هذا هو اللقاء الرابع فى عام واحد بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى وفلاديمير بوتين، بل هو الخامس اذا ما اخذنا فى الاعتبار لقاءهما الاول فى فبراير 2013 عندما كان السيسى آنذاك وزيرا للدفاع. فالأرقام تؤكد صحة ما اشار اليه ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصى للرئيس بوتين للشرق الاوسط وافريقيا، فى تصريحاته ل"الاهرام" حول "كيمياء العلاقات الشخصية" بين الزعيمين، وتشير ايضا بتقارب الرؤى والتوجهات تجاه تحديات العصر. فى لقاء مع بوجدانوف فى مكتبه بوزارة الخارجية الروسية، قبيل اللقاء المرتقب بين الرئيسين السيسى وبوتين فى موسكو، قال تعليقا على كونه اللقاء الرابع فى عام واحد :"انها كيمياء العلاقات الشخصية.. فالواقع الراهن يملى ضرورة المزيد من خطوات التنسيق بين البلدين فى مختلف المجالات، ولا سيما مجالات الامن والدفاع". واشار بوجدانوف الى الأخطار المحدقة بالمنطقة، وما يستوجب عمله لمواجهة هذه الاخطار. ولفت الى مبادرة بوتين حول تشكيل جبهة اقليمية مضادة لارهاب "داعش" . وكشف عن وجود اسلحة كيماوية فى ليبيا المجاورة، محذرا من مغبة احتمالات وقوعها فى ايدى المجموعات الارهابية هناك وشدد على ضرورة توخى الحذر من اخطار تسربها الى الاراضى المصرية عبر الحدود المشتركة. تجاذبنا اطراف الحديث حول العلاقات المصرية - الروسية، فأشاد بما تحقق من انجازات على مدار عام مضى منذ لقاء الزعيمين فى سوتشى فى اغسطس الماضي. وقال الدبلوماسى الروسى - الذى قضى ما يزيد على الست سنوات سفيرا لبلاده فى القاهرة- إن الكثير من الهموم المشتركة تجمع البلدين، ولا سيما ازاء التعاون فى مجال مواجهة الارهاب والتطرف، مشيرا الى ان هذه المسالة تهم موسكو التى يرتاد الآلاف من مواطنيها المنتجعات المصرية كل عام . وأكد المسئول الروسى الكبير ان اهتمام بلاده بمصر وقضاياها ينبع من يقينها من اهميتها كدولة رائدة فى المنطقة طالما لعبت دورا محوريا فى معالجة الكثير من القضايا الاقليمية.. وخلص بوجدانوف فى "حديثه" إلى استعادة الكثير من مشاهد الماضى القريب، وتعاون البلدين، والتى قال انها تبدو "اساسا راسخا لتطوير العلاقات"، مشيرا الى قرب انتهاء المباحثات حول التعاون فى مجال بناء المحطة النووية فى الضبعة .
التعاون العسكرى والأمنى لا أحد يختلف فى القول ان "كيمياء العلاقات الشخصية" بين الزعيمين بوتين والسيسى كانت تالية لتقديرات موضوعية من جانب كل منهما للاخر، فضلا عن اعلائهما لاهمية المصالح المشتركة اساسا لتقارب البلدين من اجل تحقيق الاهداف المنشودة. ولذا كان من الطبيعى ان تتعلق انظار الكثيرين فى مصر الى ما يمكن ان تنجم عنه هذه العلاقة على ضوء ما سبق وكشف عنه الرئيس الروسى من رؤى وتوجهات ازاء المتغيرات الاقليمية والدولية التى شهدتها المنطقة العربية منذ اندلاع ثورة 25 يناير. لهذا لم يكن غريبا ، ان يكون بوتين اول من يعلن تاييده لثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو ويبارك ما اتخذته من خطوات لاحقة بما فيها التغييرات التى اعلنتها فى الثالث من يوليو 2013 ما دفع جموع الجماهير الى رفع صوره فى ميدان التحرير جنبا الى جنب مع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والفريق اول عبد الفتاح السيسى. وكان من الطبيعى ايضا ان يبادر الرئيس بوتين ومن نفس المنطلقات نفسها بايفاد وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين