فى أعقاب 30 يونيو 2013 تبلورت استراتيجية مصر الجديدة فى السياسة الخارجية حيث أصبح لمصر قاعدة واسعة من العلاقات الدولية بما سمح لها بتعدد الاختيارات والبدائل وهى الاستراتيجية التى سمحت لمصر أن تجدد علاقاتها مع قوى مثل روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية. وقد وضع الرئيس السيسى ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية لمصر من خلال العمل على توازن علاقات مصر الدولية وتنوع توجهاتها مع مختلف الدول خاصة روسيا حتى لو لم تعد الدولة الأعظم ولكنها مازالت القطب الثانى فى النظام الدولى. وقد استعادت العلاقات المصرية الروسية عافيتها من جديد والفضل فى هذا يعود للرئيسين السيسى وبوتين مهندسى إعادة هذه العلاقات لمسارها الصحيح بما يسهم فى إحداث نهضة اقتصادية فى مصر ويؤكد الرغبة فى إقامة نظام اقتصادى كفء وعادل وهو ما حدث من خلال توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات لدعم الاستثمار والتجارة والتخلص من المعوقات الإدارية والبيروقراطية بين البلدين فى مجالات عديدة منها الطاقة النووية والزراعة والاستثمار والسياحة والبنية التحتية ومنع الازدواج الضريبى. وفى كلمته خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الروسى، فى ختام القمة التى عقدت بينهم بقصر القبة الأسبوع الماضى، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن مصر تستند فى علاقاتها مع روسيا على أسس عميقة من التعاون الممتد عبر سنوات طويلة والذى لم ينقطع يوماً، وقال السيسى إن القاهرة ترى فى روسيا صديقاً استراتيجيا لعلاقاتها الخارجية المتوازنة. وأضاف السيسى أن مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو تمد يدها بالصداقة إلى كافة الدول التى ساندتها فى مسيرتها خلال السنوات الماضية نحو تحقيق ما يصبو إليه الشعب المصرى العظيم على كافة المسارات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وقال السيسى «إنه لمن دواعى سرورى أن أرحب بالرئيس الروسى بوتين رئيس روسيا الاتحادية فى القاهرة كضيف عزيز على بلدنا وأنتهز الفرصة لأنقل له خالص مشاعر الصداقة والتقدير التى يكنها المصريون له ولدولته وشعبها الصديق». وأضاف قائلا: «ارتباطاً للمواقف الشجاعة التى أبدتها روسيا لمصر وشعبها خلال العامين الماضيين فى ظروف دقيقة مرت بها.. أشعر بسعادة بالغة أن تأتى الزيارة لتؤكد على موقف روسيا وتضامنها مع مصر فى حربها ضد الإرهاب وتؤكد على التطور الذى شهدته العلاقات بين البلدين بعد ثورة 30 يونيو ولتضيف إلى ما شهدته زيارتى لروسيا العام الماضى وتجديد انطلاق العلاقات إلى آفاق جديدة. وأوضح السيسى أنه استعرض مع الرئيس بوتين مختلف العلاقات الثنائية بين البلدين حيث أكد على تمسكهما بثوابت العلاقات الاستراتيجية القائمة بين البلدين وعلى استمرار تبادل اللقاءات رفيعة المستوى وتبادل الرؤى حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأنه تم الاتفاق على استمرار التعاون بين البلدين فى مختلف المحافل الدولية والإقليمية لدعم مواقفهما المشتركة من القضايا المختلفة وعلى الاستمرار فى تعزيز التعاون العسكرى بين مصر وروسيا خاصة فى ظل الظروف الراهنة كما تم التأكيد خلال المباحثات على ضرورة دفع علاقات التعاون الاقتصادى والتجارى بين البلدين وتسهيل حركة التبادل التجارى وإزالة المعوقات فى تلك العلاقات والتعاون خاصة فى مجال الحبوب. وأشار الرئيس إلى أنه اتفق أيضا خلال المباحثات مع بوتين على تيسير جهود إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الجمركى الأوراسى لتسهيل التجارة بين مصر ودول الاتحاد. وأضاف أنه تم الاتفاق على تعزيز التعاون فى مجال الطاقة بمختلف أنواعها بما فيها الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والاستفادة من الخبرة الروسية فى هذا المجال الذى توليه مصر اهتماماً خاصاً فى إطار خطتها للتنمية وتوفير احتياجاتها من الطاقة، وأشار السيسى إلى أنه استعرض مع بوتين التحضيرات المصرية الجارية لمؤتمر مصر الاقتصادى فى شرم الشيخ وأعرب عن تطلعه لوجود مشاركة روسية فاعلة فيه وهو ما أكد عليه الرئيس الروسى. وأكد الرئيس السيسى أنه تم الاتفاق أيضا على دفع العلاقات الاستثمارية بين البلدين والبدء فى إقامة منطقة صناعية روسية فى شمال عتاقة على محور قناة السويس، كما تم الاتفاق على تعزيز علاقات التعاون فى مجال السياحة. وفيما يخص الأوضاع الدولية والإقليمية أكد السيسى أن اللقاء اكتسب أهمية خاصة فى ضوء التحديات التى تواجهها مصر وروسيا فى المرحلة الراهنة مشيرًا أن الجانبين أكدا على وقوفهما جنباً إلى جنب فى مواجهة هذه التحديات فى ظل تفشى آفة الإرهاب البغيض الذى يعانى منه العالم أجمع. وقال السيسى إنه اتفق مع نظيره الروسى على أن تحدى الإرهاب الذى تواجهه مصر وواجهته روسيا لايقف عند أى حدود، لافتا إلى أن استشراء تلك الظاهرة يحتم ضرورة تكاتف الجهود الدولية لمواجهتها والتعامل معها من خلال منهج شامل لا يقتصر فقط على التصدى الأمنى وإنما محاربة الأسس الفكرية التى توفر بيئة حاضنة تخرج منها التنظيمات الإرهابية ومعالجة الأوضاع الاجتماعية التى تسهم فى المساعدة على نمو الإرهاب والتطرف.وأشار إلى أنه تم الاتفاق على ضرورة إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية وضرورة الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها ووحدة العراق وتحقيق الوفاق بين مختلف مكوناته الوطنية.وأنه تم الاتفاق كذلك على دعم جهود مكافحة خطر الإرهاب الذى يهددنا وتوفير البيئة المناسبة للأطراف السورية للقاء مرة أخرى للخروج بتفاهمات تؤسس لحل سياسى على أساس مرجعيات جنيف. وحول الأوضاع فى اليمن قال السيسى إنه تم الاتفاق على ضرورة التوصل إلى تسوية عاجلة للأزمة وعدم السماح بتهديد وحدة وسلامة اليمن وأمن واستقرار المنطقة. وأكد السيسى أنه اتفق مع نظيره الروسى على حاجة العالم لتطوير نظام دولى أكثر ديمقراطية وعدلا وأمناً لكافة الدول، كذلك الحاجة الملحة لإقامة نظام اقتصادى دولى أكثر عدلا وإنصافاً. واختتم السيسى كلمته قائلا: «حضرت مع الرئيس بوتين مراسم التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين بما يعزز التعاون المشترك وذلك فى قطاع الطاقة حيث تم التوقيع على مذكرة للتفاهم لإقامة محطة نووية فى الضبعة لتوليد الطاقة الكهربائية ومذكرات تفاهم أخرى فى مجال الاستثمار والغاز. ومن جانبه قال الرئيس بوتين «قبل كل شئ أود أن أشكر الرئيس السيسى على توجيه هذه الدعوة لزيارة القاهرة»، كما قدم بوتين الشكر للمواطنين المصريين وأهل القاهرة لأنهم أكدوا على حسن الضيافة خلال الاستقبال الحافل فى شوارع العاصمة المصرية سواء له أو للوفد المرافق له.وأشار بوتين إلى أن زيارته الأولى للقاهرة كانت منذ 10 سنوات مشيرا إلى أنه وزملاءه يتمتعون بحسن الضيافة على الأراضى المصرية على الدوام. وقال بوتين إنه على رغم الصعوبات التى واجهتها مصر خلال السنوات الأخيرة إلا أن البلدين تمكنا فى علاقاتهما الثنائية بالاحتفاظ بالمستوى اللائق لهذه العلاقة والارتقاء بآفاق جديدة للتعاون بينهما.وأكد الرئيس الروسى أنه أجرى مع الرئيس السيسى مفاوضات بناءة وذات مضمون استكمالا للحوار الذى بدأ فى مدينة سوتشى الروسية حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية التى تهم البلدين.