الاتصالات الهاتفية الاخيرة بين القاهرةوموسكو تحدد الكثير من ملامح العلاقات بين البلدين فى ظل تصاعد حدة التوتر فى العلاقات الدولية والاقليمية واختلاط المفاهيم بين الثوابت والمتغيرات. ولعل تصاعد وتيرة اللقاءات والاتصالات فى الفترة الاخيرة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى وفلاديمير بوتين والتى كان آخرها الاتصال الهاتفى الذى تطرق الى بحث اخر تطورات الازمة السورية على ضوء دخول القوات الجوية الروسية ساحة المعارك ضد التنظيمات الارهابية هناك، يؤكد خصوصية العلاقة بين الزعيمين.. فضلا عن دورية الاتصالات بين وزيرى خارجية البلدين سامح شكرى وسيرجى لافروف التى لم يكن آخرها فى جوهره بعيدا عن مضمون اتصال الرئيسين . مثل هذه الوتيرة العالية للاتصالات بين العاصمتين تقول بأعلى درجات التفاهم بما يتسق مع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع بين القاهرةوموسكو فى عام 2009 الذى يحرص الزعيمان السيسى وبوتين على تفعيله رغم ان برلمانيى البلدين لم يصدقا عليه حتى اليوم. وكان بوتين قد استبق الكثيرين من نظرائه فى المنطقة والعالم بالاعتراف بعدالة ثورة 30 يونيو 2013 وما اسفرت عنه من تحركات وقرارات فى الثالث من يوليو من العام نفسه ما كان له ابلغ الاثر على توجهات القاهرة تجاه موسكو. ويذكر الكثيرون ما ظل بوتين يكرره فى اكثر من مناسبة حول «انه لولا السيسى لشهدت مصر ما تشهده ليبيا وسوريا من اضطرابات واقتتال»، وهو ما اسهم لاحقا فى رسم ملامح علاقة جديدة بين الزعيمين الروسى والمصرى على الصعيد الشخصى وصفها ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسية فى تصريحاته ل«الاهرام» بانها «كيمياء العلاقات الشخصية». ولعل ما بادر به بوتين بتفعيل آلية «2+2» التى تنص على اللقاءات الدورية لوزيرى خارجية ودفاع البلدين بين القاهرةوموسكو انطلاقا من معاهدة الشراكة الاستراتيجية رغم عدم التصديق عليها، يؤكد تقديره لتوجهات القيادة السياسية المصرية وارتقاء مستوى العلاقات الى الحد الذى بلغته علاقات موسكو مع البلدان التى تعنى لها اهمية استراتيجية متميزة، مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وايطاليا واليابان والصين والهند. ويتوقف الكثيرون من المراقبين فى موسكو امام العديد من اوجه التشابه، إن لم يكن التطابق، بين ثوابت سياسات القاهرةوموسكو تجاه اهم قضايا المنطقة وفى مقدمتها التعاون فى مواجهة التحديات الدولية ومكافحة الارهاب، وصلابة الموقف ضد التيارات الاصولية الدينية وحظر نشاط منظمة الاخوان المسلمين فضلا عن الموقف من الكثير من القضايا ومنها اخلاء منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل، وضرورة التسوية السياسية لاهم مشكلات المنطقة بداية بالتسوية السلمية للنزاع العربى الاسرائيلى ومرورا بالازمات الراهنة فى كل من سوريا واليمن والعراق. ولذا لم يكن غريبا ان تتوصل وزارتا الخارجية الروسية والمصرية الى اتفاق حول دورية مشاوراتهما الدبلوماسية الذى سرعان ما اقره الجانبان فى بروتوكول التعاون الاستراتيجى الذى وقعه الجانبان فى سبتمبر 2004 . وكان وزيرا خارجية البلدين اتفقا خلال اتصالهما الهاتفى الاخير حول ضرورة تنسيق جهود محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» والمجموعات الإرهابية الأخرى فى المنطقة بين الأطراف الإقليمية والدولية، فيما أكدا أهمية تنشيط جهود حل الأزمة السورية بالطرق السياسية«. وقالت مصادر الخارجية الروسية إن »الوزيرين اتفقا على مواصلة التعاون الوثيق لأجل حل المشكلات التى تواجه منطقة الشرق الأوسط، خاصة فى إطار منتدى التعاون الروسى العربى الذى يعتزم عقد الاجتماع الوزارى الجديد فى موسكو قبل نهاية هذا العام«. وتقول المصادر الروسية الرسمية ان موسكو تولى اهمية خاصة الى دور مصر المحورى فى منطقة الشرق الاوسط من منظور الاتفاق فى الرؤى تجاه عدد من اهم القضايا الاقليمية والدولية وبما يتسق مع المعالم الرئيسية للسياسة الخارجية لروسيا الاتحادية التى اقرها الرئيس بوتين فى فبراير 2013 . ونذكر بهذا الصدد ما تضمنته هذه الوثيقة من اشارة الى