الى القاهرة للقاء نظيريهما المصريين فى نوفمبر 2013 ، فى إشارة مباشرة الى حرصه على الارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين الى مستوى مغاير، فى سابقة هى الاولى من نوعها، وإن انطلقت عمليا من اتفاقية الشراكة الاسترتيجية الموقعة بين البلدين فى القاهرة فى 2009 رغم عدم التصديق عليها من مجلس الشعب المصرى ومجلس الدوما الروسى. ومن هذا المنظور ، يمكن تناول الزيارة التى قام بها الفريق اول صدقى صبحى وزير الدفاع والانتاج الحربى لموسكو فى مارس من العام الجارى ولم يكن مضى على زيارة الرئيس بوتين للقاهرة فى فبراير الذى سبقه اسابيع قليلة. وكان وزيرا دفاع البلدين صبحى وشويجو قد وقعا "بروتوكول التعاون العسكري" بين مصر وروسيا فى ختام الجلسة الأولى للجنة المشتركة للتعاون العسكرى التقني، فضلا عن الاتفاق حول إجراء مناورات عسكرية مشتركة "جسر الصداقة 2015" فى البحر المتوسط فى الفترة 6 - 14 يونيو الماضى فى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك تعزيز وتطوير التعاون العسكرى بين القوات البحرية المصرية والروسية لخدمة الأمن والاستقرار، وتبادل الخبرات بين أفراد القوات البحرية للبلدين فى مواجهة التهديدات البحرية المختلفة والتخطيط وتنسيق الجهود المشتركة فى التعامل مع التحديات العصرية فى مناطق بحرية ذات حركة ملاحة نشطة" على حد قول المصادر الروسية. ولا يفوتنا هنا ، ان نشير الى الهدية "التاريخية" التى احتفت بها الاوساط المصرية ايما احتفاء فى خضم احتفالات مصر بقناة السويس. وكانت الحكومة الروسية اعلنت عن اهداء مصر الزورق "مولنيا" وتعنى بالعربية "البرق"، المزود بالصواريخ الهجومية، وهو الذى اشار المتحدث العسكرى المصرى الى "انه هدية تعكس مواقف موسكو الداعمة للقاهرة"، مشيرا إلى تطابق الرؤى بين القيادة السياسية فى كل من البلدين، فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب". كما لا يفوتنا بهذا الشأن ، الاشارة الى ما كشفت عنه المصادر الروسية الرسمية عن ان مصر تدخل ضمن قائمة العشرة الكبار للمشترين الرئيسيين للاسلحة والمعدات العسكرية الروسية. وتضم قائمة العشرة الكبار كلا من الهند والعراق والصين وفيتنام وايران وفنزويلا والجزائر ومصر وليبيا والبرازيل. ومن المعروف ان روسيا تشغل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة فى مجال اكبر بلدان العالم المصدرة للاسلحة والعتاد العسكري، فيما تقوم بتصدير منتجاتها الحربية الى اكثر من 65 من دول العالم. وبهذه المناسبة، كان دميترى ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية قد تطرق الى مسائل التعاون العسكرى مع مصر فى حديثه ل"الاهرام" فى السادس من اغسطس الجارى ، حيث شدد على اهميته فى الوقت الذى حرص فيه على تاكيد انه غير موجه ضد بلدان اخري، نظرا لأنه وقبل كل شيء يدور حول تعزيز القدرات الدفاعية لمصر، بما فى ذلك قدرتها على مواجهة الإرهاب. اما عن التعاون الامني، فان ما جرى من اتصالات ولقاءات يؤكد انه لا يقتصر على المجالات العسكرية وحسب،بل ويتعداها الى التنسيق فى مجال مواجهة الجماعات الارهابية والمتطرفة والتى انتشرت عقب انهيار الاوضاع الامنية فى سوريا والعراق وليبيا. فى هذا الاطار كانت زيارة نيكولاى باتروشيف سكرتير مجلس الامن القومى للقاهرة بدعوة من نظيرته فايزة ابو النجا ولقاءاته مع الرئيس السيسى.
