراسات عن الكثير من المفاهيم الخاطئة والتى تحتاج إلى تصحيحها، وعلى سبيل المثال فهناك 11,8% من المواطنين يمكنهم تناول الغذاء المطبوخ باردا من دون تسخين، وأكثر من 30% لا يقومون بغسل أيديهم قبل البدء فى تحضير الطعام، بالإضافة أن هناك 38% لا يقومون بغسل أيديهم بالماء والصابون بعد دخولهم الحمام خارج المنزل، كذلك 50% من إجمالى العينة المسحوبة لا تهتم بقراءة تاريخ الصلاحية المدون على المعلبات!!