ودعا الرئيس الروسى السيسى إلى زيارة روسيا مرة أخرى فى زيارة رسمية لتبادل الآراء حول كافة المسائل ذات الاهتمام المشترك. وقال بوتين إن التعاون الاقتصادى بين البلدين كان على رأس المباحثات مشيرا إلى أن التبادل التجارى فى السنة الماضية بين البلدين زاد بنسبة 80 % ومن العوامل الرئيسية لهذه للزيارة هو التعاون فى مجال المنتجات الزراعية كما زاد تصدير القمح الروسى إلى مصر وزاد تصدير المنتجات المصرية إلى روسيا. وأشار إلى أن التعاون فى مجال الطاقة يتطور بمعدلات طيبة فهناك أكثر من 1.4 مليون طن مشتقات نفطية وصلت إلى مصر. وأضاف بوتين أن الرئيس السيسى ذكر أنهما ناقشا آفاق التعاون فى مجال الطاقة النووية لافتا إلى سعى البلدين للاتفاق على إقامة محطة طاقة نووية فى مصر وخلق مجال كامل جديد فى الاقتصاد المصرى حيث يشمل المشروع بناء المحطة وتدريب الكوادر وإعداد الدراسات والبحوث العلمية كمشروع متكامل.. بالإضافة إلى كل ذلك فهناك آفاق واعدة فى الاستخدام السلمى فى الفضاء الكونى وعبر الملاحة باستخدام الأقمار الصناعية ونظام الملاحة الروسى «جلوناس».. مضيفا أنه سوف تركز الجهود فى تطبيق جملة من المشاريع الاقتصادية خلال الفترة المقبلة. وأشار الرئيس الروسى إلى أهمية توقيع مذكرة تفاهم حول الاستثمارات والمشاريع الاستثمارية المشتركة بين البلدين مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على توسيع الإمكانيات للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة وهناك أكثر من 400 شركة روسية تعمل على الأراضى المصرية. وقال الرئيس الروسى: «إننا نعمل على استمرار عمل مجلس الأعمال الروسى المصرى، ونرى أنه من أهم عوامل التعاون الثنائى وإضافة إلى الاتصالات الإنسانية فيما يخص التبادل السياحى والتعليمى. وأضاف أنه خلال العام الماضى زار المنتجعات المصرية أكثر من 3 ملايين سائح روسى مما يشكل زيادة 50 % عن عام 2013. وأكد بوتين أن كل تلك النتائج الإيجابية فى العلاقات بين البلدين وتطورها يعود إلى الاستقرار السياسى الذى تم الوصول إليه تحت قيادة الرئيس السيسى. وأضاف بوتين: «ناقشنا الأوضاع الإقليمية والشئون الدولية حيث تم الاتفاق على تكثيف الجهود فى مكافحة الإرهاب وتحدثنا باهتمام كبير فيما يخص تسوية الأزمة السورية وتحدثنا فى موضوع التسوية فى الشرق الأوسط» مضيفا أنه أبلغ السيسى عن النتائج التى توصل إليها اجتماع المعارضة السورية وممثلى الرئيس الأسد فى موسكو. وقال بوتين إننا نعول كثيرًا على إجراء الجولة الثانية لتلك الاتصالات ونأمل فى الوصول إلى تسوية سلمية فى سوريا. وكان السيسى وبوتين قد عقدا جلسة مباحثات مغلقة عقب مراسم الاستقبال الرسمية بقصر القبة استمرت لأكثر من ساعة ثم أعقبتها جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدى البلدين الذى ضم كلاً من المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء وفايزة أبو النجا مستشارة الرئيس للأمن القومى والفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع والإنتاج الحربى ووزير الخارجية سامح شكرى ووزير التجارة والصناعة منير فخرى عبد النور ووزير الزراعة عادل البلتاجى ووزيرة التعاون الدولى نجلاء الاهوانى وأشرف سالمان وزير الاستثمار ووزير الكهرباء محمد شاكر. كما ضم الوفد الروسى كلا من سيرجى لافروف، وزير الخارجية، وإليكسى أوليوكاييف، وزير التنمية الاقتصادية، وإلكسندر نوفاك، وزير الطاقة، ودينيس مانتوروف، وزير الصناعة والتجارة، ونيكولاى فيودوروف، وزير الزراعة، وسيرجى كيريينكو، رئيس شركة «روس أتوم» وكيريل ديميترييف، المدير العام لصندوق الاستثمارات المباشرة، وميخائيل بوجدانوف مبعوث الرئيس الروسى لشئون الشرق الأوسط ومساعد وزير الخارجية. من جانبه قال وزير الزراعة الروسى نيكولاى فيودوروف إن بعض الشركات الروسية ستشارك فى بناء منشآت لتخزين الحبوب فى مصر بطاقة تصل إلى 8 ملايين طن.