منتدى فالداى فكرة دارت بمخيلة الرئيس فلاديمير بوتين مع نهاية سنوات ولايته الأولى فى عام 2004، وكانت تتلخص فى الجلوس الى عدد من ابرز خبراء السياسة الدولية فى روسيا والعالم لتبادل الرأى والرؤى تجاه قضايا العالم بعيدا عن الدائرة الضيقة لقاعات المباحثات ومؤسسات البحث العلمى او اروقة صناعة القرار. وكان "المنتدى" استمد اسمه من الموقع الذى استضاف دورته الأولى على ضفاف بحيرة "فالداي" شمال غربى موسكو، فيما حرص على تقليد تغيير مواقع انعقاده ليضفى بذلك عليه مذاقا خاصا يتباين بقدر تباين التضاريس الجغرافية لروسيا المترامية الاطراف. ويبدو ان الفكرة لاقت قبولا واسع النطاق، بعد ان راقت للكثيرين ممن تقاطروا لتلبية دعوة موسكو غير الرسمية للمشاركة فى اعمال هذا المنتدى، ولا سيما بعد ان لمس الجميع مدى اهتمام الرئيس فلاديمير بوتين بما يتوصل اليه المشاركون من نتائج من منظور الرغبة فى الانفتاح على العالم الخارجى واتاحة الفرصة للآخرين لمعرفة ابعاد التغيرات فى الداخل الروسي. واكد الرئيس الروسى مدى حرصه على التواصل والتفاعل مع المشاركين فى دورات المنتدى من خلال تمسكه بحضور الجلسة الختامية للمنتدى ومشاركة الحاضرين مناقشاتهم والإجابة عن تساؤلاتهم بعيدا عن الرسميات وقيود الشكليات وهو ما سجلته دوراته منذ الدورة الأولى التى عقدها على ضفاف بحيرة فالداي. واذا كانت قائمة الضيوف ضمت فى اولى دورات هذا المنتدى أبرز رموز السياسة والفكر فى روسيا وبلدان أوروبا الغربية، فانها سرعان ما جنحت لاحقا لتضم رموز الشرق من آسيا وبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فى نفس الوقت الذى تبنى فيه معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية ومديره البروفيسور فيتالى ناعومكين فكرة عقد دورات خاصة بقضايا الشرق تحت رعاية كبير خبراء الشرق الاكاديمى الراحل يفجينى بريماكوف، وهو ما كان يضفى أهمية ووزنا خاصا على أعمال المنتدى. وها هو منتدى فالداى يعلن مؤخرا عقد دورته المقبلة وهى الخامسة فى سلسلة لقاءاته، فى موسكو بمشاركة ما يقرب من المائة من ابرز رجالات الفكر والسياسة من البلدان العربية والشرق أوسطية بما فيها تركيا وإيران، الى جانب ممثلين آخرين من أوروبا وآسيا والولايات المتحدةالأمريكية. وحول الدورة المرتقبة كان لقاء «الأهرام» مع البروفيسور اندريه بيستريتسكي رئيس صندوق دعم «منتدى فالداي»، عميد كلية الاعلام والاتصالات بالمدرسة الاقتصادية العليا فى موسكو. قال البروفيسور بيستريتسكى ان القائمين على اعمال هذه الدورة اختاروا موسكو موقعا لانعقادها، وكانوا فى السابق يعقدونها على مقربة من الشرق مثلما حدث فى الدورات التى عقدت فى البحرين والمغرب ومالطا وجزر البحر المتوسط. ومن المقرر ان تجرى أعمال هذه الدورة فى العاصمة الروسية يومى 25و 26 فبراير الحالى بمشاركة عدد من ابرز رموز السياسة والفكر ومنهم رؤساء حكومات ووزراء خارجية وسفراء سابقون كثيرون من مختلف البلدان، فيما من المقرر ان يشارك فيها سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية وآخرون من كبار رجال الدولة الروسية، وربما أيضا المبعوث الأممى الى سوريا ستيفان دى ميستورا. وكشف بيستريتسكى عن ان المنتدى سيعقد دورته هذا العام تحت شعار «الشرق الاوسط.. من العنف صوب الاستقرار»، ويتناول قضايا الحروب الأهلية فى سوريا وليبيا واليمن، والكوارث الإنسانية واحتدام المنافسة بين بلدان المنطقة، بمشاركة