التعاون الاقتصادى والنووي اقتصاديا .. نقلت المصادر الروسية عن وزير الصناعة دينيس مانتوروف تصريحاته حول أهمية التعاون الاقتصادى مع مصر لما تملكه من موقع متميز على الخريطة الاقتصادية ما يوفر للشركات الروسية إمكانيات ممتازة لتوريد منتجاتها إلى مصر. وكان مانتوروف ترأس وفد بلاده خلال اجتماعات الدورة الثانية للجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادى والعلمى التقنى التى عقدت فى القاهرة فى مايو الماضي. وكشف مانتوروف ايضا عن اهتمام بلاده بالطلب الذى تقدمت به مصر لإقامة منطقة للتجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادى الأوراسي، فيما اشار الى أن تنفيذ الاتفاقية سيساعد على زيادة حجم التبادل التجاري، وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية. واكد ديينس مانتوروف أن انشاء منطقة حرة مصرية روسية فى اطار مشروع قناة السويس الجديد سيتم فى الربع الأول العام المقبل 2016، مشيرا الى ان الشركات الروسية تعتزم تكثيف وجودها فى مشاريع انتاج النفط فى شمال مصر، واقامة مشروعات مشتركة فى الهندسة الميكانيكية بتصنيع الحافلات والسيارات . وكان الجانبان سبق واتفقا ايضا حول مشاركة الشركات الروسية فى التنقيب عن النفط والغاز فى مصر الى جانب صادرات روسيا من الغاز المسال والاخشاب والزيوت والتعاون فى بناء المحطات النووية والمترو. ومن المعروف ان مصر وروسيا قطعتا منذ بداية القرن الحالى شوطا كبيرا فى مجال التعاون فى مجال التنقيب واستخراج النفط والغاز. وكان دميترى ميدفيديف قد اشار فى نفس حديثه الى "الاهرام" الى ان البلدين يبحثان الآن مشروعات مشتركة جديدة، بما فى ذلك قطاعات التكنولوجيا المتطورة - فى الصناعة الثقيلة والخفيفة، وفى مجال الطاقة التقليدية والمتجددة، وصناعة الآلات، والنقل، والزراعة، وقطاع الاتصالات، والأدوية، والطب والتعليم. واشار ميدفيديف الى ان حوالى 1500 شركة ورجال أعمال تقدموا فى العام الماضى إلى الممثلية التجارية الروسية فى مصر بطلب المساعدة لإقامة علاقات شراكة، وهذا العدد هو ضعف المؤشر نفسه لعام 2013.. وقال :" بحلول بداية شهر يوليو الماضي، تلقينا أكثر من ألف طلب بهذا الشأن، لذلك آمل أن يكون الأمر قد وصل إلى إبرام اتفاقيات وعقود محددة، يكون تأثيرها واضحا على كل من روسيا ومصر اللتين تجمعهما رغبة مشتركة فى توسيع علاقاتهما". اما عن التعاون النووي، فقد توصل البلدان الى عدد من الاتفاقات حول بناء المحطة النووية الاولى فى الضبعة، بعد اعلان موسكو عن استعدادها للمساهمة فى تلبية احتياجات مصر من الطاقة، ولاسيما فى المجالات التى تتميز فيها روسيا، ومن بينها إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.. والمحطة المصرية- التى تم تقديم عرض إنشائها- ستتفق مع أحدث نظم التكنولوجيا العالمية"، حسبما قال السفير علاء يوسف عقب استقبال الرئيس السيسى لرئيس مؤسسة "روس اتوم" للطاقة النووية الروسية كيرينكو فى يونيو الماضى . وكان الجانبان قد اقرا التعاون فى هذا المشروع فى معرض مباحثات الرئيسين السيسى وبوتين فى القاهرة فى فبراير الماضي .
التعاون فى مجالات السياحة والثقافة وتبقى علاقات التعاون فى المجالات الثقافية والسياحية التى تقول المؤشرات انها تسير فى خط صاعد وإن لم تبلغ بعد المستوى الذى يرقى الى ما يملكه البلدان من امكانيات وقدرات. واذا كانت العلاقات السياحية تصادف بعض العثرات التى يمكن ان نعزوها الى الاوضاع السياسية والامنية التى فى سبيلها الى التحسن المطرد، فان العلاقات الثقافية مدعوة الى تجاوز مرحلة الركود والانطلاق الى آفاق اكثر رحابة، وبهذا الصدد، نذكر ان ادارة مهرجان الاسكندرية السينمائى الدولى بادرت هذا العام- وتقديرا لمكانة روسيا ودورها فى اثراء الثقافة والسينما العالمية- باتخاذ قرارها حول "اعلان روسيا ضيفة شرف الدورة الحادية والثلاثين"، وتكريم كارين شاه نزاروف احد اهم نجوم السينما الروسية والعالمية. اما عن البعثات التعليمية، فانها تبدو ايضا فى حاجة الى اعادة نظر فى اطار ضرورة التركيز على المعاهد والجامعات الروسية ذات الشهرة العالمية عالية الكفاءة التى يدرس بها المبعوثون ، مثل جامعة موسكو وسان بطرسبورج وباومان التقنية، والتأكيد على اقتصار الايفاد على دراسة التخصصات العلمية الدقيقة التى تفيد الوطن.
موسكو ومشروع «قناة السويس» قال ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية الذى جاء للمشاركة فى احتفالات مصر بهذه المناسبة نيابة عن الرئيس بوتين:" تحديث القناة هو مشروع شامل لا يقتصر على تطوير البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية، وفى الواقع يمكن اعتبار هذه القناة نقطة انطلاق جديدة فى تطوير الاقتصاد المصرى والتعاون الدولى مع الشركاء" . واضاف:" مؤسساتنا مستعدة للمشاركة فى هذه المشاريع الاقتصادية، ويمكن أن تصبح مسألة إنشاء منطقة صناعية روسية بالقرب من قناة السويس إحدى الخطوات الأولى فى هذه الشراكة.. وهذا الموضوع يجرى مناقشته بنشاط على المستوى الوزاري، وبالتحديد يجرى العمل على صياغة مفهوم هذا المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجات السوق فى مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط وإفريقيا".