اولويات روسيا الاتحادية وسياساتها تجاه تشكيل النظام العالمى الجديد بعيدا عن هيمنة عالم القطب الواحد واعتماد الشرعية الدولية والمساواة والتكافؤ والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للغير اساسا للعلاقات فى الساحتين الاقليمية والدولية وهو ما سبق واعلنته القاهرة فى اكثر من مناسبة . وبهذا الصدد نشير الى ما اعتمدته موسكو فى وثيقة سياستها الخارجية حول علاقاتها مع المنطقة العربية وشمال افريقيا والتى جاء فيها: «ستقدم روسيا مساهمة كبيرة ومهمة فى استقرار الوضع فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما ستنتهج سياسة متتابعة لدعم تحقيق السلم الأهلى والوئام فى جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمنطقة ككل على أساس احترام السيادة ووحدة تراب وأراضى الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية. وعبر وضعيتها كعضو دائم فى مجلس الامن الدولى وكعضو فى «اللجنة الرباعية» للوسطاء الدوليين، ستواصل روسيا حشد وتعبئة الجهود الجماعية، على أساس معترف به دوليا، للتوصل إلى وتحقيق تسوية شاملة وطويلة الأجل للصراع العربى الإسرائيلى من جميع جوانبه، بما فى ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش فى سلام وأمن مع إسرائيل. إن مثل هذه التسوية ينبغى التوصل إليها عن طريق المفاوضات التى يرعاها المجتمع الدولى ويدعمها وباستغلال قدرات جامعة الدول العربية والأطراف المعنية الأخرى. كما ستدعم روسيا إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها فى الشرق الأوسط» كما اشارت الوثيقة الى ان روسيا ستعمل من خلال مشاركتها بصفة مراقب فى منظمة التعاون الإسلامى واتصالاتها مع جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجى على توسيع تعاونها وتفاعلها مع العالم الإسلامي. كما تعتزم روسيا مواصلة تطوير علاقاتها الثنائية مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا«. وكان ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصى للرئيس بوتين فى الشرق الاوسط والمسئول عن ملف البلدان العربية فى وزارة الخارجية الروسية قد قال فى تصريحاته ل«الاهرام» ان الواقع الراهن يملى الكثير من خطوات التنسيق بين البلدين فى مختلف المجالات ولا سيما مجالات الامن والدفاع. واشار بوجدانوف الى الاخطار المحدقة بالمنطقة وما يستوجب عمله لمواجهة هذه الاخطار، فيما كشف عن وجود اسلحة كيماوية فى ليبيا المجاورة محذرا من مغبة احتمالات وقوعها فى ايدى المجموعات الارهابية هناك. وقال بضرورة توخى الحذر من اخطار تسربها الى الاراضى المصرية عبر الحدود المشتركة. على ان بوجدانوف اشار ايضا الى الكثير من الانجازات التى تحققت على مدى العام الاخير منذ لقاء الزعيمين فى سوتشى فى اغسطس من العام الماضي. اشار الى اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين فى موسكو وفى القاهرة الى جانب اجتماعات اللجنة المشتركة للتعاون العسكرى التقنى فى موسكو خلال زيارة وزير الدفاع المصرى الفريق اول صدقى صبحى لموسكو فى مارس الماضي. وكشف المسئول الروسى الكبير عن زيارة مرتقبة من المقرر ان يقوم بها الجنرال سيرجى شويجو الى القاهرة فى نوفمبر - ديسمبر من العام الحالى لحضور اجتماعات الدورة الثانية للجنة المشتركة للتعاون العسكرى . وتوقف عند زيارة سكرتير مجلس الامن القومى الروسى نيكولاى باتروشيف ولقائه الرئيس السيسى وتاكيده حول التنسيق الثلاثى مع الامارات العربية فى مجال الامن القومى وهو ما تفسره الزيارة التالية التى قام بها باتروشيف للامارات العربية بعد زيارته للقاهرة. وقال بوجدانوف الذى سبق وقضى ما يزيد على الست سنوات سفيرا لبلاده فى القاهرة ان الكثير من الهموم المشتركة تجمع البلدين ولا سيما ازاء التعاون فى مجال مواجهة الارهاب والتطرف، مشيرا الى ان هذه المسالة تهم موسكو التى يرتاد الالاف من مواطنيها المنتجعات المصرية كل عام . واكد بوجدانوف ان اهتمام بلاده بمصر وقضاياها ينبع من يقينها من اهميتها كدولة رائدة فى المنطقة طالما لعبت دورا محوريا فى معالجة الكثير من القضايا الاقليمية.