مباشرة من جانب قوى دولية فى نفس الوقت الذى تشهد فيه هذه المناطق اندلاع نيران الإرهاب وتوسع نطاق عدم الاستقرار وتصاعد وتائر العمليات الارهابية. وقال ان المنتدى بوصفه "بوتقة فكرية متعددة العناصر الدولية والإقليمية" يمكن ان يسهم من خلال تباين الرؤى والافكار، فى الكشف عن تصورات جديدة لهذه المشكلة او تلك من جانب مختلف الخبراء والمتخصصين، بما قد يفضى الى الحلول المنشودة . ومضى المسئول الروسى ليؤكد محاور المؤتمر المرتقب فى اطار الحلقات النقاشية التى سوف تتخصص كل منها فى تناول قضايا مثل «روسيا ومكافحة الإرهاب فى الشرق الأوسط»، و«النزاعات فى الشرق الأوسط والدور الذى تلعبه روسيا للتوصل الى تسويتها»، وايضا «التنمية الاقتصادية والادارة الرشيدة فى الشرق الاوسط»، إلى جانب «روسيا والبلدان الأوروآسيوية : الرد على التحديات فى منطقة الشرق الأوسط»، و«امكانات التعاون بين القوى الإقليمية والعالمية فى الشرق الأوسط». ولم يغفل البروفيسور بيستريتسكى الحلقة النقاشية التى سوف تتناول الموضوع الذى طالما شغل حيزا بالغ الأهمية فى كل المناقشات واللقاءات التى جرت على الصعيدين الاقليمى والدولي، وهو موضوع «منظومة الامن الاقليمى فى منطقة الشرق الاوسط». وفى معرض حديثه الى «الاهرام» قال البروفيسور بيستريتسكى ان الدورة المرتقبة تعنى اهمية خاصة فى الفترة الراهنة نظرا لاحتدام التوتر فى المنطقة وتصاعد وتيرة العمليات الارهابية من جانب التنظيمات الارهابية العالمية ومنها "داعش" فى منطقة الشرق الاوسط وامتداد لهيب هذه العمليات بعيدا عن بؤرتها فى سوريا والعراق لتطال الكثير من بلدان القارة الافريقية. وقال ايضا ان ايران ما بعد تقرير ملف برنامجها النووى ورفع العقوبات يمكن ان تكون موضوعا يرتبط به عدد من قضايا المنطقة ومنها النزاع الذى يحتدم مع المملكة العربية السعودية، وهو ما لا بد ان يتطرق اليه النقاش فى الجلسات المرتقبة للمنتدى. واضاف ان مشاكل المنطقة تتزايد ومن المطلوب تشخيص اسباب هذه المشاكل بما يسمح بطرح السبل اللازمة للحل. ومضى ليقول ان السبيل المناسب للتحول من العنف صوب التنمية المستدامة يتلخص فى التنسيق المتبادل بين اللاعبين الاساسيين، والائتلافات الرئيسية للحد من وتيرة النزاعات وصياغة اجراءات الثقة وتامين توازن المصالح على كل المستويات بما فيها الاصعدة الاقليمية والمحلية والعلاقات بين دول المنطقة. وكانت الوثائق التمهيدية للمؤتمر اشارت الى ان الامن الشامل فى منطقة الشرق الاوسط قد يبدو طوباويا، ومع ذلك تبدو مناقشة استراتيجية الخروج من ازمات المنطقة امرا بالغ الحيوية، وهو ما سوف يجرى الحديث عنه تحديدا فى الدورة الخامسة لمنتدى فالداى هذا العام. ويذكر المراقبون ان نتائج الدورات السابقة سواء ما يتعلق منها بملفات «فالداى الشرق» او المنتدى الرئيسى الذى طالما شارك الرئيس بوتين وابرز رموز السياسة العالمية فى دوراته السابقة، كانت دائما محور نقاشات كثيرة لاحقة، اسهمت فى تحديد ملامح السياسات العالمية والاقليمية. وكان بيستريتسكى سبق وقال «إن أهمية المنتدى تكمن فى إظهار قدرة روسيا على المساهمة الفعالة فى النقاشات الدولية حول المسائل الملحة». واشار فى حديث نشره موقع قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية أن الفائدة الأهم بالنسبة لروسيا تكمن فى أن منتدى فالداى يعتبر مجتمعا فكريا دوليا، ومجتمعا حواريا دوليا، ولكن مع "لكنة" روسية وبمشاركة روسية مرموقة.